سنمار سورية الإخباري- هزة في الأردن مركزها الرياض
انطلقت الثورة العربية ضد الاحتلال العثماني من مكة المكرمة بقيادة الشريف حسين بن علي، بعد أن أفضت مراسلات هذا الأخير مع المعتمد البريطاني هنري مكماهون إلى وعد بمملكة عربية تضم المناطق الممتدة من الحجاز والعراق إلى الأردن وسورية.
ما بين حزيران 1916، الذي انطلقت فيه جيوش الشريف حسين لتحقيق ذلك الوعد، وبين عام 1921 كان الأخير قد استطاع أن يبسط سيطرته على الحجاز وصولاً إلى العقبة في تموز من عام 1917، وفي خريف هذا العام الأخير تم تأليف الحكومة العربية الأولى في بيروت، ثم أرسل ابنه فيصل إلى سورية الذي استطاع ما بين عامي 1918-1920 إقامة مملكة هاشمية قبيل أن يسقطها الفرنسيون بعد معركة ميسلون في تموز من هذا العام الأخير تنفيذاً لاتفاق سايكس بيكو 1916 الذي تزامن مع مراسلات حسين ومكماهون آنفة الذكر، بعدها انتقل فيصل إلى العراق ليقيم مملكة هاشمية أيضاً استمرت ما بين عامي 1921-1958 قبيل أن تسقط أيضاً عبر ثورة عبد الكريم قاسم في هذا العام الأخير.
منذ مطلع العشرينيات استطاع عبد العزيز آل سعود إقامة تحالفات عشائرية وازنة تمكن خلالها من زعزعة سلطة الشريف حسين داخل شبه الجزيرة العربية نفسها، خصوصاً بعد إبلاغ بريطانيا هذا الأخير بوقوفها على الحياد في ذلك الصراع الذي دار ما بين الاثنين، وعليه فقد استطاع الأول ضم الطائف إلى مكة والحجاز ونجد معلناً سقوط حكم الهاشميين وقيام المملكة العربية السعودية في عام 1932، لتظل إمارة شرق الأردن القائمة تحت حكم الهاشميين حتى اليوم «شوكة» في خاصرة الحكم السعودي تنازعها «المشروعية»، الأمر الذي حتّم استمرار الصراع الذي كان يخبو تارة، ويستعر بشكل خفي تارة أخرى، تبعاً لما تتيحه الظروف الإقليمية والدولية، فيما ظل الهدف السعودي الذي لا حياد عنه هو إسقاط «الخصم»، وإذا تعذر ذلك بـ«الضربة القاضية» فلا بأس إذن أن يحدث الفعل بـ«النقاط».
ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في 4 نيسان الجاري خبراً يقول إن السلطات الأردنية اعتقلت في وقت سابق من مساء يوم 3 نيسان الجاري، كلاً من الأمير حمزة بن الحسين الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني مع عشرين آخرين بتهمة «تهديد استقرار البلاد»، وبعد يومين فقط نشر الديوان الملكي الأردني بياناً جاء فيه أن «الأمير حمزة بن الحسين أكد التزامه بنهج الأسرة الهاشمية، والمسار الذي أوكله الملك إلى عمه الأمير الحسن بن طلال»، ثم نشر الأمير حمزة رسالة ذيلها بقوله إنني «أضع نفسي بيدي جلالة الملك مؤكداً أنني سأبقى على عهد الآباء والأجداد وفياً لإرثهم سائراً على دربهم مخلصاً لمسيرتهم ورسالتهم ولجلالة الملك».
اضطربت التوازنات القائمة داخل الأسرة الحاكمة قبيل رحيل الملك حسين بن طلال في شباط 1999، أو بمعنى أدق عندما ظهرت مؤشرات تدل على قرب وقوع ذلك الحدث، ففي أواخر حكمه كان شقيقه الأمير الحسن بن طلال، يشغل منصب ولي العهد، قبيل أن يقوم الملك الراحل بنقل ذلك المنصب إلى ابنه عبد الله وتحديداً في كانون الثاني 1999 حين سمّى ابنه عبد الله ولياً للعهد بدلاً من أخيه الأمير الحسن بن طلال الذي كان ولياً للعهد منذ عام 1965، وليعود عبدالله، بعد أن أصبح ملكاً في شباط 1999، بتسمية أخيه غير الشقيق الأمير حمزة ولياً للعهد، وفقاً لوصية أبيه الراحل، كما قيل، وليستمر حمزة في منصبه ذاك حتى عام 2004، حيث تم عزله، وبقي المنصب شاغراً حتى عام 2009، حين عيّن الملك عبد الله ابنه الأمير حسين ولياً للعهد، وهذا يشير إلى استمرار الاضطراب الذي كان قائماً قبيل رحيل الملك حسين، واللافت هو أن تلك الصراعات الخفية ظلت حبيسة الدوائر الضيقة في الأسرة الحاكمة، ولم تكن لها تداعيات في الشارع الأردني الذي تغلب عليه التوازنات العشائرية، وهو في عمومه يبدو غير مسيس، بمعنى أن التأثير الذي تحظى به أحزابه في الشارع يبدو ضعيفاً، مع استثناء وحيد يمثله «الإخوان المسلمون».
كان آخر ظهور علني للأمير حمزة قبيل اعتقاله بأيام في ضيافة عشيرة الحويطات، التي تمتلك تمددات لها داخل المملكة السعودية، والزيارة اعتبرت تضامناً من الأمير مع العشيرة المتضررة بفعل مشروع «نيوم» الذي اقتضى قيام السلطات الأردنية بتجريف بيوت ومصادرة أراض لأبناء تلك العشيرة.
خرج وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بعد يومين من إعلان الأمير حمزة العودة إلى «بيت الطاعة» ليتهم «دولة أجنبية» لم يسمها، بمحاولة زعزعة استقرار الأردن، وهناك الكثير من الشبهات التي تحوم حول السعودية بأن تكون تلك الدولة التي قصدها الصفدي، والسلسلة تبدأ من الحساسية القائمة تاريخياً ما بين العرشين السعودي والهاشمي، ثم إن النهج السعودي شهير بمحاولاته لتغيير أنظمة في المنطقة وزعزعة استقرارها، والمحاولات تلك تعود لعقود قديمة تصل إلى زمن حكم عبد الناصر في مصر وتلاقياته مع سورية التي انفصلت عراها بمال ودعم سعوديين، ثم لأن باسم عوض الله، المتهم الثاني الذي كان يشغل منصب رئيس الديوان الملكي السابق، سبق له بعد أن غادر منصبه آنف الذكر، وشغل منصب المستشار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
أهم ما ورد في التحقيقات الأولية، التي أعلن جزءاً منها الصفدي، هو أن هذي الأخيرة كشفت عن نشاطات وتحركات للأمير حمزة والشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله، ورصدت اتصالات مع جهات خارجية حول التوقيت الأنسب للبدء بزعزعة أمن البلاد.
إذاً، كانت قراءة تلك «الجهات الخارجية» أن هذا الوقت الذي يمر فيه الأردن هو الأصعب مما مر به منذ رحيل الملك حسين، وأن الاضطرابات الحاصلة بفعل الصراع على السلطة قد أنتجت تغييرات سياسية بدأت مفاعيلها تتجذر في الواقع الأردني، ولم تعد معها عملية الحماية الإقليمية والدولية التي يتمتع بها النظام الأردني تكفي لضمان استمراره.
المصدر: سنمار سورية الإخباري