لماذا يبدو دعم الشارع العربي لقضية فلسطين باهتاً هذه المرة؟

0

مما يستدعي الاستغراب في ضعف الحراك في الشارع العربي المعبر عن التأييد الشعبي العربي لفلسطين، أن قضية المسجد الأقصى تهم المسلمين والعرب جميعاً، وليس الفلسطينيين فقط، كما أن الاعتداءات الإسرائيلية وقعت في شهر رمضان المبارك.

والحقيقة أنه رغم عدم استمرار وجود قدر من التأييد الشعبي العربي لفلسطين في الشارع في بعض الدول العربية، إلا أنه يبدو أقل من المرات السابقة، والمفارقة أن هذا التراجع في الحراك المعبر عن التأييد الشعبي العربي لفلسطين يأتي في وقت يتزايد الدعم الشعبي في العديد من الدول الإسلامية غير العربية، وكذلك في العديد من الأوساط الغربية بما فيها بعض النواب الأمريكيين الديمقراطيين، وكذلك في أوساط فنية غربية.

فهل ضعف المظاهرات المعبرة عن التأييد الشعبي العربي لفلسطين يرجع إلى أن العرب لم يعودوا يهتمون كالسابق بالقضية الفلسطينية بما فيها القدس ومسجدها الأقصى، أم أن الظروف الاجتماعية والسياسية في الدول العربية منعت الشعوب العربية من النزول للشارع للتعبير عن غضبها.

نصرة فلسطين قبل الربيع العربي ليست كما بعده

قبل سنوات، وبالأخص قبل الربيع العربي، كانت شوارع المدن العربية تشهد أحياناً مظاهرات بمئات الآلاف تأييداً للشعب الفلسطيني في مواجهاته مع إسرائيل، وكانت هذه المظاهرات الضخمة إلى جانب الدعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية.

ولكن منذ الربيع العربي بدأ الأمر يتغير قليلاً وبدأ يتراجع الحماس والتأييد الشعبي العربي لفلسطين عامة، فلقد انشغل كل شعب عربي بأزماته الداخلية، كما اندلعت بعض الأزمات في عدد من الدول العربية أكثر دموية من فلسطين مثل سوريا، وليبيا واليمن، وبدأ المواطن العربي يفقد الحساسية تجاه مشاهد الدم العربي في فلسطين، بعد أن رأى دماء أكثر تسيل في هذه البلدان المنكوبة.

 ومع تحول الربيع العربي لحرب أهلية، ازداد الانقسام في الدول العربية بين إسلاميين وليبراليين وفلول أنظمة سابقة، ليتشرذم المجتمع العربي بطريقة قد لا تكون غير مسبوقة في تاريخه.

ولكن حتى بعد أن هدأ الربيع العربي، أصبحت هناك أسباب عدة، أضعفت التأييد الشعبي العربي لفلسطين، كان منها أن عملية التشويه التي طالت مكونات الربيع العربي سواء الإسلاميين أو فكرة الديمقراطية أو الثورة أو رفض الظلم حتى أثرت على مواقف بعض المكونات المحافظة في المجتمعات العربية تجاه فلسطين لا سيما حركة حماس التي نالها نصيب كبير من التشويه، خاصة في مصر والخليج لارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، رغم إعلان الحركة مراراً عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية.

التضامن مع فلسطين هو تمهيد للربيع العربي

ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فمنذ فشل الربيع العربي وأصبحت أغلب الحكومات العربية بما فيها حكومات داعمة للقضية الفلسطينية، تتحسس من أي مظاهرات حتى لو لم تتعلق بمشكلات داخلية لديها.

وبالتالي أصبحت أغلب وسائل الإعلام العربية سواء المحلية أو العابرة للحدود (وأغلبها موجه أو مملوك من الحكومات العربية الغنية) تقلل تغطيتها للقضية الفلسطينية، بشكل لافت، وعلى الأغلب بتوجيه من الحكومات.

إذ ترفض أغلب الحكومات العربية فكرة المظاهرات ككل، وهي ترى أنها لو سمحت اليوم بمظاهرات مؤيدة للقدس، فإن مواطنيها سيتعودون على هذا مثل هذا النشاط السياسي وقد يمتد الأمر لمظاهرات مطالبة بإصلاحات داخلية.

وهو طرح قد يكون منطقياً، فلا يمكن استبعاد أن المظاهرات الحاشدة التي شهدتها المنطقة العربية قبل الربيع العربي دعماً لفلسطين، كانت بمثابة تمرين أو بروفة للربيع العربي، وأن المتظاهر الذي خرج للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، هو الذي خرج بعد ذلك للمطالبة بحقوقه.

