ضغوط دولية وحسابات داخلية تقرّب السودانيين من الاتفاق النهائي
توافق بين قوى غربية ومكونات سياسية وعسكرية على تسوية الأزمة السياسية.
السودان على بعد أمتار من طي صفحة {الانقلاب}
يقترب السودان من طي صفحة أزمة سياسية أضاعت على البلاد فرصة القيام بإصلاحات بعد أن أثمرت الجهود الغربية في الضغط على طرفي الخلاف للمضي قدما في تتويج المصالحة بالإمضاء على الاتفاق النهائي الذي ستتحول معه السلطة إلى المدنيين، ما يعيد مسار الانتقال الديمقراطي إلى السكة.
الخرطوم – أحرزت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري في السودان و”الكتلة الديمقراطية” في تحالف الحرية والتغيير المعارضة له تقدمًا ملموسًا في مفاوضات ترعاها الآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد).
ومن المتوقع أن تُفضي التطورات الراهنة إلى التوقيع على اتفاق سياسي نهائي في غضون أيام قليلة ستشكل بمقتضاه حكومة جديدة تفتح الباب أمام استكمال مهام المرحلة الانتقالية وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وأعلن مجلس السيادة السوداني السبت اتفاق الأطراف العسكرية والمدنية على الصيغة النهائية للإعلان السياسي تمهيداً للتوقيع عليه بـ”السرعة المطلوبة”، بعد سلسلة اجتماعات عقدت برعاية رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ومشاركة الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري والأطراف غير الموقعة عليه.
صلاح الدين الدومة: الاتفاق المزمع توقيعه خضع لهندسة القوى الغربية
وأوضحت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن الاجتماعات شارك فيها ممثلون عن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، الموقعة على الاتفاق الإطاري، وكل من رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبريل، ورئيس حركة تحرير السودان مني آركو مناوي، ونائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي جعفر الميرغني. وتطرقت إلى القوى المشاركة في العملية السياسية المقبلة وتضمين اتفاق جوبا للسلام في الاتفاق النهائي.
ووجدت القوى السياسية السودانية مصلحتها في الوصول إلى اتفاق في توقيت يضغط فيه المجتمع الدولي على المكون العسكري لإنجازه تزامنًا مع تراجع الحديث عن تشكيل حكومة تكنوقراط والاتجاه نحو اختيار كفاءات تختارها القوى السياسية المشاركة في الاتفاق، وإمكانية الاستعانة بقيادات من الحركات المسلحة على رأس عدد من الوزارات تنفيذاً لبنود اتفاق جوبا.
ويضمن الاتفاق النهائي حضوراً فاعلاً في هياكل السلطة للقوى المدنية التي لديها وجود كبير في الشارع، ويحظى ذلك بدعم قوى غربية ساعدت على إحراز تقدم في المباحثات التي انطلقت بعد انتهاء ورشة القاهرة (الثلاثاء) التي أفضت إلى وجود إعلانين سياسيين.
وأدرك كل طرف أنه لن يكون بإمكانه الهيمنة على هياكل السلطة الانتقالية خلال الفترة المقبلة، في ظل الموافقة الضمنية على أن يكون المكون العسكري جزءا من معادلة السلطة إلى حين إجراء الانتخابات.
وتزايدت الضغوط التي تعرض لها المكون العسكري الأيام الماضية، ولعلّ الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الخرطوم أخيرا حركت وتيرة الجهود الغربية التي تقودها الولايات المتحدة وتستهدف تشكيل حكومة جديدة وإبعاد موسكو عن التأثير في عملية صنع القرار السياسي بالسودان.
وجاء التقدم في المباحثات عقب اجتماعات شهدتها الخرطوم وتخللتها مباحثات مكثفة أجراها ستة من المبعوثين الدوليين، يمثلون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والنرويج، وقد أكدوا دعمهم للاتفاق الإطاري ورفضهم عمليات موازية له، وتم التلويح بمحاسبة معارضي الانتقال المدني في السودان.
