صراع الأضداد يهدد التماسك الهش للحركات المسلحة في السودان
الشارع السوداني يشهد انقسامات حادة منذ قيام عبدالفتاح البرهان بالانقلاب على الحكومة المدنية.
في مهب الأزمة
الخرطوم – حافظت الحركات المسلحة على درجة من التفاهمات والوحدة مكنتها من أن تصبح رقما مهما في المعادلة السياسية بالسودان، وتجنب عدد كبير منها تحول الصراعات البينية إلى حاجز يمنع التوقيع على اتفاق سلام هش يمكن تقويته لاحقا.
ويتعرض الاتفاق الضمني الآن إلى صعوبات، على خلفية تراشقات بدأت الأيام الماضية تنشب بين قيادات نافذة داخل حركات مسلحة بشأن الموقف من المكونين العسكري والمدني، بما يشير إلى تشظ جديد، بدأت تظهر مقتطفات منه في شكل حرب بيانات داخل الحركة الشعبية – جناح مالك عقار، عضو مجلس السيادة
وأعلن عقار تنصله من قيادات رفيعة في الحركة شاركت في اجتماعات عقدها تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) أخيرا، التي أكدت عضويتها في التحالف.
وشهد الشارع السوداني والعديد من القوى السياسية انقسامات حادة منذ قيام قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في أكتوبر الماضي بانقلاب عسكري على الحكومة المدنية، قادت إلى وجود فريقين، أحدهما أيد إجراءات البرهان وتحول إلى ما يشبه الغطاء السياسي له، والآخر يريد إزاحة الجيش من السلطة وترك المجال للقوى المدنية للحكم.
مالك عقار يتبرؤ من مشاركة قيادات في الحركة الشعبية في اجتماعات لقوى التغيير
ويقف مالك عقار في معسكر البرهان، بينما يصطف نائبه ياسر عرمان ومعه عدد من القيادات الأخرى في صف قوى الحرية والتغيير، وهو ما أوحى بوجود خلاف حول الأدبيات السياسية التي تتبناها الحركة الشعبية – شمال، بما يسهم في إضعاف دورها ويؤثر على وضعية اتفاق السلام الموقّع في جوبا بين الجبهة الثورية، التي تضم عددا من الحركات والتنظيمات السياسية، والسلطات السودانية الحاكمة.
وبات اتفاق السلام يترنح بسبب الخلافات المتنامية داخل الحركات المسلحة والتباين الظاهر في المواقف السياسية وحسابات القادة، بما يجعل عملية تثبيته محاطة بشكوك كبيرة، فعندما جرى توقيعه كانت هناك تفاهمات واضحة بين الحركات المسلحة التي قبلت به بالصورة التي خرج بها.
وعندما امتنعت عن التوقيع عليه بعض الحركات، مثل حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور أو جناح الحركة الشعبية الذي يقوده عبدالعزيز الحلو، كانت أسباب التخلف منصبة أساسا على تحسين شروط السلام المطلوب الذي أصبح يتعرض لعواصف، في ظل انسداد أدت إليه الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني، فقد ينهار الاتفاق إذا تصاعدت حدة التجاذبات داخل الحركات المسلحة.
وتنتاب الحركات المسلحة الداعمة للجنرال البرهان، وفي مقدمتها حركة مالك عقار، مخاوف من حدوث تعديلات على اتفاق جوبا للسلام، مع ما يتردد حول التوصل لاحقا إلى صيغة جديدة للتوافق بين المكونين العسكري والمدني تعيد ترتيب الأوضاع، وقد يكون من أول ضحاياه عقار نفسه بحكم أنه يشغل منصب عضو مجلس السيادة حاليا، وبالتالي يريد استمرار حفاظ المؤسسة العسكرية على مفاتيح السلطة في الخرطوم.
وقال عقار في بيان له “برزت أصوات بمشاركة الجبهة الثورية في اجتماعات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي.. الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار لم توفد أيا من أعضائها للمشاركة، وأي عضو شارك يمثل نفسه وليس الحركة”.
