مبادرات على الطاولة في السودان وسط انقسام سياسي .. ما هي؟
3 سنوات مرَّت منذ إعلان الجيش السوداني في 11 أبريل 2019 عزل الرئيس السابق عمر البشير، وتشكيل مجلس عسكري استمرَّ في الحكم نحو 5 أشهر قبل أن يتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع الأحزاب السياسية.
لكن هذه الشراكة انتهت في 25 أكتوبر الماضي مع إعلان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان عدداً من الإجراءات من ضمنها حلُّ المجلس السيادي، وإعفاء الحكومة، مستثنياً الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام في أكتوبر 2020 من هذه الإجراءات.
ومنذ ذلك الحين شهدت البلادُ موجة احتجاجات قوية وصدامات بين القوات الأمنية والمتظاهرين، وعدداً من المبادرات السياسية المتعاقبة التي تسعى جميعها إلى إيجاد حل للأزمة السياسية، واستئناف المرحلة الانتقالية
وأبرز هذه المبادرات هي الاتفاق السياسي الذي عاد بموجبه رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك إلى السلطة في 21 نوفمبر 2021، لكنه لم يدم طويلاً، إذ استقال حمدوك مطلع يناير الماضي بعد تعثر جهوده لتشكيل الحكومة.
مبادرة الجبهة الثورية
ومؤخراً أعلنت الجبهة الثورية عن مبادرتها الخاصة التي يقوم عضو المجلس السيادي الهادي إدريس بتقديمها لعدد من الأطراف السياسية.
وكشف عضو المجلس الرئاسي للجبهة مصطفى تمبور في تصريحات لـ”الشرق”، أن المبادرة تستهدف جميع الأطراف.
وأوضح أنها ستكون على مرحلتين الأولى تشمل المكون العسكري، وقوى الحرية والتغيير بكل فصائلها، وأطراف السلام، فيما تشمل الثانية باقي الأحزاب والإدارات الأهلية، والطرق الصوفية، والطوائف المسيحية وغيرها من الفاعلين السياسيين في البلاد.
وأشار إلى أن المبادرة تهدف لتقسيم هياكل السلطة في البلاد إلى مجلس سيادة، ومجلس أمن ودفاع، وحكومة تنفيذية، ومجلس تشريعي.
ولفت إلى أن مجلس السيادة سيتم تقليصه لكن عدد أعضائه ورئاسته سيحدَّدان من خلال جلسات الحوار، فيما يضم مجلس الأمن والدفاع القائد العام للجيش ورئيس أركانه، وقائد الدعم السريع، ومدير جهاز المخابرات العامة، إلى جانب رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والدفاع والحكم الاتحادي، إضافة إلى ممثلي الحركات المسلحة الموقعين على اتفاقية جوبا.
وأشار إلى أنه بينما تتولَّى الحكومة الشؤون التنفيذية، فإن المبادرة تنص على تشكيل مجلس تشريعي، يضم 300 مقعد، منها 100 للجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات، و75 لأطراف السلام، فيما تقسم البقية على الأطراف السياسية، لافتاً إلى أن العدد الكلي متروك للحوار.
وربط تمبور المضي في الحوار بتنفيذ عدد من الإجراءات منها رفع حالة الطوارئ فوراً، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين تم التحفظ عليهم بعد إجراءات 25 أكتوبر، وإطلاق الحريات لتهيئة المناخ للحوار، حسب تعبيره.
والجبهة الثورية هي تحالف لمجموعة من الفصائل المسلحة التي حاربت ضد نظام البشير لسنوات. وتضم اليوم عدداً من الفصائل أبرزها 3 مجموعات حاصلة على مقاعد في المجلس السيادي، وهي الحركة الشعبية قطاع الشمال، وتجمع قوى تحرير السودان، وحركة تحرير السودان(المجلس الانتقالي).
كما تضم الجبهة حركتي العدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم الذي كان يشغل منصب وزير المالية في آخر حكومة قبل إجراءات الجيش، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي الذي يشغل منصب حاكم إقليم دارفور.
لجان المقاومة ورفض الحوار
وتتفاوت مواقف القوى السياسية من هذه المبادرات فلجان المقاومة التي برز اسمها خلال الأشهر الماضية من خلال تنظيم المظاهرات في العاصمة السودانية وعدد من المدن، تشدد على تمسكها برفض أي حوار مع من تطلق عليهم “الانقلابيين”، وتؤكد أنها ماضية في مطالبها.
