انفتاح مصري على المجتمع المدني السوداني يسبق تغيير معادلة السلطة
العرب اللندنية – حملت دعوة وجهتها الحكومة المصرية لحزب الأمة القومي الذي يشارك في مفاوضات للوصول إلى تسوية سياسية بين تحالف الحرية والتغيير “المجلس المركزي” والمكون العسكري في السودان، دلالات عديدة تكشف مدى رغبة القاهرة في الانفتاح على القوى المدنية الحاضرة بفاعلية على الساحة السياسية، استباقا لتغيير متوقع في موازين القوى ومعادلة السلطة الحاكمة في الخرطوم.
ويتهيأ السودان لعودة المدنيين مرة أخرى إلى رأس السلطة الانتقالية حال نجحت المباحثات التي ترعاها اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، والآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة إيغاد، ما يتطلب من القاهرة تجنب المشكلات التي أدت إلى وجود منغصات سابقة مع الأحزاب المدنية، عندما تم تدشين شراكة بين المدنيين والعسكريين عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وعقدت قيادات من حزب الأمة الأحد اجتماعا مع دوائر حكومية مصرية وسط توقعات بتطرقها إلى طبيعة العلاقة بين القاهرة والمجتمع المدني في السودان خلال المرحلة المقبلة، وإمكانية تقديم الدعم اللازم لنجاح المباحثات الحالية التي قد تُنهي عاما كاملا من الانسداد السياسي، بعد إجراءات اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، أزاح بموجبها المكون المدني من السلطة، وأفرزت نوعا من الفراغ والالتباس والفوضى السياسية والأمنية في البلاد.
وقال بيان صدر عن حزب الأمة القومي إن وفده ذهب إلى القاهرة بدعوة من الحكومة المصرية لـ”بحث سبل التعاون المشترك في القضايا التي تهم الشعبين”، وإنه سيلتقي مسؤولين في الحكومة والأزهر ومراكز بحثية، علاوة على قيادة فرعية الحزب وهيئة شؤون الأنصار في القاهرة.
وضم الوفد كلا من رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، ونائبيه مريم الصادق المهدي وصديق إسماعيل، وأمينه العام الواثق البرير، ورئيس مكتبه السياسي محمد المهدي، إضافة إلى أمين عام هيئة شؤون الأنصار عبدالمحمود أبو.
وأكد القيادي بحزب الأمة حسن الإمام حسن في تصريح لـ”العرب” أن وجود قادة حزب الأمة في القاهرة تزامنا مع مشاورات التسوية السياسية يزيد التفاؤل حول نجاحها، وأن القاهرة لديها رغبة في وصول السودان إلى حالة من الهدوء والاستقرار.
وأوضح أن حزب الأمة لديه العديد من المشتركات مع القاهرة، وهناك إدراك من قيادتها بأنه لا يمكن تجاوز رؤية الحزب للحل باعتباره أحد أكبر الأحزاب السودانية، وتكمن مهمته الأساسية في تأصيل الواقع وفقا للحقائق الموجودة على الأرض، وأن المحادثات تتطرق إلى كيفية إعادة ترتيب العلاقة بين الحزب والقاهرة.
وبرهنت جملة من المواقف السياسية أن الحكومة المصرية جادة في تنويع علاقاتها مع القوى المدنية وعدم قصرها على التعاون الأمني المباشر مع المكون العسكري.
وكانت القاهرة شاهدة على جملة من اللقاءات التي عقدتها دوائر حكومية مع أحزاب سودانية عريقة، بينها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بجانب قيام السفير المصري في الخرطوم بزيادة نطاق لقاءاته مع أطراف مدنية مختلفة، كما اقتربت دوائر مصرية بشكل أكبر من التحالفات الصوفية التي تشكلت مؤخرا.
وذكر مساعد وزير الخارجية مدير إدارة السودان وجنوب السودان السفير هاني صلاح خلال مشاورات عقدها مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان بيتر لورد، السبت أن القاهرة تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف السودانية.
وقالت رئيس البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أماني الطويل إن زيارة وفد حزب الأمة القومي للقاهرة خطوة مهمة وأساسية على طريق تعرف القاهرة بشكل كبير على طبيعة التفاعلات الداخلية السودانية، والإطلاع على ما يجري في المفاوضات من الأطراف المشاركة فيها، بما تكون له مردودات مفيدة لصانع القرار في مصر، لأن السودان يحتل أهمية إستراتيجية للدولة.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن القاهرة لا تتدخل في تفاصيل الأزمة السودانية، والهدف الإستراتيجي لها يتمثل في الوصول إلى محطة الاستقرار، وثمة خبرة مصرية ترى أن التفاصيل تقود إلى المزيد من المشكلات، ودائما ما تؤكد الحكومة أهمية دعم التوافق السوداني الذي يفضي إلى الهدوء والاستقرار.
وتحتاج التحركات المصرية إلى تفعيل أدوات القوة الناعمة وتأخذ مكانها السليم في الانفتاح على المجتمع المدني في السودان، بفعل التقارب والمتشاركات بين الجانبين.
وقد تحقق الاجتماعات الجارية أهدافها وتسهم في تقديم أوجه مختلفة للدعم الرسمي لإنهاء الانسداد الحالي، لكنها لا تكفي لتدشين علاقات أكثر انفتاحا مع باقي الأحزاب وتنسيقيات لجان المقاومة الفاعلة في الشارع، التي قد تحتفظ برأي مغاير من المفاوضات الجارية، وغير مستبعد أن تعمل على إفشالها
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.