تبرأ منه الجميع..(الميثاق السياسي).. هل ولد مجهول الأبوين؟
أثارت النسخة المتداولة للميثاق السياسي غباراً كثيفاً في الساحة السياسية، بعد أن سلمته مجموعة من القيادات السياسية أمس الأول لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتباينت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، كما انتقد البعض ما سموها الطريقة (الشبحية) لكتابة مسودة الميثاق، إذ تمت دون شفافية أو نقاش موسع بين القوى السياسية، كما تعمد القائمون عليه عدم كتابة أسمائهم وذكر هوياتهم السياسية، مما جعل البعض يصفه بأنه ولد مجهول الأبوين.
كثير من المراقبين للوضع السياسي في البلاد اعتبروه إعادة لتكريس سلطة (الحرية والتغيير) من جديد وإعادة الوضع إلى ما قبل (٢٥) أكتوبر، أي ما يعرف بتصحيح المسار كما يصفه المكون العسكري، بينما وصفته (الحرية والتغيير) بأنه انقلاب.
ولكن منذ الإعلان عن هذا الميثاق وتسربه في الوسائط رفضته بعض الكتل داخل المجلس المركزي كرفضها الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، فيما أعلن حزب الأمة القومي عن خريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، كما أعلن حزب المؤتمر الشعبي عن رؤية جديدة سيكشف عنها اليوم للخروج من ذات الأزمة.
وعليه فقد شملت مسودة الميثاق السياسي الذي طرحته تلك المجموعة عدداً من البنود أبرزها تنفيذ اتفاق جوبا للسلام والعمل على استكماله بالوصول إلى اتفاق مع باقي قوى الكفاح المسلح ممن لم يوقعوا على اتفاق سلام بعد، والشروع فوراً في تنفيذ الترتيبات الأمنية ودعم الدمج السريع لشركاء السلام في القوات المسلحة، إضافةً إلى بسط الأمن وفرض هيبة الدولة وإعمال القانون لحماية المدنيين في إقليم دارفور وغرب كردفان وكافة مناطق النزاعات، كما شملت بنود الميثاق نفاذ وسريان قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م وإزالة التمكين، مع إعادة تشكيلها ومراجعة قراراتها في الفترة السابقة عبر السلطات الاستئنافية والاسراع في تشكيل لجنة استئنافاتها ورفدها بخبراء مختصين، بجانب إعادة هيكلة القوات المسلحة ودمج قوات الدعم السريع وشركاء السلام وصولاً لجيش قومي واحد قبل نهاية الفترة الانتقالية، وإكمال تكوين هياكل السلطة الانتقالية بالتوافق مع المكون العسكري في أقرب وقت، وتكوين المجلس التشريعي وإعادة النظر في تكوين مجلس السيادة وتقليصه إلى (٦) أعضاء بالتوافق بين الطرفين العسكري والمدني مع احتفاظ شركاء السلام بالنسبة المخصصة لهم، وإعادة النظر في كافة التعيينات التي تمت والمخالفة للاتفاق الإطاري الموقع في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١م، بجانب دعوة الاتحاد الإفريقي ودول الترويكا زائداً كندا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لحشد ومواصلة الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني لتطبيق الإعلان السياسي ومساندة السلطات الانتقالية من أجل النجاح التام لمهامها ووظائفها المختلفة.
فيما يرى مراقبون أن الإعلان السياسي الذي تسربت نسخته أخيراً يعبر عن وجهة نظر كاتبيه وحتى الآن يعتبر وجهة نظر، ولم يحظ حتى الآن بإجماع من الفرقاء المشاركين في العملية السياسية، وأبرز ما احتواه الإعلان السياسي أنه يعيد الأوضاع إلى ما قبل (٢٥) أكتوبر ويعمل على تكريس الوضع السابق بدرجة أكبر وأقوى، مما يعني إفراغ القرارات التي اتخذها الجيش في (٢٥) أكتوبر من محتواها وإعادة الأوضاع كما كانت عليه، وتكريس للوضع القائم السابق بإعادة سلطة (الحرية والتغيير) مع بعض الشركاء، وإعادة نفس السياسات التي كانت موجودة بما في ذلك إعادة الحديث عن الإصلاح الأمني وإعادة إدماج كل الحركات داخل الجيش، وهذه الفقرة تعبر عن ذات الأفكار التي عبر عنها فولكر بيترس رئيس البعثه الأممية الذي قال إنه لا حل أمام الجميع إلا بإدماج كافة الحركات داخل الجيش تحت قيادة سياسية مدنية، وأضافوا أن تبني الميثاق لرؤية فولكر يعني أنه استمع لآراء عناصر غير سودانية وتجاهل عناصر سودانية في الساحة السياسية، مما يعني أنه ميثاق مخترق وتم توظيفه لصالح مجموعات محددة.
وأشار المراقبون إلى دعوة الميثاق إلى ضرورة تدخلات خارجية، وقالوا إن هذا يعني رهن الإرادة الوطنية لأنها لم تستكمل دائرة الشورى مع الأحزاب والكتل السياسية السودانية وفي ذات الوقت تطلب دعم عناصر خارجية وإقليمية، مما يعني أنها خاضعة لإرادة خارجية.
ووجد الميثاق السياسي معارضةً ورفضاً من داخل المجلس المركزي للحرية والتغيير ذاته، حيث قال القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير أحمد حضرة لـ (سوق عكاظ) إن مسودة الميثاق جاءت معنونة باسم (الحرية والتغيير) مؤكداً أنها ليست باسمه، وأضاف أن (الحرية والتغيير) لم تناقش الميثاق ولم تشارك في إعداده، لافتاً إلى أن من شارك في إعداده بعض المكونات بصفتها الذاتية وليست كحرية وتغيير.وشدد حضرة على أن (الحرية والتغيير) لم تناقش الميثاق المطروح حتى تجيزه، وشدد على أن الميثاق لا يمثل الحرية والتغيير، معلناً رفضها له في مجمله، وقال إن موقف (الحرية والتغيير) واضح بأن الميثاق يمضي في خط شرعنة الانقلاب وشرعنة الاتفاق بين حمدوك والبرهان، وأنها لن تدعم الاتفاق وموقفها واضح منه.
ومن جهته قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر لـ (الإنتباهة) إنه لم تتم مخاطبتهم بالميثاق السياسي بطريقة رسمية، وأضاف قائلاً: (لكن ما رأيناه في الإعلام هو ميثاق يحتاج إلى تعديلات كثيرة)، لافتاً إلى أنه اعتمد على الوثيقة الدستورية التي قال إنها بيوم (٢٥) أكتوبر انتهت ولكنه اعتمد عليها في جانب كبير، مؤكداً أن هذا الميثاق لن يخرج الناس من الأزمة.
أحلام ظلوط…
فيما وصف سياسي بارز تحدث لـ (سوقع كاظ) مفضلاً حجب اسمه، الميثاق السياسي بـ (أحلام ظلوط)، وقال إن القائمين عليه لا يرغبون في استيعاب الواقع الذي فرضه (٢٥) أكتوبر، واعتبر ان جلهم يتخوف من قيام الانتخابات لذلك يصرون على الالتفاف حول مركز السلطة وإعادة دور الحاضنة.