كيف ساهم الغرب في وأد الثورة السودانية

يقول جوستن لينش، صحافي يغطي شؤون أوروبا الشرقية وأفريقيا والأمن السيبراني، في مقالٍ نشرته مجلة فورين بوليسي إن ما وصفه بخداع الذات والإهمال منع الحكومات ووكالات الإغاثة من تسهيل انتقال حقيقي دائم إلى الديمقراطية في السودان.

ويستهل الكاتب مقاله بالقول: إنه في مثل الشهر الماضي أبريل (نيسان) قبل ثلاث سنوات (عام 2019)، أطاح السودان زعيمه الاستبدادي عمر البشير. وفيما يخص الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي كان يُنظَر إلى ثورة السودان على أنها فرصة تاريخية لتحويل الدكتاتورية إلى ديمقراطية. وتعهَّدت الولايات المتحدة بتقديم 700 مليون دولار لدعم الانتقال إلى الديمقراطية، بالإضافة إلى حوالي 600 مليون دولار في صورة مساعدات سنوية. وشكَّلت الأمم المتحدة بعثة لدعم الانتخابات. وعقد الزعيم الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرًا دوليًّا رفيع المستوى للمانحين لدعم الحكومة المدنية.

لكن اليوم قُضِيَ على الحركة الديمقراطية في السودان. وأدَّى الانقلاب العسكري على رئيس الوزراء المدني في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى تبدُّد الآمال في انتقال حقيقي.

يقول الكاتب: تمكَّنتُ من متابعة الثورة السودانية عن كثب بصفتي مراسلًا صحافيًّا، لكنني أردتُ أن أعيش خلال فترة الانتقال في السودان بقدر المستطاع للشخص الأجنبي. وعملت مسؤولًا متوسط ​​المستوى في الأمم المتحدة، ولدى المنظمات غير الحكومية في السودان، أثناء إجراء محادثات صريحة مع النشطاء، ورئيس الوزراء، والمسؤولين العسكريين، من أجل وضع كتاب يؤرخ لثورة السودان مع مؤلفين آخرين. ويؤكد الكاتب أنه كانت هناك فرصة للإصلاح أضاعها التكنوقراط، والدول، والمؤسسات الأجنبية، التي أرادت دعم الديمقراطية.

وقصة دور المجتمع الدولي في السودان توضح بالتفصيل حدود المساعدات الخارجية، لكنها أيضًا عبارة عن قصة خداع للذات والإهمال. ويجب ألا نخطئ الهدف أو نضل الطريق، فالجيش والسياسيون في السودان مسؤولون عن مصير بلادهم. إن ميراث الفساد والعنف استمر بعد سقوط البشير. وكان ذلك يعني أن طريق الانتقال في السودان سيكون دائمًا وعِرًا – إذا قُدِّر له أن ينجح من الأساس.

ويشير الكاتب إلى أن رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، كان واضحًا دائمًا في أنه يتوقع تراجعًا في ثورة السودان. وافتقر حمدوك وغيره من التكنوقراط في الحكومة المدنية إلى المهارة السياسية لاستخدام النفوذ الضئيل الذي كان لديهم، وكانت أيديهم مغلولة بدستور يمنح الجيش سلطة شبه كاملة.. وكانت الحكومة المدنية ضعيفة وليس لهم خبرة.

من المسئول عن ضياع الفرصة؟
يلفت الكاتب إلى أنه كانت هناك فرصة سانحة لإجراء إصلاحات مهمة قبل قيام الثورة المضادة، ولكن أضاعها، ليس هؤلاء التكنوقراط وحدهم، ولكن أيضًا الدول والمؤسسات الأجنبية التي أرادت دعم الديمقراطية. والدروس المستفادة من مساعدة المجتمع الدولي للسودان مهمة؛ لأن البشير لن يكون آخر ديكتاتور يُطَاح. وإذا أراد مؤيدو الديمقراطية القيام بعمل أفضل في دعم عمليات الانتقال إلى الديمقراطية في السودان، فعليهم التعلم من عملية الانتقال الفاشلة في الخرطوم.
ويضيف لينش: ارتفعت أسعار الخبز، والكهرباء، والمنتجات الأساسية، ارتفاعًا كبيرًا بسبب التضخم الذي بلغت نسبته 359٪ عام 2021. وكان الاقتصاد في حالة انهيار شديد. وأوضح لي حمدوك في مقابلة وكالة أسوشيتد برس أن رفع واشنطن للسودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو «مفتاح أي شيء يمكننا القيام به في هذا البلد»، بحسب الكاتب.. لكن الشعب السوداني يرى عكس ذلك.. ودائما هنالك مقارنة بين الأوضاع في عهد البشير وعهد حمدوك.. كانت الحياة أفضل في عهد البشير.

