إليكم أبرز الأسباب التي تجعل توفير لقاح كورونا لجميع البشر أمراً صعباً

0

ربما تكون السرعة القياسية التي تم بها التوصل للقاحات كورونا -أقل من عام واحد- سبباً في تفاؤل الكثيرين بأن إنتاج نحو 16 مليار جرعة تكفي لتطعيم سكان الكوكب جميعاً لا تبدو مهمة مستحيلة التحقيق خلال فترة موازية على سبيل المثال، أي عام واحد أو ربما أقل.

لكن حقيقة الأمر مختلفة تمام الاختلاف، فخلال نحو 6 أشهر منذ الإعلان عن التوصل للقاحات المتعددة وبدء التطعيم فعلياً -كانت بريطانيا الدولة الأولى وبدأ التطعيم فيها أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي- تلقّى حتى الآن نحو 600 مليون شخص الجرعة الأولى على الأقل من اللقاحات، وهو ما يعني أن أكثر من 7 مليارات شخص لم يتلقوا التطعيم ضد كورونا بعد.

أسباب سياسية تحول دون وصول اللقاح للجميع

من المهم في البداية التأكيد على حقيقة أن تلقي 600 مليون شخص لقاح كورونا في أقل من 6 أشهر يعد إنجازاً مذهلاً، في ظل كون اللقاح جديداً، وهو ما يعني أن إنتاجه بدأ فقط خلال تلك الفترة الزمنية القليلة في علم اللقاحات والأمصال، بحسب الخبراء.

تلقى نحو 600 مليون شخص في جميع أنحاء العالم الجرعةَ الأولى على الأقل، من لقاح مضاد لفيروس كورونا، ما يعني أن أكثر من 7 مليارات شخص لم يتلقوا تطعيماً بعد. ومع ذلك فإنه إنجاز مذهل في ظل تحدٍّ هائل.

لكن كون أكثر من نصف الجرعات الممنوحة حتى الآن ذهبت إلى مواطني بلدان لا يتجاوز عدد سكانها في مجموعهم سُبع سكان العالم، وهي في المقام الأول الولايات المتحدة ودول أوروبية، يكشف حقيقة مؤلمة تتعلق بأخلاقيات توزيع اللقاح، فهناك عشرات البلدان، لاسيما في إفريقيا، بالكاد بدأت في حملات التلقيح مؤخراً.

وبناء على ذلك، وفي الوقت الذي تتوقع فيه الدول الغنية تراجعَ حدة انتشار الوباء في غضون أشهر، تواجه الدول الفقيرة احتمالية استمرار تلك المعاناة لسنوات قادمة، وهو ما ينشر حالة من الإحباط، تجعل كثيراً من الناس في جميع أنحاء العالم يتساءلون عن السبب وراء عدم توفر المزيد من اللقاحات.

ولا يمكن استبعاد الاعتبارات القومية وتدابير الحكومات كسبب رئيسي ومباشر يفسِّر الكثير فيما يتعلق بانعدام المساواة الصارخ بين من يملكون ومن لا يملكون في هذا العالم. لذلك في هذا الصدد، يعزو كثيرون الأمر إلى تقاعس الحكومات، ولا يمكن تجاهل قوة شركات الأدوية، التي يبدو أحياناً أنها تمتلك كل الأوراق لفرض ما تراه.

أسباب أخرى تتعلق بطبيعة اللقاحات نفسها

لكن مع الإقرار بدور السياسات القومية وغياب التعاون الحقيقي في انتشار الظلم الواضح وعدم المساواة في ملف لقاحات كورونا، إلا أن واقع الأمر هو أن جزءاً كبيراً من المعضلة الحالية يعود كلياً إلى الخدمات اللوجستية وعواملها المحضة، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

والمقصود هنا أن تحصين معظم البشر في وقت قصير مهمةٌ ضخمة، لم تحدث من قبل على الإطلاق، كما أنها مهمة يقول الخبراء إن العالم لم يكن مستعداً من الأساس لمواجهتها. ويشيرون كذلك إلى أن الأمور تطورت حقاً بسرعة غير مسبوقة، إذ قبل عام ونصف العام لم يكن المرض معروفاً، ومنذ أقل من 6 أشهر فقط حصلت بعض اللقاحات على تصاريح استخدام مؤقتة.

ومع ذلك، فإن البشر أمامهم طريق طويل فيما يتعلق بتطعيم سكان العالم. وفيما يلي نظرة على أسباب نقص اللقاح وتعذُّر وصوله إلى أكثر البشر حتى الآن وأولها أن القدرات العالمية محدودة.

