تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، أين أموال المساعدات؟
منذ نحو سبعة أعوام يواجه اليمن شبح المجاعة بسبب الحرب الدائرة هناك ، والآن عادت ظروف المجاعة التي لم تشهدها البلاد منذ عامين إلى جيوب اليمن، وسط تساؤل متكرر: أين تذهب أموال المساعدات؟
ويعيش ما يُقدَّر بنحو 47 ألف شخص بمستوياتٍ “كارثية” من انعدام الأمن الغذائي -أو ظروف شبيهة بالمجاعة- وفقاً لتحليلٍ أجراه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو السلطة المعنية بالأمن الغذائي في العالم، ويُظهِر التحليل أن 16 مليوناً آخرين يعيشون إما في ظروف “أزمة” أو ظروف “طارئة” من حيث الأمن الغذائي، وهذا يعادل أكثر من نصف سكَّان اليمن.
شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً حول الوضع الإنساني الكارثي في اليمن رصد سرعة تدهور الأوضاع نتيجة لخفض التمويل الذي أضرَّ بأنشطة وكالاتٍ مثل برنامج الغذاء العالمي، الذي يكافح الآن لتلبية الاحتياجات الأساسية لملايين اليمنيين، لا سيما في شمالي البلاد.
أين تبخرت أموال المساعدات؟
تمكن مؤتمر المانحين لليمن لعام 2021 من حشد 1.7 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة للأزمة الإنسانية، واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فور انتهاء المؤتمر أن المبلغ الذي تعهدت الدول بتقديمه “مخيب للآمال”. وقال في كلمة له خلال المؤتمر: “الحياة باتت لا تطاق بالنسبة لمعظم الناس في اليمن الآن، فالطفولة هناك نوع من الجحيم على نحو خاص.. إذ يتضورون جوعاً”.
وكانت الحكومة اليمنية التي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية تتطلع إلى دعم دولي إغاثي واقتصادي لتفادي تردي الأوضاع وتضاعف الأزمة الإنسانية، وأشاد رئيس الحكومة معين عبد الملك بدعم السعودية، التي تصدرت الداعمين بمبلغ 430 مليون دولار. بينما رأت جماعة الحوثي المدعومة من إيران أن المؤتمرات الإنسانية لليمن تساعد على “تبييض صفحة” التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
لكن بعيداً عن السجال السياسي، عادت التساؤلات حول أموال المانحين إلى الواجهة مرة أخرى، إذ في منتصف 2019 كان ناشطون يمنيون قد أطلقوا حملة إعلامية وإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية مختلفة، تحت هاشتاغ “#وين_الفلوس” (أين الأموال؟)، وحظيت الحملة بصدى واسع ومستمر حتى اليوم، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
هدف الحملة هو معرفة مصير المعونات الأممية لليمن خلال سنوات الحرب، وللمطالبة بتطبيق آلية شفافة لتسليم المساعدات، ويقولون إن الغذاء لا يصل للجائعين، بينما أموال المعونات تتسرب في ثقب أسود، ونشر الناشطون مؤخراً، كشفاً بـ96 منظمة دولية وإقليمية ومحلية، طالبوها بالكشف عن مصير مبلغ 2.7 مليار دولار تسلمتها تلك المنظمات من المانحين منذ 2018.
ورغم أنهم وجهوا نقداً للحكومة اليمنية التي تبدو عاجزة حسب وجهة نظرهم، إلا أنهم صبوا جام غضبهم على جماعة الحوثي التي قالوا إن معظم تلك المبالغ تذهب لمساندة ميليشياتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي 2019، اتهم تحقيق لوكالة أسوشيتيد برس، الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن، بفساد مؤسساتها في اليمن.
إذ كشفت الوكالة تفاصيل بعض جوانب التحقيقات في منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، بينها اتهامات توظيف غير مؤهلين، وتسخير عربات نقل أممية لحماية قيادات حوثية، وحصول موظفين على أموال طائلة من مخصصات الإغاثة. وواجهت منظمة الغذاء العالمي حينها اتهامات بالفساد، من قبل ناشطين وحقوقيين يمنيين، إثر نشرها تغريدة على حسابها في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أفادت فيه بأن تكلفة طبق من الفول تقدمه المنظمة تبلغ 62 دولاراً.
تراجع الدعم المالي وتفاقم الأوضاع الإنسانية
مالي وتفاقم الأوضاع الإنسانية
الخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر قال لوكالة الأناضول إن إجمالي ما تم جمعه في مؤتمر المانحين لهذا العام يوضح أن منحنى الدعم الدولي للوضع الإنساني في اليمن يتراجع سنة بعد أخرى. ويرى نصر، وهو رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، أن الدعم المقدم إذا ما قورن بالدعم في السنوات السابقة، فإن هناك تراجعاً وإن لم يكن كبيراً.
وعزا التراجع إلى تراجع الاهتمام الدولي بالحالة الإنسانية في اليمن، جراء طول فترة الحرب، إضافة لتداعيات فيروس كورونا وتأثيرها على العالم، والاستجابة لتخصيص موارد للحالات الإنسانية في العالم ككل، ويؤكد نصر أن الفجوة في الاحتياج الإنساني في اليمن كبيرة جداً، وتتصاعد مع استمرار الحرب، لكن الأموال الممنوحة ستلبي جزءاً من الاحتياج لكن تبقى الفجوة كبيرة.
