هل عودة الميرغني تسهم في حل مشاكل البلاد

شهد استقبال الزعيم السياسي والديني بعض الملابسات والتوترات بسبب منع السلطات وصول ابنه محمد إلى الطائرة بناءً على طلب والده
بعد غياب لأكثر من 10 سنوات أمضاها في منفاه الاختياري بالقاهرة متنقلاً بينها والعاصمة البريطانية لندن عاد للخرطوم عصر الإثنين 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، محمد عثمان الميرغني، أبرز الزعماء السياسيين السودانيين مرشد طائفة الختمية الدينية وزعيم “الحزب الاتحادي الديمقراطي” وسط حشود كبيرة توافدت إلى استقباله بمطار الخرطوم من مختلف أنحاء السودان.

الخلاف وغضب الزعيم

تزامنت عودة زعيم “الحزب الاتحادي الديمقراطي”، ثاني أكبر الأحزاب السودانية، مع افتراضات اقتراب الأزمة السياسية السودانية إلى نهاياتها، بالتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تضع حداً لحالة الجمود والاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، تفاقمت معه الأوضاع بعد انقلاب قائد الجيش في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. واصطف الآلاف من المؤيدين والعشرات من المركبات العامة والخاصة، قادمة من ولايات عدة تحمل المناصرين والمريدين لاستقبال الزعيم الروحي لطائفة الختمية و”الحزب الاتحادي الديمقراطي”.

وفيما يبدو أن غضب الزعيم على توقيع ابنه محمد الحسن الميرغني على وثيقة دستور نقابة المحامين لم ينته بإبعاده عن خلافته في قيادة الحزب، شهد استقبال الزعيم السياسي والديني بعض الملابسات والتوترات، بسبب منع السلطات وصول ابنه محمد إلى مكان الاستقبال بالقرب من الطائرة، بناءً على طلب والده.

وبحسب مصادر قريبة من الحدث ووسائل إعلام محلية، فإن الميرغني اشترط للنزول من الطائرة، مغادرة نجله (الحسن) مبنى المطار، مع إبعاد أي مظاهر عسكرية عن مراسم استقباله، لينزل بعد الاستجابة لطلبه، ويلوح لأنصاره المحتشدين داخل المطار وخارجه، ليغادر بعدها موكبه إلى دار أبو جلابية (مقر الطائفة) في وسط الخرطوم. وكاد اشتباك أن يقع بين حرس محمد الحسن الميرغني ومطالبيه بمغادرة المطار نزولاً عند رغبة والده زعيم الحزب، وفق ما أظهرته مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي.

تضارب وخلاف

وقلل القيادي في الحزب الاتحادي سيد هارون من حجم الخلافات داخل الحزب، منوهاً بأن عودة الميرغني من الطبيعي أن تنهي ما وصفه بـ”الخلاف (النظري) بين طرفي الحزب (جعفر والحسن)”، لافتاً إلى أن الحشود الجماهيرية التي شهدها الاستقبال ستشكل نوعاً من حالة التوافق ونسيان الخلافات والانقسام تجاه القضية الوطنية.

وتوقع مراقبون أن تؤثر عودة زعيم الاتحادي بشكل كبير في المشهد السياسي، وأن تعجل بالتوافق الوطني، على رغم أن الحزب كان قد انشق في مواقفه التحالفية في الآونة الأخيرة. فبينما اختار الميرغني الابن جعفر الصادق جانب شق الحرية والتغيير (التوافق الوطن) الذي يضم حركات السلام وقيادات وزعامات أهلية أخرى، ترفض التسوية السياسية على أساس الاتفاق الإطاري الذي يعتزم المجلس المركزي توقيعه مع المكون العسكري على خلفية مسودة دستور نقابة المحامين، يؤيد شقيقه الحسن الميرغني مشروع الدستور المقترح، ووقع بالفعل على الوثيقة، الأمر الذي دفع بالميرغني الأب إلى إعلان تبرؤ الحزب، من توقيع الحسن محمد عثمان الميرغني، على وثيقة دستور المحامين، وتكليف ابنه الآخر جعفر الصادق الميرغني، نائباً له، متعهداً مواصلة عمله وضبط من سماهم “المتفلتين كافة داخل مؤسسات الحزب الاتحادي الديمقراطي”.

وكان الحزب الاتحادي قد أصدر بياناً أكد فيه دعمه القوات المسلحة ورفض الإساءة لها بوصفها الضامن لوحدة البلاد واستقرارها، وأن القرارات المتعجلة والسعي إلى إنضاج الحلول قبل أوانها قد يؤديان إلى تعقيد المشهد السوداني، الأمر الذي يقوده إلى الاتجاه الخاطئ. وأعلن رفضه الإملاءات والتدخلات الخارجية، وتضامنه مع أسر الضحايا والمصابين والمفقودين والمتضررين في شأن الحقوق والعادلة.

تقارب وتعقيدات

وفي الشأن ذاته، ذكر محللون ومراقبون، باتفاق بين الحزبين الكبيرين “الأمة القومي” و”الاتحادي الديمقراطي”، تم في حديقة علي الميرغني بالخرطوم، خلال الأشهر الماضية، “بما يوحي إلى احتمال تجدد تحالفاتهما التاريخية ضمن جهود إنهاء الأزمة السياسية واستعادة الانتقال المدني”.

