اهتمام دولي بحوار سوداني تقاطعه قوى المعارضة الرئيسية
الحوار بصيغته الحالية يوفر مخرجا سياسيا للمكون العسكري ولا يحل الأزمة.
تنبئ مقاطعة قوى المعارضة الرئيسية في السودان لجلسات الحوار الوطني بتعثر المساعي الدولية المتواصلة لحلحلة الأزمة السياسية المعقدة. ويرى مراقبون أنه دون مشاركة القوى الرئيسية المؤثرة فإن الحوار يتجه إلى الفشل والعودة إلى نقطة البداية.
الخرطوم – انطلقت بالخرطوم الأربعاء أولى جلسات الحوار الوطني المباشر الذي ترعاه البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي وهيئة الإيغاد، في محاولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السياسية بالسودان، في حضور طرف واحد تمثله القوى المتحالفة على إزاحة المدنيين من السلطة، حيث غابت القوى الرئيسية المعارضة لمجلس السيادة الحالي.
وشارك في جلسة الحوار الأولى، نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والفريق شمس الدين الكباشي والفريق إبراهيم جابر كممثلين عن المكون العسكري، وقيادات تمثل 14 حزبا وحركة سياسية ومسلحة، أبرزها أعضاء تحالف الحرية والتغيير (الميثاق الوطني) والقوى المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، وأحزاب محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، مثل المؤتمر الشعبي.
وقاطعت الحوار قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وتجمع المهنيين وتنسيقيات لجان المقاومة والحزب الشيوعي وبعض الأحزاب المحسوبة على التيار المدني، لأسباب تتراوح بين عدم تهيئة المناخ العام بالشكل المطلوب، وغياب الرؤية الواضحة وعدم الاتفاق على البنود الرئيسية، والتزام عدد من القوى باللاءات الثلاثة التي رفعتها، لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية.
وأكد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان عشية انعقاد الحوار التزام المكون العسكري بتنفيذ مخرجاته، والعمل مع الجميع للوصول بالمرحة الانتقالية إلى نهايتها سريعا، وانتخابات حرة وشفافة يختار فيها الشعب من يحكمه.
الحوار يجري بين الجيش وقوى مدنية داعمة لانقلابه
وأصبح السودان أمام وضع حرج، فالحوار الذي انطلق بعد جولات عديدة من المباحثات غير المباشرة يحظى بدعم دولي كبير، غير أن نتائجه على مشارف الفشل، لأن الأطراف التي رعته وتعمل على تسهيل عملية التفاوض لم تستطع إقناع القوى الرئيسية للمشاركة، وأخفقت في تفكيك الأزمة وذهبت سريعا إلى حوار دون أن توفر الأجواء الملائمة لنجاحه.
وتؤكد الحالة الراهنة أن تعقيدات الأزمة غامضة بالنسبة إلى الدبلوماسيين الغربيين، ولا توجد جدية كافية للوصول إلى حل يضمن العودة للمسار الديمقراطي.
كما أن القوى السياسية التي عوّلت على دعم المجتمع الدولي وممارسة ضغوط على المكون العسكري وضعت حساباتها على أسس خاطئة، وأضحت الآن بعيدة عن مسار ترعاه الأمم المتحدة وتدعمه قوى دولية مؤثرة في الأزمة.
وأعلن رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس “شروع الأطراف السودانية في مناقشة قضاياه والتباحث سيجري بشأن طبيعة المجلس السيادي وصلاحيات الحكومة ورئيسها، وانتهاء المرحلة الحالية بحلول الانتخابات”.
وأضاف بيرتس في مؤتمر صحافي الأربعاء “نريد أن نحدث تغييرا حقيقيا من خلال الحوار ودورنا تسهيل الحوار والقرار متروك للسودانيين”، محذرا من أن استمرار الوضع الحالي وزيادة الانتهاكات وعدم الاستقرار يمكن أن يؤديا إلى ما هو أخطر في التمهيد لعودة النظام السابق.
ولم تستطع اللقاءات التي أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فاي مع القوى السياسية الأيام الماضية على هامش زيارتها للخرطوم أن تقنع أيا منها للتراجع عن موقفها المعارض للحوار، وبدت هناك فجوة بين كافة الأطراف المدنية والعسكرية، وبين واشنطن، ما انعكس على ضعف نتائج زيارة فاي.