ورأى أن الخطورة تتمثل في أن جزءاً بسيطاً من هذه المساعدات يصل للمحتاجين، فيما يذهب 50% منها على شكل نفقات تشغيلية وإدارية ولوجستية، مضيفاً: “في كل الأحوال دعم المانحين لليمن ودعم خطة الاستجابة الإنسانية خطوة مهمة، واليمن بحاجة إليها في ظل الوضع الإنساني الصعب، لكن من المهم أن يتم تقييم نتائجها”.
الحصار السعودي
ولا تقتصر أسباب تدهور الأوضاع الإنسانية على “الثقب الأسود” الذي يبتلع أغلب أموال المانحين، إذ تفاقمت أيضاً أزمة الوقود، وقال العاملون في مستشفى عبس، حيث يفقد 12 طفلاً حياتهم شهرياً، لـ”سي إن إن” إنهم سيضطرون إلى الإغلاق في أقل من ثلاثة أسابيع إذا لم يتلقوا المزيد من التمويل والوقود لمواصلة تشغيل مولِّداتهم، والقصة تتكرَّر في جميع أنحاء الشمال.
ويأتي الوقود عادةً إلى شمال البلاد عبر ميناء الحديدة، وعادةً ما يكون مزدحماً بالنشاط الاقتصادي في أفضل الأوقات، وحتى خلال الحرب الأهلية المستمرة في اليمن، كان الميناء بوابةً حيوية لاقتصاد الصراع، حيث تصل المواد الغذائية والمساعدات الأخرى التي يعتمد عليها اليمنيون.
لكن الميناء أصبح الآن أشبه بمدينة أشباح، حيث تقف المئات من شاحنات المعونات الغذائية في صفٍّ ممتد لأميال على طول طريقٍ ترابي، وعادةً ما كان خزانٌ كفهي يخزِّن نحو 2500 طن متري من النفط، لكنه الآن فارغٌ وتتردَّد في أرجائه الأصداء.
وقول الحوثيون إن السفن الحربية السعودية لم تسمح لأيِّ ناقلة نفط بالرسو في الحديدة منذ بداية العام، وهو أمرٌ يؤكِّده برنامج الغذاء العالمي، وما يحدث في الواقع هو تجويع الشمال من الوقود الذي تشتدُّ الحاجة إليه. ومنذ عام 2015، تدعم المملكة السعودية عسكرياً الحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً، والتي تعمل الآن في المنفى من الرياض.
وتسيطر السفن السعودية التي تقوم بدورياتٍ في مياه الحديدة على السفن التجارية التي يمكن أن ترسو وتفرِّغ حمولتها. وتمرُّ بعض البضائع، لكن لا يُسمَح بأيِّ وقود. وحصلت شبكة CNN على وثائق من سجل وصول الميناء تُظهِر أن 14 سفينة قد تم تخليصها من قِبَلِ هيئة التحقُّق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة لنقل الوقود إلى البلاد، ويُظهِر موقع التتبُّع MarineTraffic.com أن هذه السفن تقبع الآن في البحر الأحمر بين الحدود السعودية اليمنية وإريتريا، غير قادرةٍ على تفريغ وقودها.
وسبق أن اتَّهَمَت الأمم المتحدة الحوثيين باختلاس مئات الملايين من الدولارات من ضرائب الوقود المُخصَّصة لدفع رواتب موظَّفي الخدمة المدنية، ومع ذلك، كرَّرَت الأمم المتحدة التأكيد على أن الوكالات لا تزال بحاجةٍ إلى العمل في الشمال، حيث تشتد الحاجة إلى هذا العمل.
وقال مسؤولون حوثيون لشبكة CNN إنهم غُرِّموا ملايين الدولارات من قِبَلِ الشركات التي تمتلك السفن بينما هي قادرة على الرسو. ومنذ ما يقرب من ثلاث سنوات، جرَّم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “التجويع المُتعمَّد للمدنيين كأسلوبٍ من أساليب الحرب”، وطالَبَ بإبقاء “الوصول إلى الإمدادات الضرورية لإعداد الطعام، بما في ذلك الوقود والماء” في شمال اليمن.
ولم ترد الحكومة السعودية على طلب CNN للتعليق على حظر الوقود الجديد وسؤالٍ آخر حول ما إذا كان حظر الوقود قد يشكِّل وسيلةً في الحرب. وتقول منظمة الصحة العالمية، التي تقدِّم تمويلاً بالغ الأهمية للمستشفيات والعيادات، إنها تُرِكَت بلا تمويل على الإطلاق لتأمين الوقود لتنفيذ خدماتها في جميع أنحاء اليمن.
وقالت في وثيقةٍ اطَّلَعَت عليها شبكة CNN: “اعتباراً من مارس/آذار 2021، سيتعيَّن على منظمة الصحة العالمية التوقُّف عن توزيع الوقود على 206 منشأة في جميع أنحاء البلاد، وأكثر من 60% من المستشفيات التي تقدِّم خدماتٍ غير مُتوفِّرة على المستوى الأوَّلي الهش بالفعل. سيؤدِّي ذلك إلى توقُّف الخدمات التي تنقذ الحياة، مثل غرف الطوارئ ووحدات العناية المركَّزة، بما في ذلك وحدات العناية المركَّزة لمرضى كوفيد-19. وسوف يتأثَّر بذلك 9 ملايين شخص”.
ورفضت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية مراراً تأشيرات CNN لدخول شمال اليمن بعد تغطية العام الماضي التي كشفت الانخفاض الكبير في التمويل الإنساني السعودي للحرب. سافر مراسلو CNN ليلاً بالقارب من شرق إفريقيا للوصول إلى الشمال الذي يسيطر على الحوثيون، حيث ساهم الحصار السعودي في معاناةٍ واسعة النطاق وتحدياتٍ هائلة للأمن الغذائي.