حب البرهان لكرسي الحكم وتشبثه به جر البلاد إلى دمار وخراب لم تشهده من قبل
إن ما يحدث في السودان اليوم من قصف جوي للمباني المدنية وقتل للأبرياء وتدمير لمؤسسات الدولة الإقتصادية ومستشفياتها وبنوكها، ما هو إلا ثمرة تمسك قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسلطة، وجاء هذا نتاج لتخطيط مسبق مع دول إقليمية كمصر ودول أخرى غربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها.
لقد كان مخطط البرهان هو تثبيت مكانته في الحكم واحتكار السلطة في السودان واعتمد في ذلك على بسط قبضته على الجيش وتلقي الدعم العسكري من إحدى الدول المجاورة والرائدة عسكريا كمصر مع إعطاءه إشارة الضوء الأخضر من طرف الدول الغربية.
وعليه فقد عمل البرهان منذ النصف الثاني من عام 2020 على بناء و تكوين علاقات قوية مع القاهرة وإجراء اتصالات مع قادة النظام المصري بعد أن كانت العلاقات مع مصر متدهورة وغير جيدة في عهد البشير، الذي كان يعتبر مصر تهديدا مباشرا لسيادة السودان وحاول تجنب أي اتصال مع قادتها، ففي عام 2020، وبمبادرة من البرهان، بدأت الخرطوم والقاهرة في إعداد اتفاق سري حول تسخير مطار مروي لصالح القوات الجوية المصرية، ومنح مصر الحق على منطقتي حلايب وشلاتين المتنازع عليهما وهو ما جسده الإتفاق العسكري الذي وقعه رئيسي أركان البلدين في مارس 2021.
وأما على المستوى والدولي، فقد قام البرهان بعدة زيارات إلى لندن ونيويورك منذ عام 2020، حيث أجرى محادثات مهمة وسرية مع كبار السياسيين وضباط المخابرات، وكان موضوع النقاش هو تعزيز نفوذ هذه الدول في السودان والحفاظ على مصالحهم مقابل بقاء البرهان في هرم السلطة. وفي بداية عام 2023، التقى البرهان، بدبلوماسيين من إسرائيل على الرغم من استياء الشعب السوداني من هذه الخطوة، وبحسب مصادر سرية، تم النقاش مع الطرف الإسرائيلي على توقيع اتفاقية سرية لمنح تل أبيب معاملة الدولة الأولى للوصاية على السودان وفي المقابل طلب البرهان من القيادة الإسرائيلية مساعدته في توفير الأسلحة والمعلومات الإستخباراتية له.
وتجدر الإشارة أنه بعد الإنقلاب على البشير في ربيع 2019، برز اسم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذي كان له الفضل في الضغط على البرهان من أجل إشراك المدنيين في الحكم، وهو من كان يحارب فساد مؤسسات الدولة التابعة للجيش، وهذا الأمر الذي جعل البرهان وقادة المؤسسة العسكرية يضيقون درعا بتدخلات حميدتي وبمعارضته لمخططاتهم، لكن آنذاك لم يكن لديهم أي سبيل للإنتقال للصراع العسكري، فكان على الجيش تقديم العديد من التنازلات لكسب الوقت وتقوية وتعزيز مكانته تقنيًا وسياسيًا، وقد نجح هذا الأمر في أكتوبر 2021، عندما نفذ الجيش بقيادة البرهان انقلابًا على حكومة حمدوك، في حين أن حميدتي لم يكن على علم بالإنقلاب، وقد أبدى استياءه لما حدث ولم يشأ أن يدخل في مواجهة عسكرية مع الجيش آنذاك حفاظا على أرواح الشعب السوداني، وظل على الهامش في تلك الأحداث محاولًا بكل الوسائل المتاحة نقل السلطة إلى المدنيين.
لكن رغبة البرهان في احتكار السلطة في السودان باتت أهم من مصلحة الوطن والمجتمع السوداني، ولم يبقى له في سبيل تحقيق ذلك إلا إزالة العقبة الوحيدة التي تقف بينه وبين تحقيق مصالحه وهو قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
وبعد أن جاءت مبادرة الإتفاق الإطاري من الخارج وتم الدفع بها للقوى المدنية السودانية وقع عليها البرهان وحميدتي، وصرح البرهان لاحقا أنه وقع عليها لأن فيها بندا يخدمه وهو دمج قوات الدعم السريع في الجيش، أي ما كان يحلم به، وعلى الرغم من أن حميدتي لم يكن ضد فكرة الدمج إلا أن البرهان أراد التسريع في القضاء على قوات الدعم السريع، ولم ينتظر حتى يأتي موعد الدمج، بل قام بمباغتتهم في صباح يوم 15 من أبريل الفارط بمهاجمة مقراتهم، وهو الذي نتج عنه الحرب القائمة الآن في البلاد والتي أسفرت عن قتل 604 شخصا من المدنيين وإصابة أكثر من 5000 آخرين، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.