ميناء أبو عمامة.. عقب التوقيع التحفظات والمخاوف


يعد الاتفاق المبدئي الذي تم التوقيع عليه لبناء وتشغيل ميناء أبو عمامة والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر من أكبر الاستثمارات حيث يكلف من المال ما يبلغ ستة مليارات دولار، قوبل بالتأييد والترحيب من قبل خبراء اقتصاديين، بيد أن ذلك لم يخلُ من التحفظات والمخاوف وأسئلة مشروعة أثارها البعض منهم، وكان الاتفاق وقع بين حكومة السودان ومجموعة أبو ظبي للموانئ وإنفيكتوس للاستثمار لبناء وتشغيل ميناء أبو عمامة والمنطقة الاقتصادية على البحر وسيشمل المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلو متر (124 ميل) شمال بورتسودان، وتعتبر منطقة اقتصادية ومطار ومنطقة زراعية بمساحة 400 ألف فدان، وأمن الجانبان خلال مراسم التوقيع على أن طريقاً بطول 450 كيلو متر سيربط ميناء أبو عمامة بمنطقة أبو حمد الزراعية بولاية نهر النيل السودانية.
يرأس شركة إنفيكتوس للاستثمار أسامة داود عبد اللطيف، ورئيس مجلس إدارة شركة السودانية، الذي سبق أن وصف الميناء بأنه مشروع مشترك بين مجموعة دال وشركة (أ. دي بورتس) موانئ أبوظبي المملوكة لشركة أبوظبي القابضة، وقال عبد اللطيف وفق رويترز إن الميناء سيكون قادراً على التعامل مع جميع أنواع السلع وسينافس الميناء الوطني الرئيس في البلاد بورتسودان.
إمكانيات السودان
المحلل الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي قال إن السودان يمتلك موانئ عديدة وكبيرة وعريقة يمكن تطويرها لزيادة الصادر والوارد ويمكن وضع خطط لبناء موانئ جديدة متخصصة وفق رؤية استراتيجية شاملة من أهل الاختصاص وأهل المصلحة في شرق السودان لاتخاذ القرار المناسب، ودعا إلى ضرورة حمایة المصالح الوطنية وحفظ حقوق السودان الحالية والمستقبلية من هذه الاستثمارات إلى جانب خدمة التجارة السودانیة الصادرات والواردات، وأكد على أهمية الاستفادة من موقع السودان التجاري الاستراتيجي المتوسط لسواحل البحر الأحمر ومناطق البحر الأحمر، مشيراً إلى أن أي استثمار في أي من مناطق السودان سيسهم بشكل مباشر في تحسین الأوضاع المعيشية وتقليل نسبة البطالة بالبلاد، لافتاً إلى أن التجارة الوطنية بحاجة للطريق المقترح الرابط بین أبو حمد وشمال بورتسودان لإحياء المناطق الواقعة على مسار الطريق، ونبه إلى أن تستغيل الموانئ السودانية خير استغلال كمنافذ لتجارة الدول المغلقة مثل تشاد وأفریقیا الوسطى وجنوب السودان وإثیوبیا، إضافة إلى تطویر الموانئ الوطنية العاملة الآن مع تنافس الموانئ السودانية في المنطقة على التجارة البحریة العالمية، وحث على ضرورة الاستفادة من إمكانيات السودان الاستراتيجية على البحر الأحمر.
مهم ومفيد
الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عبد العزيز رحب بالتوقيع ووفق رأيه أنه مهم ومفيد للاقتصاد السوداني، َوأشار إلى أن الساحل السوداني الذي يتجاوز طوله 700 كيلومتر يمكنه استيعاب أكثر من عشرة موانئ كبرى لا تعمل في خدمة السودان فحسب، بل لكل الدول المغلقة المجاورة، إثيوبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد وما بعدها من بلدان، وأضاف قائلاً: هذا فضلاً عن أنه من المعلوم أن بلادنا تحتاج للاستثمار سواء أن كان هذا الاستثمار وطنياً أم أجنبياً، وذلك لأن مواردنا الطبيعية غير المستغلة هائلة جداً، وأبان أن الفوائض في الميزانية والمعونة الإنمائية الرسمية غير كافية لاستغلال هذه الموارد، وبالتالي لا يوجد حل إلا بالاستثمار المباشر، وبالذات الاستثمار الأجنبي المباشر، واستند على دراسات توضح أن الاقتصاد السوداني في المرحلة الحالية في حاجة لاستثمار ما يعادل 30% من ناتجه المحلي الإجمالي لمدة عشرة أعوام لتحقيق هدف تخطي خط الفقر لعدد 50% من السكان، وهو الخط الذي يحتسب على أساس أن من دخله أقل من دولار في اليوم فهو في فقر مدقع، وأقل من دولارين في اليوم فهو فقير، وبما أن ناتجنا المحلي الإجمالي للعام 2021 وفقاً لإحصاءات البنك الدولي كان بقيمة 35 مليار دولار فإننا نحتاج لاستثمارات خارجية تبلغ حوالي 10.5 مليار دولار سنوياً لمدة عشرة أعوام، وأضاف عبد العزيز أن توجيه هذا الاستثمار الإماراتي وغيره من الاستثمارات لما يفيد الاقتصاد بطريقة مؤكدة هو مهمة الوزارات والأجهزة المسؤولة مثل وزارة الاستثمار ووزارة الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية والطرق والبنية التحتية والأمن الاقتصادي، هذا وفقاً للمخطط الاستراتيجي للبلاد، الخارطة الاستثمارية المعدة مسبقاً.