وأكدت الآلية الثلاثية أنها تعمل على المضي قدما في إنجاح العملية السياسية التي دخلت مرحلة حاسمة، وأنها ستواصل التنسيق مع المجتمع الدولي لدعم الشعب السوداني.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إن الاتفاق السياسي المزمع التوقيع عليه خضع لهندسة القوى الغربية بما لديها من قوة ونفوذ على الأطراف المختلفة، وتلاقت أهداف تلك القوى مع مصالح السودانيين.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تفاهمات الساعات الأخيرة بين المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية لم تختلف كثيراً عما جرت صياغته في الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر الماضي، لكن القوى الغربية عملت على احتواء الجبهة الثورية الموقعة على اتفاق جوبا وتقديم امتيازات لها تساعد على حلحلة مواقف المعارضين للاتفاق”.
تماضر الطيب: المؤسسة العسكرية تستعجل دائما الوصول إلى النتائج
وظلت الحركات المؤثرة في الجبهة الثورية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام خارج الاتفاق الإطاري مع رفض حركتي مناوي وجبريل الانخراط في المباحثات التي رعتها الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، وطالبت بتوسيع قاعدة المشاركة.
وتوقع الدومة في تصريح لـ”العرب” أن يتم التوقيع على الاتفاق بصورة نهائية وإن كانت هناك تباينات يروج لها البعض في وسائل الإعلام المحلية بهدف تحسين صورة الأطراف المناوئة للاتفاق، وأن الموقف الدولي الداعم للاتفاق أقوى من الخلافات التي بين قوى داخلية لديها علاقات ومصالح مع أطراف خارجية، وأن “إجبار القوى السودانية على التوقيع يعد السبيل الأمثل للخروج من المأزق الراهن”.
وأبدى البعض من السياسيين مخاوفهم من فشل الوصول إلى اتفاق نهائي وعدم تطبيقه على الأرض، فمن شاركوا في الاجتماعات الأخيرة هم جزء من الكتلة الديمقراطية وليسوا جميع القوى الممثلة داخلها، وأحزاب المجلس المركزي لا تزال تتحفظ على مشاركة أحزاب بعينها في العملية السياسية، من بينها حزب الأمة برئاسة مبارك الفاضل.
وقد يؤدي الخلاف على أسماء القوى المعنية بالتوقيع على الإعلان السياسي إلى تأخير التوقيع النهائي، وإلى سعي الكتلة الديمقراطية التي دعمت تحالفها في ورشة القاهرة للدفاع عن وجود الأطراف التابعة لها في الاتفاق والتشديد على أهمية توسيع المشاركة.
ورفضت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب الجزم بحدوث تقدم كبير وملموس في المباحثات بين الكتلة الديمقراطية والمجلس المركزي، لأن أيا من الأطراف لم يعلن موقفه بعد بيان المجلس العسكري الذي جاء نتيجة ضغوط تعرض لها ودفعته إلى السير في طريق التوافق ووضع القوى المدنية أمام الأمر الواقع.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن المؤسسة العسكرية تستعجل دائما الوصول إلى النتائج ويكون ذلك بمثابة توجيه رسائل إلى أطراف خارجية تضغط عليها، على رأسها الولايات المتحدة وسفراء الدول الغربية، وأن القادة العسكريين يحاولون الاستفادة حاليا من مواقف واشنطن الساعية للوصول إلى اتفاق سياسي نهائي تحت أية وضعية بما فيها ضمان بقاء الجيش كجزء مؤثر في السلطة.
وقد لا تكون التدخلات الخارجية في صالح السودان على المدى البعيد، وإن كانت تساهم الآن في تقريب وجهات النظر لأن القوى المحسوبة على هذه الأطراف ستعمل على حماية مصالحها إثر وصولها إلى السلطة، والخطر سيهدد في هذه الحالة الموارد الطبيعية، وهو ما يتعارض مع أهداف الثورة السودانية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.