الأزمة التونسية وسيناريوهات الخروج الآمن من دائرة الخلافات
يبدو أن الأزمة التونسية عادت من جديد إلى الواجهة بعد أقل من خمسة أشهر على تشكيل الحكومة التونسية التي انهارت قبل أيام، في وقت تواجه فيه الديمقراطية العربية الوحيدة التي يبدو أنها نجت حتى الآن من الثورات المضادة، أزمات متعددةً اقتصادية واجتماعية، فهل تكون الانتخابات المبكرة المخرج الوحيد المتاح في ظل التجاذبات السياسية الحالية؟
معركة تكسير عظام
الأزمة التونسية الحالية تشهد أحداثاً متلاحقة، بدأت بتقديم عريضة تطالب بسحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ، مروراً بإقالته لكل وزراء حركة “النهضة” من حكومته، وانتهاء باستقالته من رئاسة الحكومة، وجاءت الإقالة ضمن أزمة متصاعدة بين الفخفاخ و”النهضة”، منذ أن قررت الحركة بدء مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، في ظل “شبهة تضارب مصالح” تلاحق الفخفاخ الذي ينفي صحتها.
المحلل السياسي بولبابة سالم قال وفقًا لموقع (عربي بوست)، إن “استقالة الفخفاخ خطوة استباقية، وإن المعركة الآن أصبحت معركة تكسير عظام، فحركة النهضة رأت أن خطاب الفخفاخ فيه نوع من التعالي والتقزيم لها كحزب أول في البرلمان، ومن ثم اعتبرت أن ما حصل كان استفزازياً”.
وأضاف أن “التصريحات الأخيرة للفخفاخ رأت فيها النهضة استفزازاً ونوعاً من التكبر، فارتأت تقديم اللائحة التي كانت ستؤدي إلى سحب الثقة منه قبيل استقالته”.
والإثنين، قال الفخفاخ في بيان، إنه سيُجري تعديلاً وزارياً خلال الأيام القليلة المقبلة، مع تلميحات بإزاحة “النهضة” من الحكومة، وذلك غداة قرار مجلس شورى “النهضة”، بشأن إطلاق مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، واعتبر سالم أن “ما وقع من إقالات لأعضاء الحكومة التابعين لحركة النهضة، رد فعل صبياني من الفخفاخ، ونوع من رد الفعل أو محاولة لتسجيل هدف بعد نهاية المباراة، ذلك أن الفصل 98 ينص على استقالة كل أعضاء الحكومة بمجرد استقالة رئيسها”.
برلمان متشرذم
الانتخابات التي أُجريت في أكتوبر الماضي، أسفرت عن برلمان متشرذم حصل فيه أكبر حزب، وهو حزب حركة النهضة، على ربع المقاعد، واستغرق الأمر حتى فبراير، إثر عديد من البدايات المتعثرة، لتشكيل حكومة تتمتع بأغلبية بسيطة في البرلمان، لكن تلك الحكومة شابتها انقسامات أيديولوجية عميقة، خاصة فيما يتعلق بمشكلات مُلحة مثل الماليات العامة والديون.
ومنذ 27 فبراير الماضي، ترأس الفخفاخ ائتلافاً حكومياً يضم كلاً من: “النهضة” (إسلامية- 54 نائباً من 217)، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي- 22 نائباً)، وحركة الشعب (ناصرية- 14 نائباً)، وحركة تحيا تونس (ليبيرالية- 11 نائباً)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية- 16 نائباً).
لكن سرعان ما طفت الخلافات على السطح عندما ذكرت تقارير أن شركات يملك فيها الفخفاخ أسهماً استفادت من عقود حكومية، وبعد أن طالب حزب النهضة باستقالته، طلب الرئيس قيس سعيّد أيضاً منه التنحي.
الانتخابات المبكرة
يرشح الرئيس خلال أسبوع، شخصية جديدة لتحاول تشكيل الحكومة، وسيتعين على هذا المرشح خلال شهر، اقتراح ائتلاف جديد والحصول على موافقة البرلمان عليه، وإذا لم يفلح ذلك، فسيتعين إجراء انتخابات برلمانية جديدة، هذا العام.
ويعتقد بعض المحللين أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التونسية هو إجراء انتخابات جديدة، وخروجها ببرلمان أكثر تجانساً يمكن أن يتفق على حكومة مستقرة قادرة على إقرار التشريعات.
سالم، من جانبه، يعتقد أن “البديل جاهز، فمن قدموا لائحة لسحب الثقة من الفخفاخ، لهم شخصية جاهزة لاقتراحها”، وأوضح أنه “تم الاتفاق على الشخصية التي ستقود المرحلة المقبلة، خلال اللقاء الأخير (15 يوليو الجاري) الذي جمع كلاً من الرئيس قيس سعيّد، ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي”، وتوقع سالم، أن يكون “الحزام الحكومي (الائتلاف الحكومي) هذه المرة أوسع أو أن يحصل فيه تغيير”.
معركة الرئيس سعيد
من جهته، قال المحلل السياسي هشام الحاجي، إن “الجميع يتطلع إلى دورٍ أكبر للرئيس قيس سعيد، كضامن لتطبيق الدستور واحترامه وضامن للاستقرار في أرقى معانيه، خاصةً أن أغلب تصريحاته العلنية كانت تبعث على التخوف أكثر من الاطمئنان”، وأضاف الحاجي، أن “سعيد مطالَب بحكم الدستور، وحكم الوضع الهش، بأن يكون فعلاً الضامن والمعبر عن الوحدة الوطنية، وعن الترفع عن كل الحسابات”.