من أجل الذهب .. مواطنون في دائرة الخطر

ظلت قضية نشاطات التعدين في ولاية نهر النيل تسبب قلقاً مستمراً لكل المهتمين بصحة الإنسان والبيئة بسبب الخطر الناتج عن هذا النشاط، وما يزيد مخاوف المراقبين انتقال هذا النشاط إلى المزارع والمنازل والأسواق، مما جعل صوت منظمات المجتمع المدني يرتفع، وعلى رأسها تجمع الأجسام المطلبية، والذي طالب الحكومة الانتقالية بالتدخل لإنقاذ المجتمع والبيئة من نشاطات التعدين المتزايدة بطريقة عشوائية.

وكان تجمع الأجسام المطلبية في السودان قد حذر من وقوع كارثة صحية بسبب ما وصفها بالفوضى في نشاطات التعدين بولاية نهر النيل، وعدم السيطرة من قبل السلطات المعنية، وصمت حكومة الولاية، مبيناً أن أكثر من ثلثي المنازل في بعض المناطق بها خلاطات تدر أرباحاً وتجر الأذى.

وقال التجمع في بيان صحفي، إن هناك كميات مهولة من مخلفات التعدين (الكرتة) بين المساكن والمزارع، بجانب خلاطات ومخلفات معالجة واستخلاص الذهب باستخدام مواد سامة (سيانيد، زئبق)، والتي أكد أنها تتسبب في تشوهات في الأجنة البشرية والحيوانية، وتلوث مصادر المياه، وتجربف الغطاء النباتي، وظهور أمراض جديدة.

وأشار التجمع إلى أن ذلك يحدث على امتداد الخط من منطقة خليوة شمال عطبرة حتى العبيدية شمال بربر، بمسافة تقدر بحوالي (65) كيلو متر، وبالقرب من مجرى النيل، وأضاف: “هناك من يدعو للنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، لكن قليلين من يشيرون إلى أنه كوب ممتلئ بالسموم”.

مشدداً على أنه لا يمكن أن يكون للتعدين غير الآمن جوانب إيجابية، لأن أي نشاط اقتصادي هدفه تحقيق الوفرة والرفاهية، وأن ما يحدث الآن ينتج فقط الموت والأمراض.

هذا وأصدرت والي ولاية نهر النيل، د. آمنة أحمد المكي، مرسوماً ولائياً مؤقتاً، قضى بمنع استخدام الطواحين والخلاطات في المناطق السكنية والزراعية ومناطق الرعي في مخلفات التعدين التقليدي (الكرتة)، ومادة الثيوريا في مناطق التعدين.

وبموجب هذا المرسوم الذي صدر؛ تم حظر استخدام الثيوريا وأي مواد كيميائية أخرى، واستخدام الخلاطات في عملية التعدين العشوائي في المناطق السكنية والزراعية والرعوية، كما منع المرسوم تخزين وطحن (الكرتة) في الأماكن السكنية والزراعية ومناطق الرعي.

وأمهل المرسوم كل العاملين في القطاع المعني (15) يوماً لترحيل مخلفات التعدين التقليدي من مواقعها إلى الأسواق المرخص لها لمعالجتها عبر الشركات المرخصة وفق الاشتراطات البيئية المنظمة لذلك، وشدد على منع مقاومة السلطات المختصة أو رفض الانصياع للأوامر والتوجيهات.

ونص المرسوم على عقوبات تبدأ بالسجن لمدة لا تتجاوز الستة أشهر أو الغرامة (50,000) جنيه، او الاثنين معاً، إلى جانب مصادرة الأراضي والأدوات، أو الوسائل المستخدمة في المخالفة لصالح حكومة الولاية.

ورغم صدور هذه القرارات؛ لم يتوقف هذا النشاط، بل تسرب إلى أسواق المدن، وقد نشر تجمع الأجسام المطلبية صوراً تؤكد استخدام مادة الزئبق في عملية استخلاص الذهب وسط سوق مدينة عطبرة (سوق الصُياغ)، حيث يتم التخلص من المخلفات في المجرى المؤدي إلى نهر عطبرة، ومنه إلى النيل.

وقال التجمع إنه ضمن النشاط المحموم لاستخلاص الذهب؛ يعمل البعض على إحضار مخلفات التعدين (كرتة) من المعامل والخلاطات المنتشرة وسط المناطق السكنية والمزارع، ليعيدوا معالجتها بمواد سامة وضارة وشديدة الخطورة، وسط سوق عطبرة في سوق الصاغة المعروف باسم (مجمع الأوقاف).

وطالب باتخاذ السلطات الولائية والمركزية خطوات أكثر صرامة تمنع استمرار الاستهتار بحياة الناس وسلامة البيئة.

ويقول الناشط السياسي والمهتم بمشاكل التعدين بولاية نهر النيل، عماد عبد الرحمن، لـ (مداميك)، إن التعدين في المناطق البرية قد يؤدي إلى تدمير وإزعاج النظم الإيكولوجية والبيئات المحيطة بها، وفي مناطق الزراعة قد يؤدي ذلك إلى إزعاج أو تدمير الرعي والإنتاج الزراعي، وفي البيئات الحضرية قد يؤدي التعدين إلى تلوث ضوضائي وتلوث ترابي وبصري.

وأضاف أن كل هذه الأضرار تتضح جلياً على الإنسان، وأضاف: “نحن الآن أمام أمراض كثيرة لم تكن موجودة من قبل، بل جاءت مع التعدين التقليدي، وعلى سبيل المثال لا الحصر: أمراض الرئة، السرطان، تقوسات العمود الفقري، والغضروف الذي يصيب العاملين في هذا المجال”.

وأوضح عماد أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أدى وجود نشاط التعدين الذي يدر أموالاً كثيرة؛ إلى ارتفاع في الأسعار، مما يزيد من معاناة المواطن، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الأخيرة أصبحت الأسعار في سوق عطبرة هي الأعلى نسبة للإيجارات والسلع، حيث أن المعدنين يشترون بأي سعر، مبيناً أن هذا الأمر جعل نشاط أهل الولاية الاقتصادي يتغير، مما جعل وجود الخلاطات في كل حي، غير مبالين بأثره، بل ينظرون إلى الربح الذي يدره.

وأكد عماد أن معالجة مسألة التعدين لا يمكن حلها بمعزل عن حل كل القضايا المعيشية بالنسبة للناس، مطالباً الحكومة بالعمل من أجل وضع ضوابط تنظم هذا العمل بحيث لا يضر بالبيئة والإنسان.

ختاماََ

على الحكومة إيقاف التعدين العشوائي وترك أمر التعدين وعمل الكرتة للشركات التي تعمل وفق الدراسات والبحوث بطرق علمية

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.