صعوبة الحصول على تأشيرات أوروبية جعلت السودانيون يفضلون رحلات الموت
في ظل الظروف الإقتصادية والإجتماعية الصعبة التي يعيشها السودان وارتفاع نسبة البطالة في البلاد التي تعدت 40%، بدأ الكثير من خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا يبحثون عن مستقبل أفضل خارج البلاد، وبسبب الأوضاع الأمنية والسياسية الهشة أصبح حتى الميسورين او الحاصلين على وظائف يفكرون في الهجرة.
ونظرا لصعوبة الحصول على تأشيرات دخول للبلدان الأوروبية، فإن الطريق الوحيد المتاح أمام معظم الشباب هو طريق الهجرة غير الشرعية المحفوف بالمخاطر.
وعلى الرغم من قصص الموت المرعبة التي يتحدث عنها المئات من الشباب السوداني الذين نجوا بأعجوبة من الموت وسط البحار، يصر الآلاف من الذين لم يخوضوا مغامرة ركوب قوارب الموت نحو أوروبا لدفع أغلى الأثمان من أجل الوصول إلى إلى الضفة الأخرى للقارة العجوز عبر سماسرة الهجرة غير الشرعية.
وكانت وزارة الخارجية السودانية في شهر سبتمبر الفارط قد أعلنت عن إعادة 235 من ضحايا الهجرة غير الشرعية من ليبيا والنيجر إلى البلاد، وبشكل عام قامت الوزارة بتنظيم 6 رحلات عودة طوعية من ليبيا أرجعت فيها أكثر من ألف شخص سوداني هذا العام، كما تم في نهاية نوفمبر المنصرم ترحيل العديد من المهاجرين الغير الشرعيين السودانيين إلى بلدهم من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي.
ويجدر بالذكر أن المرحلين لم يكونوا فقط من الشباب، بل كان هناك عدد معتبر من النساء والأطفال، ما يجعل الأمر يصبح أكثر مأساة، فالدافع الوحيد الذي يتقاسمه هؤلاء من خلال المخاطرة بأنفسهم للوصول إلى القارة الشقراء هو تحسين أوضاعهم المعيشية والبحث عن مستقبل أفضل، ولكن الواقع الذي سيصطدمون به حال وصولهم يقول عكس ذلك، فمعظمهم سيجدون أنفسهم في ظروف أكثر صعوبة على غرار نقص أو انعدام ضروريات الحياة من أكل ولباس وسكن، إضافة إلى وضعهم القانوني كمهاجرين غير شرعيين في بلد جديد، ما سيدفعهم إلى اللجوء لمراكز هجرة غير شرعية، هذا إذا لم يتم إختطافهم وابتزاز أهاليهم بدفع فدية مقابل إطلاق سراحهم.
ولدينا اليوم بعض القصص لبعض الشباب الناجين من الموت أثناء محاولتهم مغادرة القارة السمراء نحو أوروبا، حيث أخبرونا أن ليبيا هي بوابة الأفارقة إلى أوروبا ومن خلالها تعبر مجموعات كبيرة من المهاجرين البحر الأبيض المتوسط الى إيطاليا على متن قوارب تقليدية وهشة للغاية.
فقد أخبرنا حسن، البالغ من العمر 32 عاما بأنه أثناء تجربته التي خاضها لمغادرة القارة السمراء فقد 4 من أصدقاءه في قاع البحر الأبيض المتوسط وكاد هو الآخر أن يلفظ أنفاسه أثناء غرق قاربهم الذي كان يقلهم، حيث ذكر أن القارب الذي أقلهم من سواحل ليبيا كان على متنه 120 مهاجرا، كما ذكر حسن أنه تم حشره وثلاثون آخرون معه في شاحنة نقل صغيرة من السودان إلى ليبيا قبل أن يتوجهوا إلى سواحل ليبيا أين كان بانتظارهم أحد المهريبن الذي كان بحورزته قارب الموت.
وأضاف قائلا والدموع تنهمر على خديه: “بعد ساعتين من مغادرتنا ليبيا، وفي عرض البحر، انقلب القارب بفعل موجة كبيرة. تحتّم علينا جميعًا التمسك بالعوامات وبعض سترات النجاة التي كانت على القارب حتى وصول قوارب الإنقاذ. في ذلك اليوم، غرق 32 شخصًا، 4 منهم من أصدقائي”.
أما سعيد البالغ من العمر 35 سنة فكان كل همه هو اللحاق بأقاربهم الذين هاجروا إلى أوروبا في عام 2015. حيث قال: “لقد استقر أقربائي في أوروبا، وحصلوا على عمل، واستأجروا شقة معًا وتمكنوا من الحياة بشكل أفضل بكثير مما نفعله هنا. وعلى الرغم من أنني كنت أعرف أن أحد أبناء عمومتي غرق أثناء محاولته الوصول إلى أوروبا، قررت أن أخوض التجربة أيضًا، وذهبت إلى ليبيا للإبحار من هناك إلى صقلية.
وقال أنه في ليبيا تم اختطافه وأصدقاءه من قبل إحدى العصابات المحلية وتم تعذيبهم بشدة وإرسال مقاطع فيديو لأقاربهم ومطالبتهم بفدية مقابل إطلاق سراحهم، حيث تم تسليم العصابة 3000 دولار لإخلاء سبيل سعيد، ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة فالعصابة بدل تسليمه لعائلته قامت بتمريره لعصابة أخرى للقيام بنفس الإبتزاز، وعند نفاذ المال لدى عائلة سعيد تم إخلاء سبيله.
وعند حديثه معنا، يستذكر سعيد تلك اللحظات الصعبة التي مر بها واصفا إياها بالكابوس، وأردف ينصح مواطني بلاده قائلا: “أعتقد أنه من الأفضل بكثير البحث عن طرق قانونية للعمل في البلدان المجاورة، والبدء على نطاق صغير. ما زلت أعاني من عواقب قراري ولم تتغير حياتي نحو الأفضل، ولم أصل إلى أوروبا!”.
وبالنسبة لخالد البالغ من العمر 26 سنة، فمثله مثل الآخرين، غير أن الجديد هنا أن الميليشيات المحلية الليبية هي التي القت القبض عليهم أثناء مرورهم عبر صحراء ليبيا، أين انتهى بهم المطاف في مركز احتجاز للمهاجرين بالقرب من طرابلس، ثم إلى مركز إحتجاز آخر، حيث تعرض للتعذيب والإذلال بأبشع الطرق.
وذكر خالد أن كبار المسؤولين في الحكومة الليبية كانوا يزورون مكان احتجازهم وكان عبارة عن مصنع للتبغ، وكانوا يستمتعون بمشاهدتهم يتعرضون للتعذيب، بل حتى أن بعضهم كان يقوم بالتعذيب بنفسه.
وتوجه خالد إلى الشباب السوداني بتقديم النصائح لهم لما له من تجربة مريرة في هذا المجال قائلا: “لم ينجح أحد تقريبًا في القيام بذلك، لكن احتمالات الموت على الطريق أو المرور بنفس المعاناة التي مررت بها مرتفعة جدًا، من الأفضل السعي الى تغيير الحياة في بلدنا للأفضل!”.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.