ورحب الحزبان في بيانهما عقب الاجتماع، بالتزام المؤسسة العسكرية، بأن يكون الجيش قومياً ومهنياً ملتزماً بأداء مهامه وواجباته الوطنية وفق الدستور والقانون، كما اتفقا على “أهمية تحديد أجل ومهام الفترة الانتقالية على ألا تتجاوز العامين، وتنتهي بانتخابات حرة ونزيهة”.

وذهب محللون ومراقبون إلى أنه في حالة نجاح قيام تحالف بين حزبي “الأمة القومي” و”الاتحادي الديمقراطي”، “ربما يخلخل موازين القوى الراهنة، ويشكل في الوقت نفسه دفعاً جديداً وتسريعاً لخطوات حل للأزمة السياسية الراهنة”.

وأوضح الأكاديمي والباحث السياسي حسن مصطفى الأمين أن “الحزب الاتحادي الديمقراطي لا يمكنه بأي حال تجاوز عنفوان الشارع وقواه الشبابية الحديثة”، مشيراً إلى أن “النفوذ التاريخي الطائفي للحزب الاتحادي الديمقراطي لن يكون ذا قيمة ما لم يكسب الحزب تعاطف الشارع السوداني الثوري الجديد”.

لم يستبعد الأمين حدوث تقارب جديد بين الحزبين التاريخيين على خلفية بيانهما المشترك في الأشهر الماضية، عقب لقاء وفديهما في الخرطوم، الذي أشارا فيه إلى مسؤولياتهما التاريخية تجاه السودان وشعبه التي تحتم عليهما الالتقاء، وأكدا فيه ضرورة إطلاق حوار شامل ينهي الأزمة السياسية ويستعيد الانتقال المدني باستثناء المؤتمر الوطني المنحل.

الحزب والانتفاضة

وتابع، “لكن من الصعب على الحزب الاتحادي الوقوف بعيداً من قوى الانتفاضة الحية وروح التغيير التي تنظم الشارع السوداني، فالشعب لم ينس بعد أن الحزب على رغم ثقله كان مشاركاً في حكومة البشير، فذاكرة الشعب الحية، تستدعي من الحزب الاتحادي جهداً جباراً لإقناع قوى الانتفاضة بقبوله، كون الحزب شارك النظام السابق في السلطة حتى سقوطه”.

من جانبه يرجح صديق يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أن “يكون الحزب الاتحادي الديمقراطي جزءاً من التسوية السياسية الجارية مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري”.

وقال لـ”اندبندنت عربية”، “بحسب ما ينشر في الوسائط ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن حزب الميرغني سيكون مع أحزاب أخرى، منها المؤتمر الشعبي، جزءاً من التسوية السياسية”، مشدداً في الوقت نفسه على استمرار الحزب الشيوعي في معارضته للتسوية، وإصراره على إسقاط ما وصفه بـ”النظام الديكتاتوري العسكري الحالي”.

وكان ياسر عرمان القيادي في تحالف قوى “الحرية التغيير” (المجلس المركزي) رئيس “الحركة الشعبية/ شمال”، قد أعلن الترح في قوى إعلان الحرية والتغيير بعودة الميرغني.

ونفى عرمان، خلال حلقة نقاش عامة، أن تكون “الحرية والتغيير”، طرفاً في أي صراع داخل “الحزب الاتحادي الديمقراطي”، مشيراً إلى أن محمد الحسن الميرغني اتخذ الموقف الأقرب إلى الانتفاضة والتحول المدني الديمقراطي.

ويعتبر محمد عثمان الميرغني (ما يقارب 90 سنة)، أحد أبرز الزعماء السياسيين في السودان، وراعي “الحزب الاتحادي الديمقراطي” منذ عام 1968. وفي عصره، فاز الحزب الاتحادي بالمركز الثاني في الانتخابات الديمقراطية الثالثة 1986، وشكل حكومة ائتلاف مع حزب “الأمة” القومي التي أطاحها انقلاب (الجبهة الإسلامية) الذي قاده الرئيس السابق البشير عام 1989.

وشكل الميرغني في مغادرته الأولى للبلاد، “تحالف التجمع الوطني الديمقراطي”، بجناحيه العسكري والسياسي ضد نظام عمر البشير، لكنه عاد بعد مصالحة مع النظام، وشارك في حكومة النظام.

مرة أخرى، غادر الميرغني السودان مجدداً في نهاية 2010 إثر خلافات داخل حزبه، وتوجه إلى العاصمة البريطانية لندن، حيث مكث مدة قصيرة قبل أن يغادرها إلى القاهرة، ويستقر فيها طوال تلك الفترة.

ويعيش السودان أزمه سياسية مستفحلة منذ أكثر من عام، أدت إلى عدم الاستقرار السياسي خلال الفترة الحالية، نظراً إلى عدم الوصول إلى تسوية بين المدنيين والعسكريين حتى اليوم

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.