لقد أوجعتنا يا حمدوك، وسارقو الفترات الانتقالية.. وعملاء الغرب

لعلَّك لم تكن تعلم عزيز الفترة الانتقالية؛ أنَّنا قد أسرفنا في مدحِكَ في كلِّ الفضاءات، وذدنا عنك في وجه القادحين والمُعَرِّضين؛ ونحن بعد نعرف من أتى بك إلى السلطة من ليبراليِّي السودان الجُدد عبر اجتماعاتكم في أديس أبابا، ونعرف من يعمل في مكتبك ومن يعمل حوله لصالحهم ولصالح عناصر المؤتمر الوطني عبر الرِّشَى السخيَّة (Commissions)، ونعرف حتى عملاء المخابرات الذين من حولِك، وهم يلبسون الزيَّ القوميَّ، ويقدمون لك المشورة ليل نهار، ويحاولون رسم خطِّ السيرِ لك؛ ولكنَّا على أيِّ حال تجاوزنا عن كل ذلك.

وقد فعلنا ما فعلنا من غضِّ الطرف سماحةً وتجمُلا وتطلُّعاً، بأنَّ ما تحمله من علمٍ وتجربة، سيُنْهِضُ عنقاء الوطن من رمادها.

ملاحظات لابدَّ منها

1/ نرجو أن نُنَبِّهك بكل الاحترام والتقدير أنَّك تجلس على هذا الكرسي بدماء شهدائنا وفقد مفقودينا وجراح جرحانا وبالفعل الثوري لثوارنا – في كل السودان – الذي أفضى للتغيير، ويجب أن تعلم أيضاً أنَّنا صرفنا النظر عن الحقائق في المقدمة أعلاه لأنَّك من الهامش وتنحدر من أسرة فقيرة. وكنَّا نحسبُ أنَّك بورجوازيٌّ صغيرٌ منحازٌ للطبقات الفقيرة التي جئت من ترائبها، ولكن يبدو أنَّنا كنَّا واهمين. فكل سياساتك تُوحي بأنَّك منحازٌ للطبقات الغنية التي قدمتك للثورة السودانية، وخلَقَتْ منك أيقونة المنقذ العظيم، وجمعتْ من حولك جموعاً كثيرة، بعضها صادق وجُلُّها “فلولً” تلبس لباس ثورة ديسمبر الظافرة. واختارت لك نموذجاً للحكم خُمْسُمُشْكِل – “مدني – عسكري” مقصوداً لذاته، ليحميها من رجعة النظام المتساقط الذي تنكَّرت له، وليحميها من غضب الثورة والثوار.

غير أنَّ انحيازك لطبقة الليبراليين الجدد والعسكوطفيليات ودعاة الهبوط الناعم ومَنْ وراءَها في العالم الخارجي على حساب فقراء السودان (ولا تثريب على انحيازك هذا، فالدولة المدنية تُتيح لك ذلك) يُكذِب أول جملة قلتها بعد أدائك للقسم: “أنا الآن رئيس كل السودان”، ويفضح زيف وقوفك على مسافة متساوية من طبقات المجتمع (شركاء العملية الإنتاجية/الاقتصادية) ويكشف خِواء مفهوم المشروع الوطني لديك والذي لطالما بشرتَنا به، ويجردك حتى من الحقيقة الإنسانية وأنت تتخذ من قتلة أبنائنا ذراعاً يميناً لك؛ تارةً بذريعة العَمَلانِيَّة، وحقيقةً بسيادة العقل الجهوي المُتحاصِص (غربنة ممنهجة للدولة) عندك وعند من يليك.