وأبدت المجموعة المشاركة في المجلس المركزي للحرية والتغيير أسفها من هذه التصريحات، مؤكدة أن التنظيم جزء أصيل في قوى الثورة التي وضعت السلام أحد أبرز أهدافها، وأسهم في إسقاط نظام عمر البشير، قائلة “لن يحظى عقار بتأييد الغالبية الساحقة من قيادات وأعضاء الحركة الشعبية وجماهيرها وأصدقائها”
ووقّع على البيان المناهض ياسر عرمان وثلاثة من قيادات الحركة، هم: الحاج بخيت وإحسان عبدالعزيز ومنال الأول، وشددوا على أنهم ضد الانقلاب العسكري.
وأخرج الخلاف على السطح ما يعتمل في الخفاء داخل هياكل الحركة الشعبية حول الخط السياسي الذي تتبناه، والبرغماتية التي يحاول أن يدير بها قائد الحركة مالك عقار الأمور لتحقيق أهداف خاصة به، بصرف النظر عن انعكاساتها على طموحات التنظيم ومصالح الجماعات التي يمثلها في ولاياتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وتريد غالبية الحركات المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية والمستفيدة من اتفاق جوبا، الحفاظ على الوضع الراهن وتكريس هيمنة الجيش، لأن المعادلة التي انخرطت فيها حققت جانبا كبيرا من أهدافها، وأي تغيير تنشده قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) يمكن أن ينعكس سلبا على المكاسب التي تحققت الفترة الماضية.
اتفاق السلام بات يترنح بسبب الخلافات المتنامية داخل الحركات المسلحة والتباين الظاهر في المواقف السياسية وحسابات القادة
وازدادت معالم الخلاف داخل الحركة الشعبية مع انحياز فريق إلى إجراءات البرهان في أكتوبر الماضي، ومعارضة فريق آخر لها من منطلقات مغلفة بالخوف على مصالح الحركة والجبهات التي تمثلها، غير أن جزءا منها له علاقة بالأجندات المتعارضة لعدد من قياداتها، التي حاولت معالجتها بالطرق السياسية الآنية، غير أن اتساع نطاق التباين أخرجها من الدوائر الخلفية إلى الأمامية.
وأبدت مصادر على علاقة بالحركة الشعبية قلقها من إعادة سيناريو الانقسام الذي يهيمن على عدد من الحركات المسلحة، عندما تتصاعد الخلافات وتصل إلى نقطة اللاعودة التي يصعب معها التفاهم، فقد انقسمت الحركة الشعبية ذاتها بشكل رضائي إلى جزء في الشمال وآخر في دولة جنوب السودان عقب استقلالها.
وقالت المصادر نفسها إن انقسام الحركة في الشمال إلى جناح يقوده الحلو وآخر يقوده عقار أضعف قوتها في الجنوب عموما، الأمر الذي استفادت منه السلطات السودانية، ومكنها من المناورة به وتخفيض مستوى تطلعات فصل جديد في جنوب السودان.
وصب هذا الانقسام في صالح المؤسسة العسكرية السودانية التي تستثمر انحياز مالك عقار لها في كسر شوكة الحلو، وتحجيم طموحاته الرامية إلى تنفيذ رغبته في تشكيل دولة علمانية ديمقراطية تعتمد على فصل الدين عن الدولة في السودان.
وتعيد الانقسامات داخل الحركات المسلحة المشهد الذي برع في إدارته نظام البشير، وتوظيفه في تأليب قادة الفصائل على بعضها، ما ضمن له سيطرة لوقت طويل على عدد من مفاتيحها، لكن هذه اللعبة يمكن أن تصبح خارج نطاق السيطرة في وقت بات فيه الجيش مستهدفا من قبل قوى في الداخل والخارج، تريد الحفاظ على اتفاق السلام وتوسيع أطره وليس تقويضها.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.