حقيقة وليست خيال .. قريباً تقنية شم الأمراض عبر الهواتف الذكية
يسعى العلماء اليوم لتطوير حاسة الشم لدى الروبوتات والهواتف المحمولة. هذاالحديث ليس خيالاً علمياً قد يتحقق بعد قرن أو قرون، إذ يقول العلماء إن الذكاء الاصطناعي قد يكون قادراً بالفعل على “شم رائحة الأمراض” خلال خمس سنوات فقط، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي.
إذ قال أندرياس ميرشين، عالم الأبحاث والمخترع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، للموقع إن تقنية تصنيع هواتف ذكية بإمكانها الشم تقترب من التحقق الواقعي. “ربما نحن على بعد خمس سنوات، وربما أقل قليلاً، من نقل التكنولوجيا من حيث هي الآن إلى داخل الهاتف بالكامل. أنا أتحدث عن نشر التقنية في 100 مليون هاتف”.
شم الأمراض عبر أنف آلي
تقوم الفكرة بشكل أساسي على تصميم أنف آلي لاكتشاف الأمراض بالضبط كما يفعل أنف الكلب. وأحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول أنوف الروبوت هو تمكن الباحثين من إحراز تقدم بالفعل على الرغم من أن الكيفية التي تعمل بها أنوفنا البيولوجية كبشر، وهذا هو اللغز الغامض: كيف يمكن للعلماء بناء أنف آلي إذا لم يفهموا كيف تعمل الرائحة؟
ففي منازلنا وفي جيوبنا، هناك أجهزة إلكترونية يمكنها سماعنا ورؤيتنا واستشعار لمستنا، وهو ما يفعله الهاتف الذكي، لكن ما ينقصنا هو التكنولوجيا التي بإمكانها الشم. وليست الفكرة هنا أن يخبرك التطبيق الناطق على الهاتف متى تحتاج إلى الاستحمام، إذ إن هناك مهمة أكبر في مجال الصحة العامة وهي استنساخ القدرات المذهلة للكلاب في اكتشاف الأمراض في شكل أكثر قابلية للحمل والتنقل وسهل الوصول إليه للمساعدة في التعرف على الأمراض الخبيثة في وقت مبكر.
ويمكن للعلماء تدريب المزيد والمزيد من الكلاب للمساعدة في اكتشاف الأمراض، ونشر هذه الكلاب في جميع أنحاء العالم. لكن هذا النوع من التدريب مكلف وصعب ويستغرق وقتاً طويلاً. بالإضافة إلى ذلك، لا يحب الجميع الكلاب، ولن يكون شم الجسد بواسطة كلب قبل مباراة لكرة القدم أو أثناء موعد مع الطبيب محل تقدير من الجميع.
تحديات تواجه أنوف الروبوتات
يعرف العلماء الكثير من آليات الشم الأساسية، فهم يعلمون أنه في أعماق أنوفنا توجد مستقبلات خاصة تتفاعل مع جزيئات الرائحة التي نتنفسها. وهم يعلمون أن تلك المستقبلات ترسل إشارات إلى الدماغ.
ما لا يعرفونه هو لماذا تبدو رائحة الأشياء كما هي عليه. هذا هو، لماذا نشم جزيئاً من الرائحة بطريقة ما، بينما جزيء رائحة آخر ذو شكل مماثل له رائحة مختلفة؟ لا يزال هذا لغزاً. (بالنسبة للرؤية، على سبيل المثال، لا يوجد سوى عدد قليل من أنواع المستقبلات، والطريقة التي تتفاعل بها مفهومة جيداً. بالنسبة للرائحة، هناك 400 نوع، وقد بدأنا للتو في فهم كيفية عملهم معاً للكشف عن الرائحة).
لكن لغز الرائحة لا يردع العلماء مثل ميرشين، وقال للموقع الأمريكي: “يمكنني الحصول على معدات تزيد قيمتها على 100 مليون دولار. ويثير استيائي نوعاً ما أن كلباً متواضعاً يمكنه الأداء بشكل أفضل من المعدات التي تزيد قيمتها على 100 مليون دولار”.
حاول ميرشين لأول مرة تصنيع أنف آلي في عام 2007، عندما أعلنت وكالة DARPA، وكالة البحث والتطوير التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، عن تحدي، إذ أرادت معرفة ما إذا كان بإمكان شخص ما تصنيع أنف آلي يمكنه اكتشاف جزيئات معينة، ولم تنشر DARPA القائمة الدقيقة على الملأ، ولكن بناءً على القائمة، يشتبه ميرشين في أن الجزيئات لها علاقة بشم القنابل أو المخدرات أو الجثث.
إذن كيف تصنع أنفاً آلياً؟ اعتقد ميرشين، ومساعده في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، شوغوانغ جانغ، وفريقهم في البداية أنهم قد يصنعون شيئاً يمكنه الكشف عن جزيئات الرائحة بذاتها مباشرة، شيء مثل كاشف أول أكسيد الكربون المعزز. عندما يدخل أي جزيء من الرائحة إلى الكاشف، على غرار ما يحدث عندما يدخل غاز أول أكسيد الكربون إلى كاشف أول أكسيد الكربون، ينطلق الإنذار.
وقد استخدموا مستقبلات الرائحة الحقيقية، والتي زرعوها في خلايا. ونشروا المستقبلات على لوحة دوائر كهربائية. (تعمل جميع المستقبلات الحسية على ترجمة العالم الخارجي إلى إشارات كهربائية يمكن لأدمغتنا فهمها. في هذه الحالة، ستنتقل الإشارات إلى الدوائر بدلاً من الدماغ).