2/ ولتعلم أنَّنا على مستوى فهمنا المتواضع للنظرية الاقتصادية، لا نجد حرجاً في أن يكون للثورة شرائح رأسمالية وطنية حادبة على إنجاحها بشكلٍ شفاف لا فساد فيه ولا محاباة. وشراكة العملية الإنتاجية/الاقتصادية المتوازنة (العمل/العمال + رأس المال/روَّاد الأعمال + التنظيم/الطبقة الوسطى + الأرض/شريحة الدولة = الأنتاج القومي/الاقتصاد القومي في شكله الكلي) لا أحقاد طبقاتها (كما كان سائداً أيام الحرب الباردة) التي نطرحها منذ وقتٍ طويل تُتِيحُ ذلك. ولكن أخلاقياً لا نسمح أن يكون شركاؤنا في العملية الاقتصادية من أعداءِ ثورتنا وقتلة أبنائنا ومغتصبي حرائرنا وأحرارنا وسارقي أقواتنا يا رعاك الله.

وإذا كنت لا مُحالةَ فاعلاً من واقع ما يبدو عندك من عقلية تصالحية (Accomodationist Mentality)، أو ما يبدو عندك من عملانيتِك الجارِحة وبرود أعصابك الفاقع للمرارة، فالتطرح وجهة نظرك بقوة وشفافية في إطار “مشروعك الوطني” لصنَّاع الثورة؛ قَبِلوه أو رَدُّوه. لماذا لا تقدم ورقة للمؤتمر الاقتصادي – السراب، وتطرح فيها رؤيتك للمشروع الوطني الذي تنادي به (إن كان بالفعل لك مشروع وطني)، وتعرِّف النَّاس عليه وعليكَ كما فعل مانديلا والروانديون وغيرهم؛ وكثيرٌ من النَّاس يشاركك ذات الرؤى.

3/ لم يتوقف انحيازك لمعسكر الليبراليين الجدد والعسكوطفيليات ودعاة الهبوط الناعم المدعوم من الغرب ودول الجوار عند جعلِهم ذراع حكومتك اليمين في إطار “محفظة السلع الاستراتيجية” قاصمة ظهر الفقراء، أو عند سكوتك عن إرجاع المشاريع المخصخصة تمكيناً لصالح أعضاء النظام المتساقط والمتوالين معه، أو عند امتناعك عن إلغاء الإعفاءات الضريبية والجمركية والرسوم الأُخرى والزكاة وأخذها بأثر رجعي من آلاف الشركات الإنقاذية وأخواتها حتى الآن، أو عند غض طرفك عن عبث العسكوطفيليات التي تسيطر على موارد الدولة المدِرَّة للعملات الصعبة والمحلية وتديرها خارج الموازنة العامة؛ ولكن يتجلَّى ذلك يوماً بعد يوم في تمكين المُمَكنين، وفي التنازلات التي تقدمها للعسكر على حساب الدولة المدنية في لا ضرورة، وفي تبنِّي أفكار دعاة الهبوط الناعم الساعين لحماية مصالحهم المتشابكة مع مصالح الفلول على حساب مصالح أسر الشهداء والمفقودين والجرحي وكل الثوار.

بل قد وصل صنيعك هذا مرحلة إقالة وزير الصحة الذي يُمثِّل المثقف العضوي الأكثر وقوفاً مع مصالح فقراء الثورة السودانية (العلاج المجاني والدواء المجاني والمدعوم) ضد مافيا المستشفيات الخاصة ومافيا الأدوية. بل في الحقيقة أنت ووزراء المحاصصات الضِّعاف تغيرون منه لأنَّه يفضح أداءكم الباهت المتهافت، وتحسدونه وتحسده شرائح رأس المال التقليدية والليبراليون الجدد، أن يُجيَّرَ أداءه الناصع وصنيعه الرفيع هذا لصالح الحزب الغريم بزعمكم.

خاتمة

1/ نريد معرفة رأيكم بين أن نُعيد د. أكرم على التوم وزيراً للصحة الاتحادية حال انعقاد المجلس التشريعي، وبين أن يكون د. أكرم هو مرشح الشباب لمجلس الوزراء في الانتخابات القادمة إن سمحت الوثيقة الدستورية.

2/ على الثائرات والثوار في لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين: نصيحتي لكم أن تتحركوا سريعاً لحماية ثورتكم من سارقي الفترات الانتقالية

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.