ما المغريات التي قدمها محمد بن سلمان لعودة الشركات إلى السعودية؟
بالتزامن مع مضيه قدماً في خطة التحول الاقتصادي غير المسبوقة ،وضع ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، هدفاً جديداً نُصب عينيه كبرى الشركات المدرجة في البورصة بالبلاد.
فبعد ستة أسابيع من قوله إنه يتعيّن على الكيانات الأجنبية نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة وإلّا فستخسر أعمالها، أعلن الحاكم الفعلي للمملكة الأمير محمد، الثلاثاء 30 مارس/آذار، أنه سيجري تشجيع الشركات المحلية، بدايةً من عملاقة النفط أرامكو وصولاً إلى شركة منتجات الألبان المراعي، على تقليل أرباحها وإعادة توجيهها إلى الاقتصاد، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
الدعم مقابل الشراكة
إذ قال طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لإدارة الشرق الأوسط في Nomura Asset Management: “شهدنا الحكومة وهي تستخدم العصا لجذب المستثمرين الأجانب إلى السعودية، وهي الآن تستخدم السياسة نفسها مع المستثمرين المحليين. لست من أنصار التدخل الحكومي في القطاع الخاص، لكن السعودية ليس لديها كثير من الخيارات لتحفيز تلك الشركات. وبالتالي فإن الشراكة بهذه الطريقة ربما تُساعد في تشجيع مزيد من الاستثمار”.
والمخاطر مرتفعةٌ هنا. إذ تنص رؤية ولي العهد على إنفاق القطاعين العام والخاص، بشكلٍ مشترك، لـ27 تريليون ريال (أي سبعة تريليونات دولار) على مدار السنوات الـ10 المُقبلة، في محاولةٍ لتنويع الاقتصاد الذي مثّل النفط 54% من عائداته العام الماضي. ويأتي كل ذلك في وقتٍ وصل فيه الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أدنى مستوياته، بينما تضخّم عجز الميزانية، إبان معاناة الشعب من تداعيات تراجع أسعار النفط الخام، العام الماضي، نتيجة جائحة كوفيد-19.
ووافقت 24 شركة، من بينها سابك والمراعي والاتصالات السعودية والشركة الوطنية السعودية للنقل البحري، على الانضمام إلى الخطة واستثمار خمسة تريليونات ريال (1.33 تريليون دولار) في الاقتصاد المحلي، وفقاً للأمير محمد. وأوضح الأمير أن تلك الشركات ستحصل على دعم حكومي وسيكون بإمكانها الضغط من أجل تغيير الأنظمة واللوائح. ولم تعلق أي من الشركات التي ذكرها، بعد، على حجم الأموال التي يُمكن أن تستثمرها في الخطة.
ونظراً إلى عدم الإفصاح عن خطط الإنفاق، ربما يجد المستثمرون صعوبةً في تحديد ما إذا كان هذا التدخل الحكومي في قرارات الشركات سيخلق أي قيمةٍ حقيقية بالنهاية.
إذ قال حسنين مالك، رئيس قسم الأبحاث في Tellimer بدبي: “يُؤدي الإنفاق الرأسمالي إلى زيادة معدلات النمو على المدى البعيد في حال كان يتعلق بالمشروعات الإنتاجية التي تخلق قيمةً ووظائف، ولم يتضح بعدُ ما إذا كانت وعود الامتيازات والإعانات ستجعل الاستثمارات غير النفطية مُقنعةً لهذه الشركات بشكلٍ يختلف عن ذي قبل. وتكمُن المشكلة في أن عدم التحرك ليس خياراً هنا بالنظر إلى الضغوطات الديمغرافية لخلق فرص عمل، واستنفاد عائدات النفط”.
كيف يرى المستثمرون القصة؟
وربما يكون عدم التحرك هو المشكلة التي يحاول الأمير محمد حلها هنا. إذ تمثل الرهونات العقارية السبب الرئيسي في نمو قروض البنوك السعودية للقطاع الخاص، ويأتي هذا على الأرجح نتيجة قلة الإنفاق الاستثماري الحكومي على مشروعات البنية التحتية الجديدة وتباطؤ النمو الاقتصادي. كما أن توزيع أرباح الشركات السعودية ينخفض بالفعل.
وقد استقبل المستثمرون الإعلان، بشكلٍ إيجابي، يوم الأربعاء 31 مارس/آذار. إذ ارتفع مؤشر تداول السعودي بـ2.8%، فيما ارتفعت أسهم أرامكو بـ2.7%.
وقالت السعودية في فبراير/شباط، إنها ستتوقف عن العمل مع الشركات التي ليست لها مقار إقليمية في المملكة. وكان الغرض من الإعلان هو الحد من “التسريب الاقتصادي”، وزيادة فرص العمل الجديدة. إذ لطالما كانت المملكة تحصل على خدمات المستشارين والاستشاريين المقيمين في دبي أو البحرين المجاورتين، حيث يستمتع الأجانب بأسلوب معيشةٍ أكثر سهولة.
والاستثمار الأجنبي المباشر متأخرٌ للغاية عن الأهداف الحكومية. إذ قال الأمير محمد إنه يرغب في أن يتجاوز ذلك الاستثمار حاجز الـ500 مليار دولار خلال العقد المقبل. وقد ارتفع، العام الماضي، بنسبة 20% ليصل إلى 5.5 مليار دولار، أي إنه أقل من أهداف المملكة ولكنه أعلى من معدلات التراجع العالمية.
لكن هدف الخمسة تريليونات ريال من الشركات المحلية يتخطى بكثيرٍ ما يتصور بن سلمان أنه سيأتي من المستثمرين الأجانب.
إذ قال للمراسلين: “لدينا 90% من مبلغ الـ27 تريليون دولار نضمنه نحن السعوديين، حكومةً وقطاعاً خاصاً، وشعباً. وسنحصل على أقل من 10% من الاستثمارات الأجنبية، سواءً عبر المستثمرين الإقليميين- خاصةً في الخليج- أو المستثمرين من مختلف أنحاء العالم شرقاً وغرباً”.
ومع ذلك فإن الوتيرة المتباطئة للاستثمارات الأجنبية قد تفسر الرغبة في إقناع الشركات المحلية بالإسهام أكثر في الاقتصاد، وفقاً جان فرانسوا سيزنيك، زميل مؤسسة Atlantic Council of Washington: “المملكة تخشى أن الشركات الأجنبية لن تكون على عجلةٍ من أمرها في الاستثمار داخل السعودية. وعليهم أن يقللوا اعتماد إنفاقهم على الدخل النفطي. كيف ستفعل ذلك إذا لم يأتِ المستثمرون الأجانب؟ أحد الحلول هو تشجيع القطاع الخاص المحلي على تقديم المزيد”.