لا يوجد في جميع أنحاء العالم سوى عددٍ معين من المصانع التي تصنع اللقاحات، وليس هناك إلا عدد معين من الأشخاص المدربين على صنعها، وجميعهم كان منهمكاً في تصنيع لقاحات أخرى قبل الوباء. وهذه المحدودية ذاتها تنطبق أيضاً على القدرات الإنتاجية لمصانع المواد الخام البيولوجية، ووسائط زراعة الخلايا، والمرشِّحات الخاصة، والمضخات، والأنابيب، والمواد الحافظة، والأمبولات الزجاجية، والسدادات المطاطية.

وتعليقاً على ذلك، قالت سارة شيفلينغ خبيرة في سلاسل التوريد الدوائية والإغاثة الإنسانية في جامعة “ليفربول جون موريس” البريطانية لنيويورك تايمز: “لا يمكن التوقف فجأة عن صناعة كل لقاح آخر. [المصانع] تضيف اللقاح الجديد إلى القائمة. وتعمد في المقام الأول إلى مضاعفة الإنتاج، لكن سلاسل التوريد من هذا الحجم عادةً ما تستغرق سنوات لإنجازها”.

وعلى سبيل المثال، فإن أكبر صانع للقاحات في العالم “معهد سيروم الهندي”، يُنتج لقاح كورونا الذي طوَّرته شركة “أسترازينيكا” وجامعة أكسفورد، وقد ذهبت توقعاته الأولية إلى إنتاج مليار جرعة من اللقاح هذا العام، بالإضافة إلى 1.5 مليار جرعة لقاح يُنتجها سنوياً لمواجهة أمراض أخرى، غير أن واقع الأمر أن بلوغ هذه الوتيرة المستهدفة استغرق شهوراً.

بالإضافة إلى ذلك، قدَّمت حكومات عدة استثماراتٍ ضخمة، اعتمدت عليها الشركات لرفع كفاءة مصانعها وبناء مصانع جديدة من الألف إلى الياء، وتدريب موظفين جدد، وهي جهود بدأت العام الماضي، إلا أنها لا تزال بعيدة عن الاكتمال.

تركيز الدول الغنية على تلقيح مواطنيها أولاً

تعهدت الدول الأكثر ثراءً في العالم بتقديم أكثر من 6 مليارات دولار لمبادرة “كوفاكس” Covax، وهي مبادرة عالمية معنية بتوفير لقاحات كورونا للدول النامية بتكلفة قليلة أو بلا تكلفة.

ومع ذلك، فإن بعض هذه التعهدات لم يُوفَّ بها حتى الآن، وهي على أي حال لا تشكِّل إلا حصةً صغيرة مقابل ما أنفقته الدول الغنية بالفعل على نفسها، وحصةً أصغر من ذلك إذا ما قورنت مع واقع الاحتياجات العالمية.

وزاد على ذلك أن مبادرة “كوفاكس” ذاتها فقدت بعضاً من أرضيتها عندما ظهرت المخاوف المتعلقة بلقاح “أسترازينيكا” -الذي كان التعويل عليه أن يكون العمود الفقري لجهود المبادرة في توزيع اللقاح مجاناً- وهي مخاوف قد تكون مرتبطة بآثار جانبية نادرة جداً، إلا أنها خطيرة. وقد أدت تلك المخاوف بالفعل إلى حالة من الحذر العام حيال استخدامه.

ومن جهة أخرى، دعت كثير من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن الصحة العامة الحكوماتِ الغربية إلى إجبار شركات صناعة الأدوية واللقاحات على مشاركة تقنياتها الحاصلة على براءات اختراع مع بقية دول العالم. ومع ذلك، فإن أياً من الشركات المنتجة للقاح لم تقم بذلك طواعية، كما لم تُشر أي حكومة إلى أنها قد تتحرك في هذا الاتجاه سوى مؤخراً.

وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن تقديم دعمٍ مالي لإحدى الشركات الهندية، شركة “بيولوجيكال إي” Biological E، لتكثيف عمليات إنتاج لقاح “جونسون آند جونسون” وإرساله إلى أجزاء أخرى من العالم. وقالت الإدارة الأمريكية هذا الأسبوع إنها سترسل ما يصل إلى 60 مليون جرعة من لقاح “أسترازينيكا” -التي اشترتها الولايات المتحدة ولكنها لا تستخدمها- إلى دول أخرى.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ودولاً أخرى أيضاً عمدت إلى تقييد صادرات بعض المواد المستخدمة في صناعة اللقاحات، ما أثار انتقادات شديدة، خاصة من الهند، التي تجتاحها الموجة الثانية من فيروس كورونا على نطاق لم يُسبق له مثيل في أي مكان آخر. كما أنه نتيجة لذلك منعت حكومة الهند تصدير كميات من اللقاحات الجاهزة، ما أعاق خطط تطعيم كان من المفترض الشروع فيها بإفريقيا.

