هكذا أكدت الصحف العبرية أن معركة غزة هي أفشل حروب إسرائيل
في عنوان مقالٍ لرئيس تحرير صحيفة هآرتس Haaretz الإسرائيلية، قال: أن “حرب غزة أكثر حروب إسرائيل فشلاً وعبثية، ويجب إنهاؤها فوراً”، ولكن لم يكن هذا موقفه وحده، إذ تكشف تقارير الصحف العبرية عن قناعة واضحة بفشل إسرائيل في الحرب.
فلقد بات واضحاً أنَّ إسرائيل غير مستعدة لاقتحام غزة وتوجيه ضربة أكثر جدية بكثير لقوة حماس المقاتلة وترسانتها الصاروخية، حسب تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية، التي تقول “سواء كان ذلك صواباً أم خطأً فلم يعد هناك مبرر حقيقي لمواصلة الجولة الحالية من القتال”.
فإسرائيل لم ولن تفوز بالجولة الحالية، كما لن تفعل حماس، وهو وضع مشابه لحروبهما في 2008-2009 أو 2012 أو 2014 أو الحرب مع حزب الله في 2006، وفقاً للصحيفة المحسوبة على اليمين الإسرائيلي، التي ترى أنه لن يكون هناك فوز أو تغيُّر في اللعبة في غزة من دون حدوث غزو أو اختراق دبلوماسي كبير.
إذ فعل الجيش الإسرائيلي كل ما سمحت له الحكومة بفعله، فدمَّر معظم نظام أنفاق حماس في غضون أيام، وهو الأمر الذي كان قد استغرق منه 50 يوماً في 2014. ودمَّر الكثير من الصواريخ، وحمى الجبهة الداخلية، بالنظر إلى هذه الظروف، من خلال منظومة القبة الحديدية.
لكنَّه لم يُحدِث إلا خدشاً بسيطاً في ترسانة صواريخ حركتي حماس والجهاد الإسلامي، التي كانت قد قُدِّرَت بـ14 ألف صاروخ.
فلربما تراجعت إلى 10 آلاف أو 8 آلاف، لكن لا يزال لدى غزة الكثير من الصواريخ، حسب الصحيفة.
لماذا حرب غزة أكثر حروب إسرائيل فشلاً؟
وكان (ألوف بن)، رئيس تحرير صحيفة هآرتس “Haaretz” الإسرائيلية، كان أكثر حدة في انتقاد الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
إذ يقول “لقد تحولت عملية “حارس الأسوار” (حرب غزة)، مع وصولها إلى يومها التاسع، إلى أكثر حروب إسرائيل الحدودية فشلاً وعبثية على الإطلاق، حتى عند مقارنتها بالحروب الأخرى المُنافِسة مثل، حرب لبنان الثانية و”عملية عامود السحاب” و”عملية الرصاص المصبوب” و”عملية الجرف الصامد”. وأضاف “كنا شاهدين على إخفاق عسكري ودبلوماسي حقيقي كشف عن أوجه قصور كبرى في استعدادات وأداء الجيش وفي قيادة الحكومة المرتبكة والعاجزة”.
وبدلاً من إضاعة الوقت في محاولة عديمة الجدوى لخلق “صورة انتصار” بينما يجري التسبب في الموت والدمار في غزة، وقلب الحياة رأساً على عقب في إسرائيل، لا بد أن يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآن ويوافق على وقف لإطلاق النار وإنهاء حرب غزة، وأن يأمل أن ينسى الرأي العام الفشل بسرعة نسيانه لكارثة جبل ميرون، حسب الكاتب الإسرائيلي.
بل إنه طالب بإصدار الأمر بعملية تطهير شاملة للجيش الإسرائيلي. غير أنه استدرك قائلاً “لكن المتهم الجنائي نتنياهو لا يملك السلطة ولا الإرادة السياسية لقيادة مثل هذا التغيير المطلوب”.
كيف تجاهلت إسرائيل تنامي قوة حماس؟
كانت إسرائيل قد ركَّزت انتباهها عسكرياً على مدار العقد الماضي على الشمال (حزب الله) والصراع مع إيران. وقد اعتُبِرَت غزة جبهة ثانوية يمكن التعامل معها من خلال الإجراءات الاقتصادية، أي بالتمويل القطري لحماس بموافقة إسرائيلية، ومن خلال تسهيلات معينة لحصار غزة، مثل السماح بدخول مواد البناء، ومن خلال استثمار الجيش الإسرائيلي في الإجراءات الدفاعية، أولاً وقبل كل شيء منظومة القبة الحديدية وحاجز الأنفاق تحت الأرض على حدود غزة، وهو الحاجز الذي أثبت نفسه بإحباطه محاولات من جانب حماس للتسلل إلى إسرائيل براً، وفقاً للكاتب الإسرائيلي.