بصفة عامة تتوجس الحكومات العربية جميعها (وأغلب الحكومات المستبدة في العالم) من فكرة الحماس للقضية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية هي بمثابة تدريب عملي على فكرة العمل الحقوقي وأنشطة المجتمع المدني والعمل السياسي، وهي دوماً كانت بمثابة شعلة لفكرة الحرية والحقوق، وهو أمر بطبيعة الحال يمثل خطراً عليها.

تنعكس حساسية الحكومات العربية تجاه دعم فلسطين، على المواطنين، الذين بدورهم يتوجسون من إبداء الحماس في إظهار دعمهم للقضية، وخاصة أنه في بعض الدول العربية تم اعتقال أو التضييق على التيارات والنشطاء المؤيدين لها.

التطبيع جعل بعض الحكومات متوجسة من التأييد للقضية الفلسطينية

ولكن الأجواء المحبطة لفكرة التظاهر دفاعاً عن القضية الفلسطينية تفاقمت كثيراً خلال الأشهر الماضية بسبب متغير جديد وهو  التطبيع مع إسرائيل.

لم يحُل التطبيع الأردني والمصري مع إسرائيل قبل الربيع العربي دون حدوث تحركات ومظاهرات ضخمة في البلدين تأييداً للشعب الفلسطيني بموافقة أو عدم موافقة حكومتي البلدين، كان جزء من ذلك نابعاً أن هناك تفهماً أن التطبيع الأردني المصري، مرتبط بظروف البلدين المجاورين لإسرائيل، لأنه يمكن للحكومتين تبرير تطبيعهما الرسمي بأنه ضرورة لاستعادة أراضيهما (عبر كامب ديفيد واتفاق وادي عربة)، إضافة للأسباب الأمنية.

ولكن  موجة التطبيع  الأخيرة التي تقودها الإمارات تحديداً، فلا يبدو لها مبرر ضروري، وهو يبدو تطبيعاً غير مشروط فيه تفريط كبير للحقوق الفلسطينية، وتجميل لإسرائيل في أسوأ عهودها.

وبالتالي أصبحت حكومات الموجة الأخيرة من التطبيع تتوجس من أي شكل من أشكال الدعم  لفلسطين، لأنه في حقيقته يمثل إدانة كبيرة لسياستها.

ومما يزيد الطين بلة أن هذا التطبيع شمل المغرب وهي التي لم تكُن منخرطة في القضية الفلسطينية سياسيأً بشكل كبير، ولكنها كانت تشهد مظاهرات ضخمة مؤيدة لفلسطين عادة، ولكن التطبيع المغربي تم في ظل ظروف شديدة الحساسية داخلياً، وقُدم على أنه ضرورة وطنية للحصول على مكاسب في قضية الصحراء عبر الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في عهد ترامب، وفتح قنصليات خليجية في الصحراء.

أما الجزائر الدولة المعروفة بتأييدها الكبير للقضية الفلسطينية، ورغم أنها لم تغير موقفها الرسمي من القضية الفلسطينية، ولكن النظام الحالي الذي جدد شرعيته عبر انتخابات انتقدتها المعارضة والحراك، يتوجس بدوره من أي حراك شعبي حتى لو كان مؤيداً للقضية الفلسطينية في ظل تخوفه من أي أن تحرك أو مظاهرات في الشارع قد تتحول مجدداً للمطالبة بتغيير النظام أو حتى المطالبة بأي إصلاحات سياسية.

كل ما سبق يثبت أن مكانة القضية الفلسطينية في دولة عربية مرتبطة بالديمقراطية، فكلما ازدادت مساحة الحرية في أي بلد عربي زاد تعبير الناس عن تأييدهم للقضية الفلسطينية، بل لا يعد من باب المبالغة القول إن مصير القضية الفلسطينية في المنطقة مرتبط بمصير الديمقراطية فيها.

ولكن رغم التضييق في الشارع، فإن بعض المشاعر العربية المؤيدة والمتضامنة مع القدس ظهرت واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يعد أحد المجالات النادرة التي ما زال بها قدر من الحرية  في كثير من الدول العربية، ولكن هذا لا يعني أن تأييد القضية الفلسطينية سيبقى افتراضياً وحبيس خوادم مواقع التواصل الاجتماعي، ومن يظن ذلك عليه أن يتذكر أن الربيع العربي بدأ افتراضياً على حسابات التواصل الاجتماعي ثم انتقل للشارع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.