واستدرك الكاتب قائلًا: لكن المساعدة من الحكومة الأمريكية تأخرت. وكانت المعركة داخل إدارة ترامب لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ستستغرق أكثر من عام. وكان هذا يعني أن إعادة جدولة الديون، ودعم الميزانية من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، قد توقفت مؤقتًا خلال السنة الأولى الحاسمة من عمل حمدوك. وقلَّل هذا التأخير من فرص نجاح الحكومة الانتقالية. وتفاقم وضع التجاهل بسبب جائحة كوفيد-19 التي حطَّمت اقتصاد السودان، حيث انكمش بنسبة 3.6٪ عام 2020.

ويقول الكاتب: أوضح لي بعض المسؤولين الأمريكيين أنهم كانوا غير متأكدين هل عملية الانتقال في السودان حقيقية أم لا، ولا يريدون تقديم الدعم الذي ينتهي به الأمر إلى أيدي الجيش إذا سيطر على البلاد. وقال مسؤولون آخرون: إن أولئك الذين لديهم النفوذ في واشنطن لدفع حزمة المساعدة كانوا متخوفين من اتخاذ قرار.

وعندما أعلنت إدارة ترامب أخيرًا أنها سترفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أكتوبر 2020 وتقديم الدعم المالي لعملية الانتقال في السودان، لم يكن ذلك لصالح السودان بشكل بحت؛ فقد جرى ربط شطب السودان من قائمة الإرهاب، وتقديم المساعدة المالية في نهاية المطاف باعتراف الخرطوم بإسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهام. وشعر القادة في الخرطوم أن الولايات المتحدة احتجزت المرحلة الانتقالية رهينةً من أجل دعم حملة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب. وعلى الرغم من الخطاب الأمريكي الداعي إلى دعم انتقال السودان إلى الديمقراطية، فإن الولايات المتحدة كانت تماطل من حيث الممارسة.

السودان: المساعدة جاءت متأخرة
وأوضح الكاتب أنه لما جاءت المساعدات إلى السودان أخيرًا، لم تكن على الوجه الصحيح. على سبيل المثال، أدارت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية غالبية التمويل الذي يُعطى لمرة واحدة، والذي بلغت قيمته 700 مليون دولار، بالإضافة إلى ما قاله لي المسؤولون الأمريكيون بأن المبلغ الإجمالي للتمويل يصل إلى 600 مليون دولار من المعونات السنوية للمساعدة في عملية الانتقال، ومعالجة القضايا الإنسانية في السودان. وكان لكل سفارة غربية حزمة مساعدات مماثلة، وكان المبلغ كله يزيد عن مليار دولار كل عام لمعالجة الفقر، والرد على العنف، ودعم الديمقراطية.. إذا الغرب هم من حاربو الديمقراطية في السودان.

سوء توجيه للأموال
ويذكر لينش: اعتبارًا من نهاية عام 2021 لم يكن جانبًا كبيرًا من مبلغ الـ700 مليون دولار التي تعهدت بها الحكومة الأمريكية لعملية الانتقال في السودان قد جرى الالتزام بها، وفقًا لمسؤولين أمريكيين؛ مما يعني أن الأموال لم تنفَق بالفعل. ويضيف الكاتب: اعترف لي دبلوماسيون من سفارات أخرى بأنهم قدموا أموالًا لوكالات الأمم المتحدة في السودان، على الرغم من أنهم كانوا يعلمون أنها لن تكون فعَّالة؛ لأنهم لم يعرفوا كيف يستخدمونها خلال دورة الميزانية الخاصة بهم.. كلها ذهبت إلى عملاء الغرب.
ويكمل الكاتب: غالبًا ما شعرتُ أن هدف الأمم المتحدة وبعض المنظمات غير الحكومية هو الحصول على مزيد من الأموال، بدلًا عن مساعدة الناس في حقيقة الأمر. وكان المشي في المخيم يُشعِر المرء أحيانًا بأنه يتصفح الإنترنت دون برنامج مانع النوافذ المنبثقة الخاص بالإعلانات.

واختتم الكاتب مقاله بالقول: غير أن محدودية قدرة الدول الغربية على التأثير في الدول الأجنبية لا تعني أن تلك القدرة غائبة بالكلية. ونأمل في المرة القادمة أن يكون أداء الغرب أفضل من ذلك.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.