كان يُنظَر إلى حماس باعتبارها جاراً سيئاً، لكنَّه ضعيف ومعزول، وكانت المسألة الوحيدة التي أثارت اهتمام الرأي العام الإسرائيلي هي النقاش الدوري حول عودة الأسرى الإسرائيليين وجثث جنود الجيش الإسرائيلي.
ويقول “على حد علمنا لم يُحذِّر أي مسؤول استخباراتي من أنَّ حماس يمكنها بجهد بسيط الهروب من القفص الذي وضعتها إسرائيل فيه، وأن تبرز في طليعة الكفاح الفلسطيني من أجل الأقصى، فضلاً عن توسيع الخلاف بين إسرائيل وإدارة الرئيس جو بايدن الجديدة”.
الجيش الإسرائيلي لا يعرف أهدافاً كافية لقصفها وتدمير الأنفاق أضر به
الفشل الاستخباراتي في تقدير نوايا وقدرات حماس أدى إلى فشل استخباراتي عسكري، فلم يجمع الجيش الإسرائيلي أهدافاً جيدة كافية في غزة، كان يمكن لتدميرها أن يؤدي إلى انهيار استعداد حماس وقدرتها على مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حسب ألوف بن.
لقد ضرب سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً كثيرة، سيتعين على حماس إعادة بنائها، لكنَّ ذلك لم يكن كافياً، ولا يعد مكافئاً لساعات الطيران ولتكلفة الذخيرة التي يستهلكها.
يقول “يمكنك أن تقدم للجمهور الإسرائيلي نشرات أخبار تتحدث بغطرسة عن “الضربات المؤلمة التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحماس”، لكنَّ كل هذه الطبقات من مستحضرات التجميل لن تخفي الحقيقة، ليس لدى الجيش الإسرائيلي فكرة عن كيفية شلِّ قوات حماس وإفقادها توازنها. فتدمير أنفاق الحركة بالقنابل القوية كشف القدرات الاستراتيجية لإسرائيل دون أن يتسبب في أي ضرر كبير لقدرات القتال لدى الحركات الفلسطينية.
خدعة إسرائيل لدفع مقاتلي حماس لدخول الأنفاق فشلت
جرى تكليف القوات البرية الإسرائيلية بدور هامشي في حرب غزة، يتمثل في خداع وإرباك العدو، لدفعه للنزول إلى الأنفاق، على أمل محاصرته بالغارات الجوية. وحتى هذا لا يبدو أنَّه نجح، فعدد كبير من مقاتلي حماس لم يكونوا داخل الأنفاق التي قُصِفَت.
يقول رئيس تحرير هآرتس من الجيد أنَّ أحداً لم يفكر في عملية برية حقيقية في غزة، والتي كان من شأنها أن تؤدي إلى خسائر فادحة، فليس لدى إسرائيل أهداف من شأنها تبرير عملية كهذه، وليست هناك دعوات هذه المرة من أجل “الدخول” وغزو غزة، حتى من اليمين المتطرف.
وعلى أي حال، تتمثل الخشية في أنَّ القوات البرية ليست قادرة على دخول المعركة وغير مستعدة للقتال، حسب قوله.
اغتيال قادة الحركات الفلسطينية لن يغير الوضع
يتساءل ألوف بن بافتراض أنَّ 100 أو 200 أو 300 مقاتل قد قُتِلوا، هل سيُسقِط ذلك حكم حماس؟ أو أنظمة القيادة والسيطرة لديها؟ أو قدرتها على إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟
ويلفت إلى أنه يُقابل تراجع عدد الأهداف العسكرية التي يجري استهدافها للمقاومة تنامي عدد الضحايا المدنيين في ظل استمرار حرب غزة.
وتقول The Jerusalem Post لقد “قتل الجيش الإسرائيلي عدداً من كبار المسؤولين بحركات المقاومة، لكنَّه قتل أيضاً أقل من 200 من مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي من إجمالي عشرات الآلاف من المقاتلين، وهذه بالكاد تمثل وخزة”.
وفي حين أنَّ لقتل كبار قادة الحركات الفلسطينية تأثيراً، فهناك تاريخ طويل من تعرُّض قادة حماس للقتل واستبدالهم بقادة آخرين، وهو تاريخ يعود إلى الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي.
كان الجيش الإسرائيلي مبتهجاً بقتل قائد كبير بحركة الجهاد الإسلامي قبل أيام، غير أنَّ هذا القائد لم يكن قائداً كبيراً إلا لعامين فقط منذ اغتيال قائد أكثر أهمية في عام 2019.
ومن الواضح أنَّ الحركات الفلسطينية تعلم كيف تستبدل قادتها، حسب الصحيفة الإسرائيلية.