الملء الأول مرَّ مرور الكرام، فهل يشعل الملء الثاني لسد النهضة الحرب؟
أظهرت مصر والسودان انزعاجاً شديداً من إعلان إثيوبيا اعتزامها تنفيذ الملء الثاني لسد النهضة خلال الصيف القادم، وبدا موقف البلدين أكثر حدة من رد فعلهما على الملء الأول الذي تم الصيف الماضي. وفي تصعيد واضح يظهر عدم اقتناعه بجدوى وساطة الاتحاد الإفريقي، طلب السودان رسمياً وساطة رباعية من الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة (أيدتها مصر شفهياً)، مؤكداً في بيان رسمي أن عزم إثيوبيا تنفيذ الملء ثاني لسد النهضة في يونيو/حزيران 2021، دون اتفاق ملزم يضمن تبادل المعلومات وضمانات التشغيل والإدارة البيئية والاجتماعية، سوف يلحق الضرر بالسودان ويهدد أمنه القومي.
الملء الأول لسد النهضة مر مرور الكرام
كان يفترض أن يكون الملْء الأول أو المبدئي لسد النهضة، الذي انتهى في 21 يوليو/تموز 2020 بمثابة خط أحمر لمصر والسودان، لا يسمحان لإثيوبيا بتجاوزه.
ولكن أديس أبابا نفذت مناورة ماكرة، إذ أعلنت وسائل إعلام إثيوبية عن ملء السد، ثم نفت، وبعد أن جاء رد الفعل السوداني والمصري ضعيفاً، بدأت عملية الملء، التي تحدثت عنها تقارير دولية رصدت صوراً للأقمار الاصطناعية، تظهر الملء، وأعقبتها تقارير مماثلة من قبل جهات الري في السودان، كل ذلك دون رد فعل حاد من القاهرة والخرطوم، على السواء.
وانتهى الأمر بإعلان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد عن ملء السد بعد قمة افتراضية شارك فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، دون رد فعل يذكر من الأخير أو من المجلس العسكري الحاكم في السودان.
وبلغ الاستفزاز الإثيوبي ذروته عندما غرد وزير خارجية إثيوبيا عن الملء قائلاً: “النيل كان نهراً وأصبح بحيرة إثيوبية“.
وبعد ذلك بعدة أشهر، اندلعت حرب تيغراي التي كانت من الممكن أن تمثل فرصة ذهبية لمصر والسودان في الضغط على إثيوبيا، عبر دعم تمرد الإقليم الواقع في شمال البلاد والمتاخم للسودان، ولكن لم يحدث أي تحرك كبير باستثناء مناورات مصرية سودانية، واستغلال الخرطوم للأزمة لاستعادة منطقة الفشقة التي كانت تحتلها ميليشيات إثيوبية منذ عقود.
ردود أفعال كل من مصر والسودان على ملئ السد
يبدو أن رد فعل القاهرة والخرطوم على الملء الثاني لسد النهضة أكثر حدة خاصة السودان، وكان لافتاً في هذا الصدد صدور بيان مشترك بين البلدين.
فلقد أكد كل من وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيرته السودانية، الدكتورة مريم الصادق المهدي في بيان مشترك أن قيام إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة بشكل أحادي سيشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي لجمهورية مصر العربية ولجمهورية السودان، وخاصة فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية ويهدد حياة 20 مليون مواطن سوداني، كما أكدا على أن هذا الإجراء سيعد خرقاً مادياً لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في الخرطوم بتاريخ 23 مارس/آذار 2015.
البيان أبدى قلق البلدين إزاء تعثر المفاوضات التي تمت برعاية الاتحاد الإفريقي. ولكن الغريب أن السودان هو الذي تقدم وحده بطلب إلى الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ليطلب رسمياً الوساطة فيما يتعلق باستخدام مياه نهر النيل لملء سد النهضة الإثيوبي، قدمه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، حتى لو كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد أعلن دعماً استباقياً للخطوة السودانية.
ولا يعرف سبب عدم انضمام مصر إلى الطلب السوداني بشكل رسمي، رغم تصاعد وتيرة التنسيق بين البلدين مؤخراً وهو ما ظهر في زيارة السيسي الأخيرة للخرطوم.
ومن الواضح أن مواقف السودان تبدو مؤخراً أكثر قوة من مصر، رغم أنه قبل سنوات كان ينظر إلى أن الخرطوم لديها استعداد أكبر للتسوية مع أديس أبابا من القاهرة، خاصة أنه كان حديثاً عن إمكانية استفادتها من منافع السد فيما يتعلق بالطاقة الكهربائية تحديداً.
وبدا واضحاً أن حدة مواقف الخرطوم ازدادت مع إعلان إثيوبيا تنفيذ الملء الثاني لسد النهضة.
فما سبب قلق السودان إلى هذا الحد من الملء الثاني، ولماذا يبدو أن الخرطوم تولي أهمية للأمر أكبر من القاهرة؟
إعلان حرب
حذر الرئيس الأسبق لقطاع الموارد المائية بوزارة الري المصرية عبدالفتاح مطاوع في تصريح لوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” :”ما حدث العام الماضي في الملء الأول لسد النهضة لا يمكن مقارنته بما هو قادم”.