وبشأن مبادرة الجبهة الثورية للتسوية السياسية قال المتحدِّثُ باسم لجانِ مقاومة مدينة الخرطوم عمر زهران في حديثه لـ”الشرق”، إن لجان المقاومة ما زالت عند موقفها من اللاءات الثلاث “لا تفاوض، لا حوار، لا شراكة”.
وأضاف زهران أن “الجبهة الثورية جزء من النظام القائم، وبالتالي إلى حين اتخاذها موقفاً مغايراً، لا يمكن قبول مبادرة منها، وشعار اللاءات الثلاث ينسحب على الجبهة كذلك”، على حد تعبيره.
وأكد أن اللجان كان موقفهاً موحداً بشأن الحوار وإن اختار بعضها الجلوس مع المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس لنقل وجهة نظرهم، فيما رفض آخرون الجلوس معه.
وذكر زهران أن “تحركات فولكر تفضي في النهاية إلى حوار، وهو مرفوض من جانبنا”.
وحذَّر القيادي في الحرية والتغيير مما وصفه بأزمتين مهددتين للبلاد، هما التدهور الاقتصادي والتوتر الأمني، مشيراً إلى أن تدهور الاقتصاد وصل إلى مرحلة غير مسبوقة، فضلاً عن التوتر الأمني في الخرطوم، ودارفور وعدد من مناطق البلاد.
وكشف أن الحرية والتغيير تسعى لبناء جبهة عريضة مع من وصفها بـ”القوى الثورية”، للمضي في التوافق على صيغة لإدارة فترة انتقالية تستمر بين عام ونصف إلى عامين.
وعن احتمال الحوار مع الجيش قال المهدي، إن السبيل الوحيد لذلك هو أن تعقد محادثات “مع من يقتنع من العسكريين بإنهاء الانقلاب”، لكن في ظل عدم تحقق ذلك لا يمكن أن يجري أي نوع من الحوار، على حد تعبيره.
وبالنسبة لمبادرة الجبهة الثورية، اعتبر القيادي في الحرية والتغيير أن “الجبهة حالياً تتخذ موقفاً حمَّال أوجه، إذ هي شريكة في الحرية والتغيير، وتشارك العسكريين في السلطة، وبالتالي هذا الموقف الملتبس يخلق تعقيدات في التعامل معها”.
وأضاف أن المكتب التنفيذي للحرية والتغيير تسلَّم المبادرة على الرغم من ذلك، ويعكف الآن على مناقشتها للرد عليها بشكل مناسب.
حوار شامل
أمَّا المتحدث باسم مجموعة الحرية والتغيير “التوافق الوطني”، محمد زكريا، فيقول إنهم لا يعترضون على مبدأ المبادرة، لكنها لم تقدم إليهم بعد بصورة رسمية من الجبهة الثورية.
ويبدي زكريا تحفظ “التوافق الوطني” على المؤتمر الذي جرى فيه إقرار المبادرة، لافتاً إلى أنهم تجاوزوا هذه النقطة من أجل الوصول إلى حوار شامل بين جميع الأطراف.
وأضاف أنه يجب الابتعاد عن الإقصاء وأن جميع الأطراف السياسية يجب أن تجلس إلى الطاولة للوصول إلى حل سياسي.
وكانت المجموعة دعت في بيان إلى توجيه الجهود لدمج جميع مبادرات الحوار في مبادرة واحدة.
ورفضت حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور مبادرة الجبهة الثورية، معتبرة أن الجبهة “دعمت الانقلاب”.
وقال الناطق باسم الحركة محمد الناير لـ”الشرق”: “مطلبنا الانتقال لحكومة مدنية ثم بدء حوار لا يستثني أحداً ماعدا الشخصيات العسكرية التي قامت بالانقلاب”، على حد تعبيره.
وكانت الحركة تقدمت منذ أشهر بمبادرتها داعية إلى ضرورة إجراء حوار سوداني – سوداني، لكن ذلك كان قبل 25 أكتوبر.
وكشف الناير أن الحركة خطت خطوات في مبادرتها التي أعلنت أنها تستهدف الجميع عدا المؤتمر الوطني، مشدداً على أن حركته لا تدعو لاستخدام السلاح في التغيير وأنها تدعم العمل السلمي وتكوين منصة أو قيادة للعمل السياسي.
والحركة التي يقودها عبد الواحد محمد نور واحدة من حركتين مسلحتين بارزتين رفضتا الانضمام لاتفاق السلام جوبا في 2020.