كيف يمكن للمؤتمر الوطني، أن يواجه لجنة التفكيك في ثوبها الجديد
نستهل هذا المقال، بالسؤال الرئيسي الاتي: هل سيغيير المؤتمر الوطني من استراتيجيته القديمة، في مواجهة لجنة التفكيك في ثوبها الجديد.
لجنة التفكيك الجديدة
صحيح أن الحكومة الجديدة المتوقعة، وحتى قبل تشكيلها، قد استهلت برامجها والترويج لنفسها بموضوع التفكيك. وصحيح أيضا أن التفكيك هذه المرة باشراف دولي مباشر. وصحيح أن تصريحات المسؤولين الجدد خلال الاسبوع الحالي جاءت كلها منذرة ومتوثبة للإنقضاض على المؤتمر الوطني، ومتوعدة الكيزان بالويل والثبور وعظائم الأمور. وصحيح أن الأجهزة العدلية قد تم تهيئتها لتكون أداة طيعة في تنفيذ منهج التفكيك الجديد وقد إحتكرت قوى الحرية والتغيير المركزية اختيار قادتها، وصحيح أن قوانينا جديدة سوف يتم تفصيلها وبالمقاس لقضايا التفكيك بما يشمل حتى أحكام القبضة على فرص الاستئناف والتظلم (حتى لا تضطر اللجنة الى ما اسماه وجدي: دريبات)، بل ومحاكمة كل من ينتقد/ يزعج قادة التفكيك الجدد، والصاق عليه تهمة إعاقة التحول الديمقراطي. كل ذلك صحيح ويُضاف اليه الهجوم الكاسح الذي شنه حميدتي وبالفاظ شبه سوقية، وتحذيرات البرهان، هذا فضلا على تصريحات أعضاء لجنة التفكيك القديمة وهم يتوعدون بالشوط الثاني من التفكيك. إلا أن برنامج مؤتمر التفكيك المنشور، جاء مترجما لكل ذلك، وعبر منهج مكتوب بصورة مدروسة و مطبوخة وموسعة وممنهجة.
وفق المعطيات أعلاه، نثير السؤال المركزي الاتي: ترى ماهي خطة المؤتمر الوطني لمواحهة حملة التفكيك الجديد؟ ونحاول أن نتكهن بالاجابة عليه.
🔹 شباب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية
لم يكن شباب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية في يوم من الايام مقتنعون بمبدأ المعارضة المساندة تجاه حكومة جعلت همها الاوحد وبرنامجها الاوحد هو اقتلاعهم. ولم يلتزم هؤلاء الشباب بالمعارضة المساندة أو المتهادنة، الا من باب طاعة القيادة. ومازال هؤلاء الشباب يترقبون وينتظرون ويحتفون بكل بارقة ضوء تعيد اليهم الأمل في مواجهة قوية مع من ظلمهم. هنا، يبدو أن قيادة المؤتمر الوطني عندما أحست بهذا التململ، انتدبت القيادي أنس عمر ليبث أحاديث المواجهة والقوة والصلابة. ولكن حتى أنس عمر ظل يضبط تصريحاته، في كل مرة بما لا يتجاوز السقف الموضوع له من القيادة، بأكثر من مخاطبة أشواق عضويته. وتوالت الأحداث رويدا رويدا، وسجل المؤتمر الوطني في كل مرة انتصارات كاسحة على صعيد المعارك القانونية والمعارك الإعلامية والمعارك السياسية والأخلافية. وظهر بروف غندور، أخيرا وهو يدلى في الفترة الأخيرة بكثير من التصريحات النارية من قبيل: (يكاد صبرنا ينفد، ولن نحترم من لا يحترمنا ويصادر حقوقنا، وأدعو الجميع الى النزول الى الشوارع، ولابد أن نأخذ حقوقنا المستلبة … وغيرها) ، بل و ان الحزب نفسه صار يصدر كثيرا من البيانات شديدة اللهجة.
🔹 ارهاصات التغيير
بسبب التصعيد الجديد من جانب قوى اعلان الحرية والتغيير والتصعيد الجديد من حميدتي، والتصريحات التحذيرية من البرهان، ورد الفعل القوي من بروف غندور والقيادي أنس عمر، وبسبب التململ في قواعد المؤتمر الوطني، وبسبب التدخلات الخارجية السافرة، وبسبب البرنامج التفصيلي الممنهح للتفكيك الجديد، لكل هذه الاسباب، فان وتيرة التوقعات والارهاصات قد ارتفعت متكهنة ومترقبة لموقف جديد لحزب المؤتمر الوطني تجاه أعمال لجنة التفكيك في ثوبها الجديد.
🔹 الصحفي بكري المدني
ابتدر هذه التكهنات الصحفي بكري المدني بقوله: (كسب الإسلاميون شوط الأربع سنوات الماضية في تقديري لتفاديهم المواجهة مع خصومهم السياسيين وتعويلهم على الفشل الذاتي للأخيرين وهو ما حدث وسط دهشة الكثيرين بمن فيهم الأخيرين أنفسهم وسوف يخسر الإسلاميين في تقديري إذا ما هم غيروا هذه المعادلة وقرروا مواجهة خصومهم/حميدتي).
أي أن الصحفي بكري المدني يدعو الاسلاميين الى:
١/ عدم تغيير استراتيجيتهم القديمة.
