ما السر وراء فشل منظومة القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ الفلسطينية؟
تم تطوير نظام القبة الحديدية الإسرائيلي من قبل شركة Rafael Advanced Defense Systems وIsrael Aerospace Industries، ويستخدمه الجيش الإسرائيلي منذ عام 2011.
ولكن مشهد هروب المستوطنين من المظاهرة التي تستهدف اقتحام المسجد الأقصى، بسبب الصواريخ التي أطلقت من غزة وفض جلسة للكنيست الإسرائيلي للسبب ذاته، كان بمثابة دليل دامغ على فشل نظام القبة الحديدية التي تسوّقها إسرائيل باعتبارها من أنجح تقنياتها العسكرية.
والمفارقة أن الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى دولة في العالم، استوردت مؤخراً هذه القبة من إسرائيل، وقيل إنها سوف تستخدمها لحماية دول الخليج، ولكن من شأن سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية أنه يضر بسمعة هذا السلاح في سوق المنتجات العسكرية الدولية.
واستهدفت الصواريخ الفلسطينية مناطق بعيدة عن غلاف غزة التي كانت تستهدفه المقاومة تقليدياً، حيث وصلت حتى تل أبيب التي أغلقت إسرائيل مطارها، وتفيد تقارير بأن المناطق التي استهدفتها صواريخ الفصائل الفلسطينية يسكنها نحو 4.5 مليون ونصف إسرائيلي، تم شل حياتهم بسبب هذه الهجمات، جراء اضطرار الكثير منهم للهروب إلى الملاجئ.
القبة الحديدية اعترضت بعض الصواريخ فقط
ورغم إعلان إسرائيل اعتراض القبة الحديدية لعدد من الصواريخ، إلا أنه من الواضح أنها فشلت في اعتراض أغلبها، والدليل إعلان تل أبيب عن تعليق الرحلات الجوية المدنية في مطاراتها؛ إثر تعرض وسط إسرائيل لهجمات صاروخية من غزة.
ومنذ إعلان الغرفة المشتركة للمقاومة التدخل يوم الإثنين، إثر الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، توالت الرشقات الصاروخية على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة بخاصة على عسقلان وأسدود.
ولكن اللافت أن الهجوم الصاروخي الذي استهدف القدس، يعد تطوراً نوعياً لأن الصاروخ احتاج مسافة أطول لينطلق من غزة للقدس، وقالت كتائب عز الدين القسام إنها استخدمت نوعاً جديداً من الصواريخ في هذا الهجوم.
ولكن الضربة الأكبر للقبة الحديدية جاءت من خلال تعرض تل أبيب لقصف “لم يسبق له مثيل”، بعد أن أمطرتها المقاومة في الساعات الأخيرة بـ130 صاروخاً، ونشرت فيدويوهات تظهر النيران تشتعل في شوارعها، علماً بأن تل أبيب تقع على مسافة كبيرة من غزة (نحو 70 كلم، إضافة لاستهداف مدينة رعنان التي تبعد نحو 77 كلم).
الخبر الأسوأ بالنسبة لإسرائيل، أن المسافة الكبيرة التي قطعها الصاروخ من تل أبيب للقدس هي بمثابة إحراج للقبة الحديدية، لأنه يفترض أنه كلما زادت المسافة التي يقطعها الصاروخ في الهواء، زادت فرص رصده وإطلاقه.
ووسع وزير الدفاع الإسرائيلي بينى غانتس ورئيس أركانه أڤيڤ كوخافي مساحة إعلان الطوارئ، حتى ٨٠ كيلومتراً من قطاع غزة، وهذا أمر غير معتاد، حيث كان أقصى نطاق لحالة الطوارئ لصد أية رشقات صاروخية من الفصائل الفلسطينية، لم يتجاوز الـ٤٠ كيلومتراً من قبل.
وقالت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس إن الصواريخ التي استخدمت ضد تل أبيب من النوع الثقيل وإنها استهدفت مطار بن غوريون وهى وفقاً لبيان للقسام، من طراز A120، تيمناً بقائد القسام رائد العطار.
وأفاد البيان بأن هذه الصواريخ، تحمل رؤوساً متفجرة ذات قدرة تدميرية عالية، ويصل مداها إلى 120 كم، وتدخل الخدمة بشكل معلن لأول مرة”.
وأعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، مساء الثلاثاء 11 مايو/أيار 2021 إصابة 3 أشخاص بجروح خطيرة في الهجمات الصاروخية على منطقة تل أبيب.
من جهته، علق مراسل “القناة 20” الإسرائيلية على القصف قائلاً: “إسرائيل” تتعرض إلى أقوى هجوم صاروخي في تاريخها على يد المقاومة في غزة.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن منظومة “القبة الحديدية”، فشلت في اعتراض صواريخ تم إطلاقها من قطاع غزة بسبب “خلل فني”، دون توضيح نوعية هذا الخلل.
حيلة جديدة من “القسام” لتجاوز القبة الحديدية
وقالت كتائب القسام التابعة لحركة حماس إنها استخدمت تكتيكاً جديداً في إطلاق الصواريخ على عسقلان سمح لها بتجاوز القبة الحديدية الإسرائيلية.
وقالت الكتائب في بيان إنها استخدمت لأول مرة “تكتيكاً خاصاً بإطلاق صواريخ السجيل ذات القدرة التدميرية العالية في دك عسقلان ظهر الثلاثاء، ونجحت في تجاوز القبة الحديدية لتوقع في صفوف العدو قتلى وجرحى رداً على استهداف البيوت الآمنة”، حسبما ورد في تقرير لموقع وكالة سبوتنيك الروسية.
