علل حقيقية مُقعِدة
(1)
الذي يتأمل ويتعمق في المشهد العام بالبلاد وما انتهت إليه بعد حوالي ثلاث سنوات من ذهاب البشير ، قد يجد نفسه تائها يخبط العشواء في مُناخٍ مضطربٍ مُلبّدٍ بغيوم مؤثرة على الطريقة السليمة في القراءة والتقييم والتشخيص !!!
(2)
في تقديري فإن هناك حزمة من العلل أثرت تأثيرا بالغا على جسد الوطن بل تجاوزت الجسد للعقل مركز التفكير والتحكم والسيطرة ، فأصبح صعبا الإنصراف الى تشخيصٍ موضوعيٍ للمُقعِدات وإتباع التشخيص بوصفة علاجية ، والتركيز على شفاء وتعافي الوطن مهما كان الثمن !!!
(3)
الغضبة والخروج على النظام السابق كانت لها أسباب وتراكمات إختلطت بأحلام وطموحات شبابية مشروعة في الرفاه والوظائف ، غذتها دول ومخابرات ومنظمات وتنظيمات بقيت لعقود تخطط وتنشط وتتحرك وتصوب على ذات الهدف ، فلما ذهب البشير وعهده – بصرف النظر عن كيفية ذهابه – إرتخى وغفل الشباب الثائرون المخلصون ، ووضعوا ثقتهم وسلموا قيادتهم لواجهات هلامية وقيادات إنتهازية ، فكانت عله يصعب علاجها ، خُطفت ثورتهم وفُعلت بها الأفاعيل ولم يستبينوا الأمر إلا ضُحى الغد ! وما فعله الخاطفون (المخلوعون) وارتكبوه من جنايات ومفاسد وتشوهات يصعب تحريز ضرره وقياس أثره في مختلف المساحات !!!
(4)
ثم كانت العلة المُعلَّة ، المتمثلة في الوثيقة الدستورية التي ولدت معيبة ومشوهة ومنكورة وكأنها (إبن سفاح) ، لا يكاد حتى السياسيون وأهل القانون يعرفون يقينا النسخة الصحيحة منها ! عديدون من أصحاب العلم والعقل والضمائر تبرأوا منها ومن بعض نصوصها المُصادمة لأبجديات الحرية والعدالة ، وثيقة طُبخت بليل ، أسست وشرعنت لظلم وطغيان وصلاحيات تتارية ، وكانت أحد أسباب تجريف الخدمة المدنية وتمكين (كفوات) مكان (الكفاءات) ، والغريب الأغرب أنهم لم يلتزموا بالكثير مما نصوا عليه فيها ! الذين خطفوا الثورة وسرقوا لسانها لم يكن همهم حرية وعدالة ووطن معافى ، بل فقط يُمكِّن لهم ويلبي نزواتهم ويشبع غليلهم وليذهب الوطن وأهله الى الجحيم !
(5)
دعك من أطراف إتفاقية سلام جوبا ، ومَن كان منهم – عند التفاوض – يقود قوة حقيقة تقاتل وتدفع ثمن الحرب ، دعونا من الملاحق المتخصصة المرتبطة بإتفاق جوبا ، ولنتوقف فقط عند ملحق الترتيبات الأمنية ولنتساءل بشفافية : هل إتفق الخبراء في أضابير جوبا على عدد قوة كل حركة موقعة على السلام ؟ هل تم التحقق من ذلك العدد عبر اللجنة الفنية (VC) ؟ هل تم التواضع على جدول تفصيلي بالترتيبات الانتقالية لتلك القوات وأماكن تواجدها وإستحقاقاتها وإجراءاتها ؟ هل تم الشروع فعلا في تنفيذ ملحق الترتيبات الأمنية وصولا لمرحلة التسريح وإعادة الدمج عبر ال (DDR) ؟ أقول ذلك وألمسه لمساً عارضاً لحساسيته العالية ، إن جل ما يشكو منه العامة ويتحدثون عنه مرتبطة بمدى سلامة هذا الملف من مرحلة الإتفاق وحتى مرحلة التنفيذ ومن المسؤول عن الخلل ؟! العلة في ملف الترتيبات الأمنية باهظة الكُلفة ربما يصح وصفها بأم العلل ومفرخ البلايا !!!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.