كان الأمل في أن تعطي المستقبلات قراءة لجميع جزيئات الرائحة المتواجدة بالقرب منها، ولكن بعد ذلك، أدرك الفريق أن هناك الكثير من الجزيئات التي ستحتاج المستقبلات للكشف عنها، والعديد من الروائح المتقافزة حولها، لدرجة ستتسبب في تدمير جهاز الإنذار في كثير من الأحيان، لذلك قرر الفريق عدم صنع هذه الآلة.
كيف يعمل الأنف الآلي؟
في محاولتهم التالية، والتي أطلقوا عليها اسم Nano-Nose (الأنف النانوية)، جرب ميرشين وجانغ شيئاً مختلفاً.
في حين كان من المفترض أن تكشف نسختهم السابقة عن الجزيئات الفردية، فإن هذه النسخة تنظر إلى الصورة الأكبر: الرائحة الكلية. (الرائحة ليست مجرد مزيج من الجزيئات؛ إنها الطريقة الخاصة التي تتفاعل بها تلك الجزيئات مع سلسلة معقدة من المستقبلات في أنفك. لا يزال لغزاً كيف تتجمع كل هذه الجزيئات معاً). وقد سجل Nano-Nose النمط المحموم للنشاط الكهربائي الناتج عن المستقبلات في وجود رائحة. وبدت القراءة شيئاً مثل مؤشر أسهم البورصة. ووجد ميرشين أن كل رائحة تنتج نمطاً معيناً يمكن للكمبيوتر (أي الدماغ) التعرف عليه.
بشكل أساسي، استخدم ميرشين تعلم الآلة (شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي) للسماح لـ Nano-Nose باكتشاف طريقته الخاصة للتعرف على الروائح. ومن المثير للاهتمام، أن هذا هو إلى حد كبير كيفية تدريب الكلاب على شم الأمراض أيضاً. فقد عرّض ميرشين Nano-Nose لما يحتاجه للتعرف عليه للاختبار، ثم ترك Nano-Nose يعلم نفسه كيفية التعرف على الروائح.
وفي النهاية، أظهر أن Nano-Nose يمكنه اكتشاف الروائح باستخدام مستقبلات حقيقية، وهو يفعل ذلك بحساسية شديدة، لكن اختبار DARPA كان في بيئة محدودة للغاية، وهذا قد يكون سبب توقف DARPA عن البرنامج بعد بضع سنوات، فالعالم الحقيقي أكثر تعقيداً.
يواصل ميرشين بحثه، في محاولة لإعداد Nano-Nose للتطبيقات اليومية، وبينما نتج عن المحاولات السابقة أجهزة كبيرة بحجم الحاسوب المكتبي، يقول ميرشين الآن إنه قلص الحجم بحيث يمكن وضع هذه التكنولوجيا داخل الهاتف الذكي.
هواتفنا يمكنها شم الأمراض مبكراً
لا يزال ميرشين بحاجة إلى تدريب Nano-Nose أكثر قبل التمكن من شم الأمراض في المواقف اليومية. في العالم الحقيقي، هناك عدد لا يحصى من الروائح التي تتقافز حول الجهاز، وهو وضع مختلف تماماً عن البيئة النظيفة والمحدودة في اختبار DARPA. ولتجاوز هذه العقبة، يحتاج ميرشين إلى تعريض المستقبلات للعديد من الروائح لتحسين الخوارزمية، لكن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها الأمر موجود هنا، والهواتف ذات القدرة على الشم قد لا تكون بعيدة.
يأتي منح الهواتف طريقة جديدة لمراقبة سلوكنا مقترناً مع بعض المخاوف الواضحة: هل ستكون البيانات التي يشمها الهاتف خاصة؟ هل يمكن اختراق أنف الروبوت أو وصول المعلنين إليها؟ هذه أسئلة نطرحها بالفعل حول قدرة هواتفنا على رؤيتنا وسماعنا، وغالباً ما تكون الإجابات غير مرضية.
قد تكون تداعيات الخصوصية مثيرة للقلق، لكن الفائدة تبدو واضحة: أنف روبوت بحجم الجيب يمكن أن يساعد في إنقاذ الأرواح. يقول ميرشين: “يمكن لأي فرد منا أن يكون لديه شامة تصبح خبيثة. إذا انتظرت ستة أشهر، يصبح الأمر أحياناً حكماً بالإعدام”. ولكن إذا لاحظ هاتفك تغيراً في الرائحة، فقد ينبهك بذلك في وقت أبكر.
وتقول كلير غيست، العالمة التي تدرب الكلاب على اكتشاف الأمراض، إنها تتفهم شخصياً هذه الإمكانية المنقذة للحياة. فبعد سنوات من بدء بحثها، لاحظت أن كلبتها “ديزي” تشعر بالضيق. وأضافت أنها ظلت “تحدق وتلكز فيّ”. وحين استشعرت المكان الذي كانت ديزي تلكزها فيه وجدت كتلة. وشُخصت في النهاية بسرطان الثدي، ومن المحتمل جداً أن تكون ديزي قد أنقذت حياتها. ليس كل شخص لديه القدرة على الوصول إلى الكلاب ذات القدرات الخاصة هذه مثل كلير. لكن كل شخص تقريباً لديه هاتف ذكي. وفي الوقت الحالي، لا تستطيع هواتفنا أن تشم السرطان. لكن في يوم من الأيام، قد ينقذون حياة.