عقب تقديمه لمجلس الأمن خطاباً مغايراً فولكر.. دبلوماسية الهبوط الناعم

على غير المتوقع في ظل استمرار تأزم الأوضاع بالبلاد، أحاط رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان فولكر بيرتس مجلس الأمن الدولي بخطاب مغاير عن سابقه بشأن التطورات السودانية، أشار فيه إلى انخفاض عنف القوات النظامية تجاه المتظاهرين، وأن هناك (مفسدين) لا يريدون إنهاء عملية الانتقال مما أثار حفيظة ائتلاف (الحرية والتغيير)، لجهة أن ذلك خلاف للخطاب الذي قدمه أمام المجلس في مارس الماضي وأغضب المكون العسكري ودفع به للتهديد بطرده. فما الذي دفع المبعوث الأممي لتقديم ذلك الخطاب المختلف عن سابقه، هل لتحسن الوضع أم أن هناك ضغوطات تعرض لها الرجل؟
وجود مخربين
ويأتي خطاب فولكر قبل أيام من انتقاد الحكومة السودانية للبعثة الأممية (يونيتامس) واتهامها بعدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه دعم الانتقال في البلاد، وأعلنت وزارة الخارجية رفض السودان أية تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية، مطالبةً البعثة بالقيام بمهامها كاملةً لاسيما توفير متطلبات الانتقال السياسي.
وفي يوم الثلاثاء الماضي أطلع المبعوث الأممي مجلس الأمن الدولي بأن هناك بعض المخربين الذين يرفضون العملية السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة وتجتهد وتسعى لإفشالها.

إحراز تقدم
وبحسب فولكر فإن السلطات السودانية أحرزت تقدماً في إنشاء القوة المشتركة لحفظ الأمن في دارفور التي نص عليها اتفاق جوبا للسلام، وأكد أن الأزمة الحالية لا يمكن أن تحل إلا من قبل السودانيين أنفسهم، وأن دور بعثته هو المساعدة على تحقيق ذلك الهدف.
وفور تقديم المبعوث الأممي خطابه لمجلس الأمن الدولي بشأن الأحداث في البلاد، لاسيما حديثه عن انخفاض عنف السلطات ضد المتظاهرين، استنكر ائتلاف (الحرية والتغيير) حديث الرجل، واعتبره الناطق المتحدث باسم الائتلاف شهاب إبراهيم لتشكيل ضغط سياسي على الأطراف المدنية واستعجالها للدخول في الحوار.
تحديد الهدف
وأضاف في حديثه لـ (الانتباهة) قائلاً: (لكن الخطر في استعجال الدخول في عملية سياسية تشرعن للانقلاب، دون تحديد هدف واضح وهو إنهاء الانقلاب).
وشدد شهاب على ضرورة أن تكون إدانة انتهاكات حقوق الإنسان أخلاقية قبل أن تكون سياسية، وأردف قائلاً: (المفترض الا يتحدث عن انخفاض العنف لأن الانتهاكات مستمرة).
وفي مارس الماضي أطلع فولكر مجلس الأمن الدولي على ارتفاع منسوب الجريمة والفوضى وقتل المتظاهرين المناهضين للانقلاب بالسودان، كما نبه إلى ممارسة العنف ضد المرأة من جانب أفراد قوات الأمن وتصعيد استهداف النساء.
وذكر حينها أن السودان يتجه نحو انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية كبيرة، ما لم تُستأنف الفترة الانتقالية بقيادة المدنيين الذين أطاح بهم البرهان في انقلاب عسكري العام الماضي.
تجاوز التفويض