الحكومات وشركات الأدوية

استثمرت الولايات المتحدة ودول متقدمة أخرى مليارات الدولارات في تطوير اللقاحات والتوسع في التصنيع، كما أنفقت مليارات أخرى على حفظ اللقاحات المنتَجة وتوزيعها. وتسيطر حكومة الولايات المتحدة أيضاً على براءة اختراع محورية في إحدى العمليات المستخدمة في صناعة اللقاح، غير أن معاهدها الوطنية للصحة شاركت في تطوير لقاح شركة “موديرنا”.

كل هذا وغيره يمنح الحكومات قوة هائلة لإجبار الشركات على مشاركة عملها عبر الحدود، سواء أكانت شركات خاصة أو حكومية، لكن الواقع أنها ظلت ممتنعةً حتى الآن عن استخدام هذه القوة، وإن كان ثمة بوادر على تغير ذلك مع وصول بايدن إلى منصبه، في يناير/كانون الثاني.

وقال تيغلونغ داي، الأستاذ المساعد في كلية إدارة الأعمال بجامعة جونز هوبكنز ومتخصص في إدارة الرعاية الصحية لنيويورك تايمز، إن براءات الاختراع هي أحد المجالات التي كان متاحاً فيها للحكومات أن تكون أشد عدوانية بشأن استخدام نفوذها. وأكثر ما كان يمكن أن يكون له تأثير في هذا السياق هو لو تصرف المسؤولون في وقت مبكر وبقوة أكبر للضغط على الشركات التي تطور لقاحات من أجل أن تعقد صفقات شراكة مع منافسيها لتكثيف إنتاجها من اللقاحات.

وقد ضغطت إدارة بايدن بالفعل على شركة “جونسون آند جونسون” لتوقيع صفقة مع منافستها شركة “ميرك”، في مارس/آذار، لمنحها حق إنتاج لقاحها، وخصَّصت الحكومة الأمريكية 105 ملايين دولار لتجديد مصنع “ميرك” في ولاية كارولينا الشمالية لهذا الغرض.

وفي حين رفض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاستناد إلى قانون الإنتاج الدفاعي لمنح صانعي اللقاحات إمكانية الوصول إلى المواد التي يحتاجون إليها، فإن بايدن اتخذ هذه الخطوة.

إنتاج اللقاحات أمر صعب

لكن رغم كل ما سبق قد تكون النقطة الفاصلة في هذا السياق هي أن عملية إنتاج اللقاحات عملية صعبة ومعقدة، وتستغرق وقتاً طويلاً، وحتى عندما يكون اللقاح معترفاً به والطلب عليه مستقراً تظل عملية إنتاجه عمليةً صارمة، فما بالنا بلقاح جديد وخطوط إنتاج جديدة وتوقعات عالمية متزايدة بتوفير اللقاح؟ كل هذا يجعل الأمر أصعب بكثير.

وقد واجهت شركتا “أسترازينيكا” و”جونسون آند جونسون”، وهما اثنتان من أكبر شركات الأدوية في العالم، مشكلات إنتاجية خطيرة مع إنتاج لقاح كورونا، وهي دروس موضوعية ينبغي الالتفات إليها فيما يتعلق بتحديات التوسع بسرعة من لا شيء إلى مئات الملايين من الجرعات.

وما زاد الأمر صعوبة أن لقاحات شركة “فايزر” وشركة “موديرنا” تعتمد على تقنية لم تكن استُخدمت مطلقاً حتى العام الماضي في إنتاج لقاح بكميات كبيرة. وهي تقنية يتطلب الاعتماد عليها معدات ومواد وتقنيات وخبرات مختلفة عن اللقاحات المعروفة.

ورغم أن عديداً من الشركات تُصر على أنها يمكنها تولي إنتاج هذه اللقاحات، فإن خبراء يقولون إن هذه الشركات تحتاج على الأرجح إلى وقت واستثمارات ضخمة للشروع في هذا الأمر، وهو رأي صرَّح به بالفعل ستيفان بانسل، الرئيس التنفيذي لشركة “موديرنا”، في فبراير/شباط، في جلسة استماع للبرلمان الأوروبي.

وقال بانسل إنه حتى في حال التعاقد مع شركات ذات إمكانيات متقدمة للغاية للاضطلاع بهذا العمل، فإن واقع الأمر أن شركة “موديرنا” كان عليها أن تقضي أشهراً لمجرد بناء المرافق الأساسية، وإعادة بناء أخرى لمواصفات جديدة وتزويدها بمعدات جديدة، واختبار تلك المعدات أكثر من مرة، بالإضافة إلى تدريب القائمين على العمل.

وبالإضافة إلى جميع الأسباب السابقة التي تجعل مهمة تطعيم جميع البشر بلقاحات كورونا صعبة، تظل نسبة غير قليلة من الناس رافضة لتلقي اللقاحات لأسباب لا تتعلق بتوفر الجرعات من عدمها، بل باقتناع تلك النسبة غير الضئيلة من سكان الكوكب بنظريات المؤامرة التي صاحبت فيروس كورونا منذ ظهوره وحتى اليوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.