العملية السياسية … (الموية بدلت الوجوه)
انطلقت امس الأول بقاعة الصداقة العملية السياسية لاستكمال الحوار بين الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي من عسكريين ومدنيين. وبحضور ممثلي الآلية الرباعية المكونة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومجموعة الترويكا. وقالت المنصة إن الفعالية سوف تستمر لمدة أربعة أيام تقام فيها ورش لمناقشة أشياء سبق للأطراف المشار إليها أن اتفقت أن تبقيها خارج الاتفاق لمزيد من التشاور وتشمل إصلاح الجيش وتفكيك نظام الإنقاذ والعدالة واتفاق جوبا للسلام. وهي القضايا التي تمثل شعارات الثورة الأساسية ممثلة في الحرية والعدالة والسلام.
وقال البرهان في مخاطبته للجلسة الافتتاحية إن القوات المسلحة ملتزمة بإصلاح الجيش بالتشاور مع المدنيين، وإن القوات المسلحة كما في كل الدول الديمقراطية ينبغي لها أن تكون تحت أمرة الحكومة المدنية الديمقراطية المنتخبة، وأكد أنهم ملتزمون بإلحاق القوى السياسية والمدنية الأخرى بالعملية السياسية. وهو بالضرورة لا يعني قوى الثورة ممثلة في لجان المقاومة وقوى التغيير الجذري التي ترفض مجرد التفاوض مع العساكر وتطالب بمحاكمتهم جنائيًا ولكنه يقصد القوى التي ناصرت انقلاب 25 أكتوبر التي تمثلها قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية ومجموعة مبادرة الطيب الجد، وعبر مبارك أردول عن رفضهم للعملية ووقف كل تفاوض بشأنها ووصف الاتفاق بأنه تم تحت ضغط القوى الأجنبية ولم يشمل كل السودانيين وأن مجموعة حزبية حسمت الأمر في غياب الشعب.
ومن جانبها أكدت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي عن موقفها الرافض لمشاركة المجموعة الأخرى باستثناء حركتي جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي.
يبدو أن المكون العسكري لم يقطع نهائيًا مع أطماعه في السلطة، ورغم الكلمات التي قالها البرهان بضرورة اخضاع القوات المسلحة لرقابة الحكومة المدنية واستدعت تصفيق القاعة له لكنه عاد وختمها بجملته المعتادة وهي (الحكومة الديمقراطية المنتخبة) مما يعني أن الجيش متمسك بموقفه من القوى السياسية الحالية وأنه لا بد أن يشاركها في ترتيب المشهد المفضي للانتخابات. كما أنه أكد تمسكهم باشراك القوى الأخرى التي تعهد بجلبها للاشتراك في العملية السياسية رغم رفض المجلس المركزي المعلن لمشاركتهم ووصفهم بأنهم ليس لهم وجود ويجب أن ينتهي أمرهم مع نهاية الانقلاب الذي وقفوا إلى جانبه. ولذلك فإن وصف رغبته في التخلي عن المشاركة في السلطة أو أنه تخلى عن شركائه، حديث يفتقر للدقة والقراءة بين السطور. فالاتفاق الإطاري إذًا حدد الأسس التي تنطلق منها الورش اليوم لمناقشة القضايا التي تم إرجاؤها لمزيد من التشاور ولكنه في نفس الوقت حدد مخرجاتها كما ورد في الاتفاق وذلك بعلم الجميع مما ستنتج عنه حكومة أشبه بالسلطة الفلسطينية ينحصر دور المدنيين فيها في الأعمال التنفيذية لأن الاتفاق أشار بوضوح إلى أن رئيس الوزراء لا بد له أن يتوافق مع قادة الجيوش في القضايا الفنية. ذلك رغم أن الاتفاق ركز في يد رئيس الوزراء سلطات كبيرة لم يتمتع به رؤساء منتخبين ولكن تحد منها ضرورة إلزامية التوافق مع قاد الجيوش التي تعني مشاركة الجيش في السلطة من خلف الكواليس.
على الجانب الآخر تمضي الثورة في الاتجاه الذي حددته لجان المقاومة والأجسام الثورية الأخرى وبعيدًا عن العملية السياسية التي نددت بها المواكب صبيحة التوقيع على الاتفاق الإطاري. وتقول القوى الموقعة على اتفاق الخامس من ديسمبر أن هذا الطريق هو الوحيد الذي يفضي لإنهاء الانقلاب في حين أن هناك طريق الشعب الذي حددته قوى الثورة في ميثاق لجان المقاومة وحددت آلياته المتمثلة في استمرار الثورة وصولًا لإسقاط الانقلاب وتقديم قادته للمحاكمة. والعملية السياسية سوف تمضي لإيجاد قواسم مشتركة بين قوى سياسية لا تختلف حول التوجه الاقتصادي الذي سوف يطبقه رئيس الوزراء وسوف يستجيب لمطلوبات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو طريق أيضًا يصفه الخبراء الذين عملوا مع حمدوك بأنه الطريق الوحيد للخروج من دائرة الركود الاقتصادي وبناء اقتصاد يستجيب لدواعي النزاع، في حين أن هذا الطريق يكاد يكون هو المعتمد منذ عام 1978 ومسؤول عن كل التداعيات المجتمعية والسياسية التي عصفت باستقرار البلاد. وتبقى الخلافات بين القوى التي تتبناه ثانوية وسوف تحسمها التنازلات المتبادلة، إن لم يكن فيما بين جناحي الحرية والتغيير فأنها ستكون بين المجلس المركزي والمكون العسكري استجابة لوساطة دولية في إطار إكمال العملية السياسية نفسها وتجاوز العقبات التي تعترضها، لأن إعلان حكومة في غضون الأيام القليلة القادمة وقبل أن تقرب شمس يناير الحالي أصبحت أمرًا لا جدال فيه وسوف تستخدم الأسرة الدولية الجزرة والعصاة لإنجازها. لأن الحكومة المرتقبة سوف تستلم الأموال الدولية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهي أموال للصناديق الممولة عمولة فيها وقد تأخر سدادها لأكثر من عام. مما يعني أن الموظفين الدوليين لديهم مصلحة شخصية في إتمام العملية السياسية وإعلان حكومة مدنية في السودان تستأنف التواصل مع المجتمع الدولي الذي توقف في حدود مؤتمر باريس الذي شاركت فيه شركات سودانية كانت تربطها علاقات مع النظام السابق وقد سمح النظام لبعضها باستيراد مدخلات إنتاج زراعية بتمويل من بنك التنمية الأفريقي ولم يتم استردادها، كما أن هناك صفقات سماد مغربية متورطة فيها شركة تتبع لأحد رموز النظام السابق، مما يعني أن الطفيلية الإسلامية ليست بعيدة عن ما يدور الآن وبنفس المسافة التي يتخيلها قيادات المجلس المركزي، وإن المكون العسكري في الظاهر سوف يدفع بمجموعة نداء السودان بما فيها الكتلة الديمقراطية ولكن في القضايا الفنية التي يتعين على رئيس الوزراء أخذ موافقته فيها ربما يكون له شأن ربما يجعل توصيات ورشة تفكيك نظام الـ 30 يونيو لا تتجاوز القاعة التي عقدت فيها.
قرشي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.