طرق واستراتيجيات الغرب لتفكيك السودان
خلال مرحلة الحكم الثنائي في السودان فرضت السلطات البريطانية حظرا على جنوب السودان بدعوى أن ذلك سوف يحافظ على هوية الجنوبيين ويحافظ على ثقافتهم المختلفة عن ثقافة الشمال، ولا شك أن تلك كانت مجرد ذريعة لتطبيق سياسة بعيدة المدى خاصة أن الشمال لم يكن حتى ذلك الوقت يتدخل في شؤون الجنوب بل إن مصالح الجنوب كلها كانت تأتيه من ثروات الشمال، ولكن تلك السياسة كانت تلقى تأييدا كبيرا من منظمات التبشير المسيحي التي كانت تنظر إلى الجنوب على أنه سيصبح دولة مسيحية في المستقبل القريب. ولم تكد السلطات البريطانية تعلن عن رغبتها في إعطاء السودان استقلاله حتى بدأ الجنوبيون يقتلون الشماليين الموجودين في الجنوب في حركة اعتبرها الشماليون في ذلك الوقت حركة تمرد بكون الشماليين كانوا يعتقدون أن خروج البريطانيين من السودان لا يلغي حقيقة أن السودان بلد واحد، ولذلك بدأت مواجهة حركة التمرد بالوسائل العسكرية، ولا نعفي الحكومة هنا من كثير من العنف الذي ارتكب في حق الجنوبيين، وقداستمرت حرب الجنوب زمنا طويلا بدعوى قمع التمرد، ولكن التمرد لم يقمع واستمر كاستراتيجية أساسية عند جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان، كما استمرت حرب الجنوب زمنا طويلا قبل أن تدخل في استراتيجيات بعض الدول التي بدأت تهتم أخيرا بالشأن السوداني، وقد رأينا كيف تدخلت الولايات المتحدة لإنهاء المواجهة بين الحكومة السودانية وحركة التمرد التي قادها جون قرنق والتي انتهت باتفاقية نيفاشا التي مهدت لاستفتاء جنوب السودان الذي انتهى بالموافقة على انفصال الجنوب ، وكنا نعتقد أن الأمر سينتهي عند هذا الحد ولكن ظهر أخيرا أن الشأن السوداني يدخل ضمن استراتيجية كبيرة لا تنتهي باستقلال جنوب السودان بل بأقاليم أخرى قريبة من الجنوب. ويستوجب هذا الموقف قراءة دقيقة للتطورات التي أعقبت استفتاء جنوب السودان إذ كان المتوقع بعد أن نال الجنوب استقلاله أن يبدي تقديره للخطوة التي قام بها الشمال بدفع من عناصر خارجية ولكن لم يحدث ذلك، وشهدنا ياسر عرمان يتحدث عن فرع لجيش الحركة الشعبية في شمال السودان، ولم يفهم أحد ما يعنيه ياسر عرمان بذلك، لأنه إذا كان لجيش الحركة الشعبية مهمة محددة في جنوب السودان فهو قد حققها، والمفروض بعد ذلك أن ينكفىء هذا الجيش على جنوب السودان إذا كانت له مهمة هناك أما أن يعلن الجيش أن له فرعا في شمال السودان فإن ذلك ما يثير الشكوك ويؤكد أن هناك قوى خارجية لها مخطط في السودان بأسره وأنها تستخدم جيش الحركة كأداة لتنفيذ هذا المخطط، وقد ظهر ذلك جليا عندما بدأت الولايات المتحدة تثير مشكلة أبيي، التي كانت طوال تاريخها ضمن حدود جنوب السودان وهي ليست منطقة نزاع ولكن الغرب أراد لها أن تكون منطقة نزاع وكان موقف الرئيس البشير في أول أمره حازما حين قال إنه سيواجه الموقف بالقوة العسكرية إذا استدعى الأمر ولكنه بدأ في التراجع عن موقفه ربما ظنا منه أن التراجع سوف يحسن علاقاته مع العالم الغربي ولكن ذلك أمر مستحيل لأن الغرب يستخدم مع الرئيس البشير استراتيجية محددة، فهو قد أصدر قرارا من محكمة الجنايات الدولية بالقبض عليه في اتهامات مزيفة بأنه ارتكب جرائم حرب في إقليم دارفور دون أن يكون هناك دليل مباشر بأنه ارتكب تلك الجرائم المزعومة ويعرف الغرب في الوقت ذاته أن العالم العربي يغلي بالثورات الشعبية وأن السودان قد لا يكون بعيدا عن الحراك الشعبي خاصة أن انقلاب الإنقاذ جاء في وقت كانت فيه الانقلابات العسكرية شيئا معهودا في العالم العربي، أما الآن فلا يستطيع أحد أن يفهم لماذا تفكر أي مجموعة في الاستيلاء على السلطة لتنفيذ أي ايديولوجية مهما كان اقتناع القائمين عليها بها.