وقال الخبير المصري والمسؤول السابق “إنه في الملء الأول كان هناك فيضان وكميات كبيرة من المياه، ولم تكن هناك مشكلة خطيرة ومع ذلك تعرضت السودان لمخاطر في عملية توليد الكهرباء في سد الروصيرص، وتعرضت محطات مياه الشرب في الخرطوم لمشاكل نتيجة القرار الأحادي بعملية الملء الأول”.
وتابع: “عملية الملء الثاني لسد النهضة تحتاج إلى 13 ونصف مليار متر مكعب من المياه، فإذا ما تمت تلك الخطوة دون إخطار السودان الذي يقوم بتشغيل سدوده عن طريق البيانات اليومية التي تأتي من أعالي النيل الأزرق، فستكون هناك مشكلة كبيرة وتعد إعلان حالة حرب على السودان”، حسب تعبيره
المشكلة الأكبر أن المياه خلف سد النهضة في حال الملء الثاني قد تصل إلى 18 ونصف مليار متر مكعب، فإذا حدثت أي مشكلة في السد، فهذا يعني تدمير كامل للسدود السودانية، حسب الخبير المصري.
تنفيذ الشق الأول من الاتفاق وهو البناء وتنكرت لباقي البنود”.
كارثة على مصر والسودان
قال خبير السدود الدولي أحمد الشناوي، إن المنطقة التي يتم بناء سد النهضة الإثيوبي عليها هى “منطقة فوالق”، مؤكداً أنه “لا يجب أن يتم بناء السدود عليها من الأساس”.
وتابع الخبير الدولي المصري في مقابلة أخرى مع وكالة “سبوتنيك“: “الأمر لا يتعلق فقط بتصميم السد الأسمنتى وما به من عيون لتمرير المياه، التي يمكن أن تسمح بارتفاع منسوب المياه عن المجاري المخصصة لها، مما يسبب حالة غمر مفاجئة شديدة الكثافة”، لكن أيضا لأن “منطقة تخزين المياه الواقعة فى قلب التربة القائمة على الفوالق يمكن أن تتسبب فى تسريب على جانبي مساحة التخزين”.
وأوضح: “فى الحالتين، حالة الغمر الشديد والمفاجئ أو حالة التسريب الجانبي الناجم عن ضغط التخزين، يمكن أن يحدث انهيار السد بصورة مفاجئة مما يتسبب فى كارثة تتجاوز إثيوبيا إلى السودان بجنوبه وشماله ثم إلى داخل صعيد مصر”، حسب قوله.
وأمضى المهندس المصري أحمد الشناوي، عقوداً فى تصميم وبناء السدود بداية من الهيئة الفنية لمياه النيل، التي تعد بمثابة الجهاز الفني لوزارة الموارد المائية والمعني بالبحوث والتصميمات، كما أشرف على أبحاث كليات الهندسة في دراسة أنماط السدود وسبل بنائها وفقاً لطبيعة الأراضي، وتولى عملية تصميم العديد من السدود في إفريقيا وقارات أخرى.
هل تصل الأمور إلى درجة الحرب؟
كان لافتاً في ظل هذا التوتر تعليق وزيرة الخارجية السودانية على التعنت الإثيوبي قائلة إن للسودان ومصر خيارات أخرى.
وبينما ليس هناك حديث رسمي عن الحرب من قبل مصر والسودان، إلا أنه من الملاحظ أن بعض وسائل الإعلام في البلدين لا سيما مصر، تلمح إلى هذا الخيار، كما أن القاهرة تتوسع بشكل لافت وسريع في بناء ترسانتها العسكرية لا سيما عبر شراء طائرات قادرة على الوصول لسد النهضة، فابتاعت مؤخراً السوخوي 35 من روسيا بعد شرائها الرافال من فرنسا والطائرتان تتميزان بمدى طويل وحمولة كبيرة من القنابل والصواريخ.
وكان لافتاً أيضاً في هذا الصدد أن عماد الدين حسين وهو رئيس تحرير صحيفة مصرية مرموقة ورصينة نسبياً هي الشروق المصرية، كتب مقالاً تحت عنوان “إثيوبيا تحترم القوة فقط”، يقول فيه “إن أديس أبابا تتهرب وتماطل وتسوّف وتراوغ، ثم أخيراً تريد فرض أمر واقع على مصر والسودان؟!”
وخلص حسين في المقال إلى” أنه على مصر ألا تتوقف عن الذهاب لكل المحافل الإقليمية والدولية، حتى نقنع الجميع بأنها جربت كل الحلول السلمية، لكن وبالتوازي عليها أن تجرب حلاً مختلفاً، لأن التجربة التاريخية مع الحكومات الإثيوبية المختلفة تقول شيئاً واحداً، وهو أنهم لا يحترمون غير القوة الواضحة والسافرة والغاشمة!!”، حسب تعبيره.