وادان.. حاضرة الصحراء التي تغالب النسيان
على أطراف هضبة وادان، تبدو آثار مدينة وادان القديمة بسورها الحجري المتهالك رغم محاولات ترميمه المتكررة، مثل منمنمة على طرف واحات النخيل المتناثرة في البطحاء.
وادان، التي تصنفها اليونسكو مع نظيراتها شنقيط وتيشيت وولاته ضمن التراث العالمي، تقع على ارتفاع 400م فوق مستوى سطح البحر وعلى بعد أكثر من 600 كم من نواكشوط، و93 كم إلى الشمال الشرقي من نظيرتها الشهيرة مدينة شنقيط.
وادان في التاريخ..
رغم شهرة شنقيط إلا أن وادان سبقتها في النشأة والازدهار، فحسب المؤرخ الموريتاني محمد المختار السعد “فقد تأسست وادان على الأرجح في حدود 536- 540/1142-1145م من قبل تلامذة القاضي عياض الذي تحمل الإحالة إليه هنا أكثر من دلالة تاريخية واجتماعية. وتتعدد الروايات بشأن التأسيس وإن كان أكثرها شيوعاً تلك التي تنسبها إلى ثلاثة حجاج هم: الحاج عثمان الأنصاري، والحاج يعقوب القرشي، والحاج علي الصنهاجي. وتضيف بعض الروايات حاجا رابعا هو عبد الرحمن الصائم”.ويوضح الدكتور السعد لموقع سكاي نيوز عربية أن “أول ذكر لوادان ورد سنة 850ه/1447م فى رسالة أحد التجار الجنْوِيِّينَ بتوات، قبل أن تذكرها الكتابات البرتغالية في القرنين 15 و16 بوصفها أقوى مركز تجاري في (بلاد الزنج).
كما ذكرها آزورارا Azurara مبينًا أنها “الوحيدة في بلاد السودان المحاطة بسور”، وقال كادا موستو Ca Da Mosto الذي زار المنطقة في 1455-1456 إنها تبعد من الشاطئ مسيرة ستة أيام لراكب الإبل، وتمارس فيها نشاطات تجارية مهمة، وسكانها من صنهاجة.. أما فالانتيه فرناندس Valantin Fernandes الذي زار المنطقة ما بين 1506-1507 فقد اعتبر وادان أهم حواضر آدرار على الإطلاق. وقدَّر باشيكو بيررا Pacheco Pereira في الفترة نفسها عدد سكان وادان بثلاثة مائة موقد، وقال إنهم من صنهاجة Azenegues وأنهم مسلمون ملتزمون بالشريعة المحمدية، وأن تجارة الذهب نشطة بها وهامة”.
يقول العلامة الواداني الطالب أحمد بن اطوير الجنة في كتابه رحلة المنى والمنة «ومن أغرب غرائب الزمان ما أخبرنا به خواص طرابلس، وعلماؤها، وأئمة جوامعها، وعوامها عن وادان، وهو أنهم لم يزالوا يسمعون، خلفا عن سلف، قديما وحديثا: «العلم واداني والتمر فزاني …». فتأملت في قلبي من أين طار علم وادان إلى طرابلس، مع بعد الشقة جدا، ففهمت أن السبب في ذلك أن وادان، في زمن قديم، العلم فيها كثير جدا، والعلماء فيها كثيرون جدا، حتى إنك لتجد أربعين دارا متوالية، في كل واحدة منها عالم، فكيف بعالمين، أو ثلاثة بينهم دار وداران، ونحو ذلك، ومن أجل ذلك أصل اشتقاق وادان: تثنية وادٍ من العلم ووادِ من النخيل».ويروي سكان وادان حتى اليوم قصصا تدل على مدى ما وصلت إليه مدينتهم في أوج ازدهارها مثل قصة مفاتيح الطالب عيدي.والقصة كما يرويها لموقع سكاي نيوز عربية حفيد الطالب عيدي محمد المختار سيد أحمد العيدي حصلت أواخر القرن التاسع عشر، فقد عاد الطالب عيدي ذات مساء من حقله على بعد سبع كيلومترات من وادان ليكتشف أنه نسي مفاتيحه هناك، فوقف على حافة الجبل ونادى أقرب مزارع وطلب منه أن يخبر المزارع الذي يليه.. وانتقل الطلب من مزارع إلى آخر حتي المزارع المجاور لحقل الطالب عيدي الذي أعطى المفاتيح لجاره وهكذا انتقلت من مزارع إلى آخر حتى وصلت صاحبها دون أن يغادر أي منهم حقله.
ظلت وادان منذ عقود تجتذب السياح خصوصا من الدارسين الذين يدرسون ظاهرة قلب الريشات الواقع على بعد 40كم من وادان، وكذلك المهتمين بما تحويه مكتباتها القديمة من مخطوطات،وقد أدى تنامي نشاط الجماعات المسلحة في المنطقة قبل سنوات من الآن إلى تراجع السياحة في المنطقة، وهو ما أثر بشكل كبير على سكان وادان الذين أصبحت السياحة أحد مصادر دخلهم.. لكن المقاربة الأمنية التي تبنتها موريتانيا والجهود الدولية للقضاء على الإرهاب مكنت من عودة الحياة لهذا النشاط، وبدأت المنطقة تشهد إقبال السياح من جديد، حيث تستعد وادان الآن لاستقبال 200 سائح أوربي وصل معظمهم إلى المدينة.