٢/ تفادي قيادتهم لأي مواجهة مباشرة مع خصومهم، مهما كان التطاول.
٣/ ترك الخصم ليموت تلقائيا غارقا في وحل الفشل الحتمي الملازم له.
٤/الاستمرار على ذات الوسائل القديمة المتمثلة في: (حرب التعرية الاعلامية، مناهضة القرارات الظالمة عبر القضاء والمؤسسات المهنية، الضغط عبر المظاهرات وتحت مظلة التحالفات السياسية، الظهور الاعلامي القوي لبعض قيادات الصف الأول في اوقات متباعدة). وبذلك يجزم ويضمن الفوز للاسلاميين، كما جربوه وتذوقوا طعمه خلال الأربعة سنوات السابقة.
🔹 د. محمد علي الجزولي رئيس حزب دولة القانون
ظل هذا القيادي الاسلامي الشاب الفصيح الدقيق، ظل يمثل راس الرمح في كل مقاومة خشنة. وظل يلهب حماس الرأي العام والاسلاميين بالتصريحات القوية. كما أنه ظل يشتكي من تباطؤ حلفائه في المعارضة، وظل يدعو الى تغيير طرق ووسائل المعارضة الى مزيد من القوة والتصعيد. وظل يردد بأن قحت ليست بقوتها الاولى، والشارع ليس باستلابه الاول والاسلاميين ليسوا بخنوعهم الاول، وبما أن التدخل الدولي مرفوض مبدأ، لذا يجب استخدام أقصى درجات القوة السلمية في مواجهة الظلم والاقصاء والعمالة. أي أن د. الجزولي يدعو الى:
١/ التصعيد.
٢/ المواجهة.
٣/ الإصطدام.
🔹 ماهو موقف قحت وماذا تريد
تمزقت قحت. صارت قوى التغيير المركزي تفقد كل يوم أراضيها السياسية، فهي محاصرة من الشيوعي، ومن البعثي ومن لجان المقاومة ومن الحركات المسلحة، ومن حليفها العنيد عقار … الخ. حتى فولكر وصفهم بأنهم غير مقنعين للشارع. هذا هو موقفهم. ويبدو أنه ليس لديهم مخرج من هذا الموقف العصيب إلا باستدراج الاسلاميين الى مواجهة سياسية. والتكسب السياسي من خلال هذه المواجهة وعبر شعار التفكيك المضمون، رغم عواقبه على النسيج الاجتماعي. إذن فان الموضوع في جوهره مجرد استدراج قاسي للاسلاميين الى ميدان الوحل، واستفزاز خشن لهم لخوض معارك مباشرة تخفف على قوى الحرية والتغيير متلازمة الفشل، وهذا بالضبط هو الذي حذر الصحفي بكري المدني الاسلاميين من الوقوع فيه.
🔹 من يدفع الفاتورة المباشرة
من ناحية أخرى، هل تستطيع قيادة الاسلاميين، الانحناء للعاصفة هذه المرة أيضا، وترك عشرات الآلاف من الموظفين ومئات الآلاف من الاسر والزوجات والأطفال، ان تتركهم وهم يدفعون فاتورة الظلم والفصل عن العمل والاعتقال ومصادرة الأموال والشيطنة والتشهير، مرة أخرى كما دفعوها خلال الفترة الماضية؟ أكيد أنها فاتورة قاسية على المجتمع وعلى نسيجه الاجتماعي، قبل أن تمس التنظيم ككيان او قيادات.
🔹 خاتمة
بعد الوصف التفصيلي لخياري المواجهة القوية المباشرة، أو خيار المواجهة الناعمة عبر المؤسسات. أتوقع أن ما سيفعله الاسلاميون هو الاتي:
١/ مواصلة السياسية الرسمية المعلنة بعدم التصعيد.
٢/ لجوء القيادة الرسمية الى التصعيد الجزئي وليس الشامل، كرد فعل جزئي لكل قضية على حدى وتحت سقف مضبوط.
٣/ إطلاق العنان لعضويتهم ليتصرفوا كمواطنين دون أي قيد أو توجيهات حزبية.
٤/ عدم التدخل المباشر في تقديرات الموقف للتحالفات السياسية المعارضة، لتحدد وتقدر ماتراه مناسبا في شأن المواجهة، بحرية تامة بعيدا عن سقوفات المؤتمر الوطني ودون تدخل منه.
٥/ خوض معارك مباشرة تحت قيادة رجال الصف الأول وفي قضايا محددة. مثل رفض التدخل الدولي ورفض تسيس العدالة ورفض استهداف القيادات.
٦/ الاستفادة من مبادرات العمل العام. مثل المبادرات الوطنية، أو مبادرات الوفاق، أو مبادرات أسر المعتقلين … الخ.
٧/ الرصد والمتابعة وانعقاد غرف الطوارئ القيادية او الاعلامية أو المهنية أو السياسية، للتحرك المناسب وتحديد العمل الحزبي المباشر، التفصيلي لمجابهة المستجدات.
أخيرا وبما أن قوى الحرية والتغيير المركزية، ماتزال لم تحدد كيفية تنفيذ سياسة التفكيك الجديدة فان كل الاحتمالات ماتزال قائمة.
هذا والله أعلم.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.