ولكنها لم توضح طبيعة هذه الحيلة التي استخدمتها.
قد يكون السبب هو العدد الكبير واستخدام نوعية صواريخ جديدة
وبالفعل، أكد خبراء عسكريون في إسرائيل رواية كل من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بأن في حوزتهما صواريخ حديثة تمكنت من تجاوز منظومة “القبة الحديدية” والوصول إلى أهدافها وإحداث أضرار كبيرة.
ويلمح الخبراء الإسرائيليون إلى أن هذه الصواريخ من صنع إيراني.
وقال هؤلاء الخبراء إن الجيش الإسرائيلي يجري دراسة سريعة حول هذه الصواريخ وكيفية نجاحها في الوصول إلى مناطق مأهولة وفشل “القبة الحديدية” في اعتراضها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وأكدوا أن هناك سببين جعلا “حماس” و”الجهاد” تنجحان في تجاوز القبة الحديدية، أولهما إطلاق كمية هائلة من الصواريخ في آن واحد (130 صاروخاً خلال 5 دقائق، كما حدث اليوم الثلاثاء) والثاني استخدام صواريخ جديدة موجهة إلى الطوابق العليا في عمارات مرتفعة.
وفي وقت سابق كشفت “القسام” أنه وضمن ضربةٍ صاروخيةٍ هي الأكبر من نوعها، استهدفت ظهر الثلاثاء أسدود وعسقلان بـ137 صاروخاً من العيار الثقيل خلال 5 دقائق، مؤكدة أنه لا يزال في جعبتها الكثير.
كما أعلنت “سرايا القدس”؛ التابعة لحركة “الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة، أنها أطلقت “رشقة من الصواريخ من طراز (بدر3) على مدينة عسقلان المحتلة”.
ونقلت الشرق الأوسط عن مصادر إسرائيلية قولها إنه سبق استخدام هذا الصاروخ، وذلك في 5 مايو/أيار 2019.
وأضافت أن هذا الصاروخ يحمل رأساً متفجراً بوزن 250 كيلوغراماً، ويبلغ مداه أكثر من 160 كيلومتراً، فضلاً عن أن له ميزة أخرى مهمة، وهي أنه لا ينفجر عندما يضرب الهدف، بل عندما يكون فوقه بنحو 20 متراً. وقالت المصادر إن “سرايا القدس” التابعة لـ”حركة الجهاد” طورت هذا الصاروخ ليحمل رأساً حربياً بوزن 350 كيلوغراماً، وإن من مميزاته أنه يطلق 1400 شظية، مما يوسع من قدرته على تدمير المنشآت والمنازل قرب نقطة الانفجار التي يسقط فيها.
ليس الفشل الأول
هذا الفشل ليس الأول للقبة الحديدية التي فشلت قبل فترة وجيزة في اعتراض صاروخين قادمين من سوريا سقطا بالقرب من المفاعل النووي “ديمونا”، ما طرح وقتها عشرات التساؤلات عن مدى فاعليتها.
وكشف تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي، أسباب عدم إسقاط الصاروخ السوري الذي وقع بالقرب من مفاعل ديمونا النووي.
وأفادت القناة العبرية الـ”12″، بأنه تبين من نتائج التحقيق الأولية التي أجراها الجيش الإسرائيلي، أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية لم تتوفر لديها المضادات اللازمة لإسقاط هذا النوع من الصواريخ، فاضطرت إلى استخدام مضادات أخرى غير ملائمة لهذا النوع من الصواريخ السورية.
الجنرال الإسرائيلي يوسي لانغوتسكي سبق أن قال في مقال له إن “القبة الحديدية” أثبتت عدم فاعليتها وعجزها عن وقف صواريخ “المقاومة الفلسطينية”، حسبما ورد في تقرير لموقع TRT بالعربي.
وأكد قائد الوحدة 81 للتكنولوجيا في الجيش الإسرائيلي أنه “من الخطأ من قبل إسرائيل أن تعتمد فقط على نظام دفاع فعال يعتمد على تكنولوجيا الصواريخ الاعتراضية، من أجل توفير استجابة فعالة للتهديدات الصاروخية، التي قد تلحق أضراراً بالغة بالحرب المستقبلية في الجبهة الداخلية، ومنشآتها الاستراتيجية وقوات الجيش، وتشمل هذه التهديدات الطائرة وصواريخ وقذائف”.
وأضاف أن “نظام القبة الحديدية له العديد من القيود بما في ذلك نطاق الاعتراض الفعال للصاروخ قصير الاعتراض، لأنه في كثير من الحالات يحدث الاعتراض فوق منطقة الاستهداف، وكذاك لديه قيود في اعتراض الصواريخ الباليستية التي يجري إطلاقها على المديين المتوسط والبعيد، وغير قادرة على التعامل مع صواريخ العدو القابلة
للمناورة والدقيقة، بحيث تبلغ تكلفة كل إطلاق صاروخ على القبة الحديدية أكثر من مئة ألف دولار”.
وتابع: “يوجد الكثير من الحقائق الموثقة التي تشهد على هذا الفشل الكبير، لأنه نتيجة سقوط صواريخ حزب الله على كريات شمونة عام 1996 ناشد رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون تقديم المساعدة العاجلة للدفاع عن الجبهة الداخلية، ولذلك وُقِّع اتفاق تعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبموجبه جرى تطوير نموذج أولي لنظام ليزر كيميائي”.