وقالت أستاذة العلوم الدولية بمركز الدراسات الدبلوماسية في جامعة الخرطوم تماضر الطيب إن الذهاب باتجاه الحوار المباشر دون التوافق على بنوده أو خطوطه العريضة يعبر عن الاستعجال في إيجاد مخرج ينقذ المؤسسة العسكرية من الأزمة المتصاعدة.
وأشارت لـ”العرب” إلى وجود فرق بين البحث عن حل سياسي شامل يضمن نجاح الانتقال الديمقراطي وبين اللهث وراء واقع ينهي الانسداد بحثا عن استقرار لن يتحقق، وأن الاتحاد الأفريقي الذي علق عضوية السودان بعد الانقلاب على السلطة في أكتوبر الماضي يناقض نفسه ويشارك في الحوار معها، ما يثير شكوكا في وجود مساع لأطراف فاعلة داخله تريد أن يبقى العسكريون على رأس السلطة.
مجدي عبدالعزيز: حدوث توافق بين القوى السياسية والعسكريين مستحيل
وأوضحت أن الحوار يجري بين المؤسسة العسكرية وقوى مدنية داعمة لانقلابها على السلطة وقادت اعتصام القصر ومهدت لإزاحة المدنيين، والتحالف مع أطراف كانت نشطة في النظام السابق، وهي خارج إطار الثورة بشكل كامل، والقبول بالحوار دون وجود خارطة واضحة يعزز القول إن المشاركين فيه هدفهم “التسلق إلى هياكل السلطة، بالتالي ليس من المتوقع أن يحقق الحوار نجاحا وسيبقى شكليا”.
وواجهت الآلية الثلاثية اعتراضا من القوى المدنية الرئيسية على الحوار منذ أن بدأت تواصلها معها واصطدمت باللاءات الثلاثة التي وضعتها تيارات مؤثرة في الشارع، ولم تنجح في إقناع هؤلاء بتغيير موقفهم، لأن العسكريين هم أول من رفضوا الحوار عندما كانت الشراكة مستمرة مع المدنيين قبل أكتوبر الماضي.
ويؤدي الانقلاب على الوثيقة الدستورية ومساعي العسكريين لإطلاق حوار على أمر واقع مفروض بقوة السلاح إلى صعوبة في القبول به قبل العودة إلى الوضعية السابقة، ما جعل القوى المدنية ترحب بالحوار مع ضرورة تسليم السلطة للمدنيين أولا.
وتدرك القوى المسهلة للحوار استحالة نجاحه بعيدا عن مشاركة الأطراف الفاعلة في الأزمة، الأمر الذي ترجمته كلمة ممثل الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ود لبات، حيث أكد أنه لا يتصور “حلا سياسيا إلا بمشاركة الجميع في الحوار المباشر”، فيما ترك فولكر الباب مفتوحا أمام انضمام أي من القوى المقاطعة للحوار في جلساته المقبلة.
وذكر المحلل السياسي مجدي عبدالعزيز أن حدوث التوافق بشكل كامل بين القوى السياسية والعسكريين مستحيل، والاتفاق بين القوى صاحبة الثقل السياسي هو الذي يحكم مصير الفترة المقبلة، وسط توقعات بأن تنضم بعض القوى المدنية المعتدلة للجلسات لاحقا، مع نية جهات دولية التواصل معها بعد انتهاء الجلسة التوضيحية.
ولفت لـ”العرب” إلى أن استمرار رفض القوى المعارضة للحوار المدعوم من المجتمع الدولي يعرضهم للاتهام بإعاقة التحول الديمقراطي، وثمة قناعة لدى الجهات المسهلة للحوار بأنه لن يتم الوصول إلى توافق وإن استمرت المباحثات غير المباشرة لفترات أطول، وكان من المهم انطلاقه ولو هناك بعض الرافضين للوصول إلى توافق وطني.
ويشكل انطلاق الحوار في نظر بعض المراقبين ضرورة سياسية وأمنية لدول الجوار، لأن استمرار الانسداد قد يفضي إلى تأثيرات سلبية على الأوضاع في ليبيا وإثيوبيا، وهناك مخاوف من تجدد الحرب في إقليم دارفور مرة أخرى، ولدى بعض الدول الكبرى رغبة في الوصول إلى درجة من الاستقرار في السودان للحفاظ على مصالحها التي سوف تظل معرضة للخطر طالما استمر شبح التوترات.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.