وفي ضوء ما ذكرناه يبدو التساؤل قائما، إذا كان الجنوب قد حقق استقلاله فماهي الخطوة التالية التي ينتظرها الغرب، الإجابة تكمن في فهم المواقف التي يتخذها الغرب في الوقت الحاضر، ويظهر ذلك في كثير من المقالات التي بدأت تظهر في الصحف الغربية إذ بدأنا أخيرا نقرأ في هذه الصحف عن تحركات الأصول الأفريقية في جبال النوبة وفي بعض أقاليم السودان الأخرى بما يوحي أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة بدأوا يفكرون في اقتلاع الأصول العربية والعقائد الإسلامية من السودان، والاستراتيجية تبدأ بالحركات السياسية في أقاليم السودان المختلفة حتى تصل المواجهة النهائية في العاصمة الخرطوم التي أصبحت تعيش مرحلة بركان خامد بعد أن اختل التوازن السكاني فيها وأصبحت تنتظر الشرارة التي تبدأ الحريق ولكن الكثيرين غير مستعدين لأن يروا الحقيقة في الوقت الحاضر، خاصة القابضين على زمام السلطة.وهنا لا بد أن نقول إن ما يحتاجه السودان في هذه المرحلة هو رؤية جديدة وجريئة لم تكن موجودة من قبل وأن غيابها هو سبب المشاكل التي بدأت تضرب السودان، ويستدعي ذلك أن تبدأ السلطات السودانية في التساؤل أولا هل الأسباب التي أدت إلى قيام حكم الإنقاذ ما زالت قائمة؟ وهل الشعارات التي رفعها النظام تحققت على أرض الواقع أم أن ما نراه هو مجرد نظام حكم يرفع شعارات حكم هي بعيدة عن أرض الواقع، وقد يكون الزمن قد تجاوز إمكان تحقيقها، وليس المقصود بمثل ها التساؤل هو توسيع سلطة الحكم من أجل إرضاء فئات أخرى على أمل أن يكون وسيلة للاستمرار بطريقة هادئة لأن المطلوب حقا هو نظام إنقاذ حقيقي يوقف حركة الصراع العنصري التي تخطط لها جهات أجنبية لها مصلحة في ذلك.وعند هذه النقطة لا بد أن نتساءل ماهي هذه الجهات التي لها مصلحة مباشرة في نزع الهوية العربية والإسلامية من السودان، والإجابة بكل بساطة من وجهة نظري هي إسرائيل وأمريكا وفرنسا ، وقد قلت هذا الكلام أكثر من مرة خاصة بعد أن اعترف الإسرائيليون بالدور الذي لعبوه في انفصال جنوب السودان، وقد قلت أكثر من مرة أيضا لم يكن السودان هو الهدف بل الهدف هو مصر والعناصر العربية والمسلمين في السودان ودعوت إلى التنسيق بين مصر والسودان لمواجهة هذا الخطر القادم لكن مصر لها أهداف أخرى ضد السودان نفسه ، ولكن الكثيرين استغربوا هذا الموقف وأخذوا يرددون مواقف تقليدية عفا عليها الزمن في ما يتعلق بالعلاقات المصرية السودانية دون أن يتنبهوا إلى أن الأخطار لا تواجه مصر وحدها بل تواجه السودان أيضا بعد أن بدأت دول كبرى تدخل السودان ضمن استراتيجيتها، ومجمل ما هدفت إليه هو القول إن ما يتعرض له السودان في الوقت الحاضر هو مخطط له أبعاد استراتيجية وإن هذا المخطط لا يقابل بالتنازلات فقط من أجل استمرار الحكم أو إبعاد الضرر الشخصي بل لا بد أن يواجه المخطط باستراتيجية تعتمد على رؤية جديدة وذلك ما ينبغي أن يعمل السودانيون من أجله في المرحلة المقبلة.
على مسلمين السودان التوحد مع بعضهم وخلق علاقات مع دول الجوار علاقات تبادل المصالح المشتركة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.