ما أسباب فشل الاقتصاد السوداني؟
تضخم بمستوى غير مسبوق، غلاء جنوني في الأسعار، تغيير حكومي جديد لمحاولة احتواء الأزمة، ثم تضخم مرة أخرى. صارت هذه التراتبية معتادة في الحياة اليومية للمواطن السوداني الذي يعيش في ظل دولة لا تبدو أنها تملك أي برنامج اقتصادي حقيقي ينتشل الدولة من دوامة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بها منذ التسعينيات. تفاقمت الأزمة مؤخرا، مع السياسات الاقتصادية الجديدة للنظام السوداني، وهي السياسات التي دفعت المواطنة هدى عثمان إلى الاستقالة من عملها، قائلة بأنها “تتقاضى 1500 جنيها فقط (ما يوازي 30 دولارا حاليا) شهريا، لإعالة أسرتها، ولكن بعد الغلاء أصبح هذا المبلغ أقل من أن يغطي أي شيء، ولا يكاد يكفي لدفع الإيجار الشهري لمنزل متواضع
أمام التردي الاقتصادي الحاصل، لم يجد المواطن السوداني مخرجا سوى خفض عدد الوجبات اليومية، أو محاولة شراء السلع الغذائية في السوق السوداء، بلا جدوى. عبد الوهاب أحمد، واحد من مئات العمال في مصنع للطوب في حي الجريف بالخرطوم، لم يستطع بدوره أن يتحاشى آثار الأزمة الاقتصادية على حياته، ويقول: “بعض الناس لا يستطيعون إرسال أطفالهم إلى المدرسة، وبعضنا يأكل وجبة واحدة في اليوم”[2]. فما السياسات الاقتصادية الجديدة للنظام السوداني التي تسبّبت في هذا الغلاء غير المسبوق؟ وكيف يمكننا تفسير توجه النظام السوداني نحو الانفتاح الاقتصادي مع العالم وهو يعيش في الوقت ذاته تحت سقف العقوبات الأميركية المفروضة عليه؟ تعود بداية مسلسل العقوبات الأميركية على السودان إلى العام 1993م عندما أدرجت الولايات المتحدة الأميركية السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بسبب استضافتها لزعيم تنظيم القاعدة حينذاك أسامة بن لادن. ورغم أن ابن لادن غادر السودان عام 1996م، فإن العقوبات استمرت ضد نظام البشير، بل وأعلنت الخارجية الأميركية في العام ذاته توقف العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم، ثم أوقفت عمل سفارتها بالكلية
لكن حتى الآن ما زال المواطن السوداني يتقلّب بين نيران التضخم وزيادة الأسعار وسوء الأحوال المعيشية، ولم يتم تحقيق شيء واقعي بخصوص رفع العقوبات، وهو الأمر الذي يؤكّده حامد التيجاني، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، قائلا بأن “المنافع المتوقعة من رفع العقوبات لم يتحقق منها شيء حتى الآن”[6]. فهل تستخدم الولايات المتحدة ورقة العقوبات للضغط على النظام السوداني من أجل تحقيق مزيد من “الإصلاحات”؟! وهل يمكن قراءة توصيات صندوق النقد الدولي كشروط لضمان رفع العقوبات فعليا عن السودان؟!
“حان الأوان لأن ُنراجع أنفسنا ونقول أخطأنا، لا سيما وأننا نعرف ضعفنا ولا نقدر على مناطحة أميركا.. إنه لا مانع لدينا في الانبطاح لأميركا!”