وبدوره طالب رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في وقت سابق المبعوث الأممي بأن يكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية والتدخل السافر في الشأن السوداني، وأن ذلك سيؤدي إلى طرده من البلاد.
وحض البرهان الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على تسهيل الحوار بين السودانيين وتجنب تجاوز تفويضهم، وفق ما أورده بيان مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش.
ومع ذلك طالبت الخرطوم بعثة (يونيتامس) بالالتزام بمبدأ الحياد وعدم الانحياز والشفافية في جمع وعرض المعلومات وتحليلها واستخلاص النتائج منها في تقاريرها.
اتخاذ إجراءات
وذكرت وزارة الخارجية في بيان سابق أن مجلس الأمن الدولي عقد مشاورات حول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش بشأن السودان الذي أعدته بعثة (يونيتامس) عن الفترة من 22 نوفمبر 2021م وحتى 21 فبراير2022م.
وأشارت الوزارة إلى أن حكومة السودان قامت بإعادة تشكيل كل من اللجنة العليا للتعامل مع الأمم المتحدة برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر إبراهيم، واللجنة التنفيذية للتنسيق مع بعثة (يونيتامس) برئاسة وكيل وزارة الخارجية المكلف السفير نادر يوسف الطيب.
وأوضحت أن اللجنة التنفيذية أعدت رد الحكومة على التقرير، مضيفةً أنها شرعت على الفور في اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي من شأنها إعادة توجيه عمل بعثة (يونيتامس).

تدخل سافر
ووفقاً لمراقبين فإن هنالك تبايناً بين القوى السياسية بشأن دور البعثة الأممية ومستقبلها في البلاد، واتهامات تطول رئيسها فولكر بيرتس بالتدخل السافر في الشؤون الداخلية السودانية، وضرورة إبقائها لتنفيذ المطلوبات التي جاءت من أجلها البعثة خلال الفترة الانتقالية الحالية.
وفي أبريل الماضي تقدمت الحكومة بطلب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لاختصار مهام (يونيتامس) في (7) ملفات رئيسة ضمن محاولة لتحجيم دور البعثة التي تقود مبادرة لحل الأزمة السياسية بالبلاد.
وتضمنت الملفات التي طلبتها الخرطوم من البعثة الأممية (دعم تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، حشد الدعم والموارد، تقديم الدعم اللوجستي لبناء القدرات، دعم الآليات الوطنية لحقوق الإنسان، المساعدة في إنشاء ودعم مفوضية نزع السلاح وإعادة الدمج، آلية العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار والتنمية).
تهديد بالطرد
وساءت العلاقة بين الخرطوم و (يونيتامس) عقب قرارات (25) أكتوبر التي أصدرها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التي قضت بحل الحكومة وفرض حالة الطوارئ في البلاد وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية، حيث تبنت البعثة الأممية عملية تشاورية لحل الأزمة الناشئة عن تلك الإجراءات.
ووصلت التوترات إلى حد قيام رئيس مجلس السيادة بتهديد رئيس (يونيتامس) بالطرد من البلاد حال استمر في ما وصفه بـ (التدخل السافر) في شؤون السودان الداخلية.
حديث دبلوماسي

الخبير الدبلوماسي والمحلل السياسي د. الرشيد أبو شامة عد تقديم رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان فولكر بيترس خطاباً الى مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في السودان عملاً دبلوماسياً جيداً متزناً دون أية إملاءات مفروضة.
واستبعد أبو شامة في حديثه لـ (الانتباهة) أمس ممارسة أية ضغوطات على فولكر من قبل المكون العسكري أو القوى السياسية التي تقف ضده وتهدد بطرده.
كسب الود
ومضى قائلاً: (هذا عمل دبلوماسي لرجل يفكر ولا يساعد القوى التي تقف ضده وتهدده بالطرد، بل يريد ودها وكسبها إلى جانبه للتوصل إلى نجاح المحادثات التي يجريها بين الأطراف السودانية، إلى جانب تسجيله نجاحاً شخصياً في السلطة الدبلوماسية الدولية).
وتوقع أبو شامة أن يساعد خطاب رئيس بعثة (يونيتامس) في حل الأزمة السودانية، لجهة أن الرجل مجتهد للوصول إلى الغاية التي ينشدها وهي التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء السودانيين

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.