الخطط الاقتصادية
وأكدت رئيس قسم الاقتصاد بجامعة السودان العالمية د. ماجدة مصطفى، ضرورة تطوير استراتيجيات مشتركة طويلة المدى من 10 إلى 15 عاماً للموانئ البحرية باعتبارها من الخطط الاقتصادية عالية الأهمية للدول وللمستثمرين (العقاريين) ورجال الأعمال لما لها من عظيم التأثير الاقتصادي والمجتمعي وتحسين إمكانية الوصول المستدام وضمان نقل فعال (منخفض التكلفة) من وإلى الميناء البحري، ودعت إلى تطوير شبكات الطرق والبنية التحتية للسكك الحديدية والممرات المائية الداخلية بطريقة مستمرة من أجل الحفاظ على تنافسية تكاليف النقل والخدمات اللوجستية.
سند وخصم
كما نبه المستشار الاقتصادي بوزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية دكتور أبوبكر التيجاني الحاج محمد، والخبير السابق في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بعدم إنشاء ميناء على حساب الميناء الوطني واشترط أن يكون سنداً له لا خصماً عليه وأن لا ينافسه في زبائنه التقليديين بمغريات غير جودة الخدمات، أو أن يكون من ضمن شروط العقد أن يهتم المستثمرون بتأهيل ميناء بورتسودان قبل إنشاء هذا الميناء حتى لا يكون خصماً عليه.
المكاسب والمخاطر
ورحب الخبير المصرفي دكتور لؤي عبدالمنعم، بالمستثمرين الأجانب خاصة في قطاع النقل والموانئ لما له من أهمية استراتيجية خاصة بعد الانفتاح الكبير في العلاقات الخارجية الذي يشهده السودان عقب الثورة، وأشار إلى غياب المجلس الوطني الانتقالي الذي يصادق على الاتفاقيات المهمة مع الجهات الخارجية، ودعا وزارة المالية والوزارات المعنية بالاستثمار والتجارة والنقل قبل توقيع أي اتفاق نهائي والشروع في التنفيذ تنظيم مؤتمر صحفي تنويري بعد التوقيع على الاتفاق المبدئي يتم الإعلان فيه بشفافية ووضوح عن الملامح المهمة للاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه مع المستثمرين مع إتاحة الوصول لبنود الاتفاق للخبراء والدعوة عبره لإقامة ورشة لمناقشة التفاصيل برعاية وزارة المالية ومشاركة المختصين وأصحاب المصلحة من خارج الوزارات المعنية، وقال: على أن يتم في الورشة عرض المشروع بكل شفافية من ناحية المكاسب والاشتراطات والمخاطر للطرفين، وأشار إلى عدم التوافق على رئيس الوزراء، ووفق تقديره كان الأنسب أن يتم تأجيل التوقيع المبدئي لحين تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن تم توقيع الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الجاري.
شروط معينة
ورحب المستشار فى مجال النقل مهندس، هاشم ابن عوف سليمان، بكل المشاريع بالساحل السوداني التطويرية والجديدة منها، بما يتوافق مع خطة الخارطة الشاملة والدراسات المصدق عليها، وطرح أسئلة كيف سيكون من صالح الدولة منافسة الميناء القومي ببورتسودان كما جاء على لسان السيد أسامة داوود في المقابلة في رويترز يونيو من هذا العام بقوله: سيكون قادراً على التعامل مع كل أنواع السلع ومنافسة الميناء الرئيس في البلاد بورتسودان، أوليس حريّاً أن نبني تخصصية الموانئ على التكاملية وليست التنافسية، وكيف تمت معالجة الإخلال الظاهر بالاتفاق المعقود عام 2011 مع إحدى شركات الصين الوطنية التي استثمرت في ميناء الشيخ إبراهيم حيث أن العقد يثبت امتيازاً لمدة ثلاثين عاماً لصادر اللحوم والخضر والفواكه، وقال: ذلك يتعارض في الظاهر مع ما جاء على لسان الشريك المحلي أسامة داوود بأن الميناء سيكون متخصصاً في مناولة المنتجات الزراعية على السودان التزامات دولية مفروضة كدولة مطلة على البحر الأحمر فيما يتعلق بإنشاء وتشغيل المواني حسب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وعليه يجب على السودان أن يستوفي شروطاً معينة لينال مقترح ميناء جديد الرخص اللازمة لاستقبال أو تصدير أي شحنة من هذا الميناء وهل تم الإعداد لدراسة تبريرية لإنشاء رصيف مينائي بالرغم من وجود 27 رصيف صالحة دون بلوغ ربع كفاءتها التشغيلية؟ أليس حريّاً أن يتم سد الاحتياجات الحالية ورفع الكفاءة وإدخالها ضمن خطة أكبر؟ وأشار إلى تكوين لجنة عليا بناءً على طلب مجموعة دال مشاركة مجموعة موانئ أبوظبي في إنشاء ميناء أبو عمامة.
وتتكون اللجنة العليا برئاسة الفريق إبراهيم جابر – وزير المالية – وزير العدل – وزير الزراعة – وزير النقل – وزير الاستثمار – مدير عام الأمن والاستخبارات – مدير القوات البحرية – مدير هيئة الموانئ البحرية – ممثل الهيئة العامة للبيئة – والي ولاية البحر الأحمر ووالي ولاية نهر النيل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.