تمديد العقوبات.. المهلة الأخيرة ام الابتزاز الغربي

قرر مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان لعام واحد، ولم يفاجئ القرار المتابعين اذ انه كان متوقعاً، خاصة ان وزير الخارجية علي الصادق قد أرسل اشارات على ذلك في حواره مع صحيفة (الوطن) البحرينية قبل اسبوع ويزيد، حينما ذكر ان واشنطون وباريس ولندن تعرقل رفع العقوبات.

وأثارت تداعيات القرار جدلاً واسعاً واحدثت تبايناً كبيراً في الاوساط السياسية والدبلوماسية بالبلاد، حيث اعتبر كثيرون ان الحيثيات التي فرضت ذلك الواقع لم تعد موجودة على الارض لتجديد العقوبات، فيما ذهب آخرون الى ان خطوات مجلس الامن الاخيرة كانت متوقعة.

ورسم تمديد العقوبات لعام اضافي تساؤلات مهمة ابرزها عن خيارات الخرطوم مستقبلاً وتحديداً بعد انقضاء الـميقات الزمني الموسوم بالقرار، وهل ستحدث تسوية تفضي الى ازالة العقوبات ام ان الاوضاع ستستسمر على ما هي عليه.

وقالت الخارجية في بيان لها إن قرار مجلس الأمن وضع قيداً زمنياً مدته (18) شهراً لرفع العقوبات المفروضة على السودان، وجاء بفضل تحركاته الدبلوماسية ودعم المجموعات العربية والإفريقية ودول عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي.

سيف واشنطون

الخبير والمحلل السياسي الكباشي البكري له رأي مغاير، حيث يرى ان تمديد العقوبات تأكيد على ان واشنطون تواصل اشهار العقوبات كسيف سياسي يتماشى مع خططها الاستراتيجية وتقاطعاتها المصلحية والتحولات السياسية، فقد قدمت الانظمة المتعاقبة بالسودان حتى في عهد الإنقاذ وفترات الحكم الانتقالي الحالي بكل أوجهها العديد من التنازلات في هذا الملف، وقدمت الكثير من الدفوعات وحسن النوايا، الا ان كل ذلك تمت مجابهته بتعنت وصلف امريكي واضح واصرار على وضع السودان في هذه القائمة الظالمة التي تضرر منها الشعب السوداني كثيراً بلا اسباب منطقية واضحة.

ويشير الكباشى الى ان العالم اليوم مختلف عن فترات سابقة مضت ما بعد الحرب الباردة والأحادية القطبية التي عاشها العالم، ففي هذا الوقت الذي تتشكل فيه رؤية عالمية جديدة وفقاً لكثير من التحولات والتغيرات الدولية التي يعيشها العالم، على الحكومة السودانية ان تتخير لها موضع قدم بما يتماشى مع مصالحها ومتطلبات شعبها بانفتاح نحو علاقات دولية استراتيجية صحيحة.

اتفاقية سلام جوبا

وتعيش البلاد على وقع أزمة معقدة تمخضت عنها اوضاع اقتصادية صعبة لما يقارب العام ويزيد، ولم يصل الفرقاء لتسوية او توافق سياسي ينهي حالة الجمود السياسي ويفضي لتشكيل حكومة مدنية وصولاً للانتخابات.

ويرى مراقبون انه ينبغي على الخرطوم الاستعداد الجيد وحصر خياراتها التي ستتعامل بها حيال ملف العقوبات المفروضة من قبل مجلس الامن، وذلك بالتركيز على تسوية دولية بجانب تكثيف الجهود في ترجمة اتفاق سلام جوبا بكامل مصفوفاته على أرض الواقع، بجانب الدفع بالفرقاء السودانيين للتوافق.

وامتنعت موسكو وبكين عن التصويت من جملة الـ (15) صوتاً لتمديد العقوبات، وهو ما يفسره البعض بان واشنطون تسعى لحصار السودان واستمالته للمعسكر الامريكي الغربي وعدم انجرافه للاتجاه شرقاً خاصة في ظل الصراع الدولي القائم بين معسكري الولايات المتحدة الامريكية وروسيا.

نائب السفير الصيني لدى الأمم المتحدة غينغ شوانغ اشار الى أن العقوبات عفى عليها الزمن، ويجب أن ترفع لأن الأمور تشهد تحسناً على الأرض، فيما كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد تعهد الشهر الماضي خلال زيارته للبلاد بإسناد جهود الأخيرة لرفع العقوبات في أروقة مجلس الأمن.

واقع الحال في دارفور

والناظر لتفاصيل القرار الذي اثار لغطاً واسعاً يرى ان ثمة تسوية ما تمت، حيث ان الاتفاق الذي تم بين المجموعة الاوروبية والعربية ستظهر أثاره بعد (١٨) شهراً، حيث يذهب مراقبون الى ان العقوبات سيتم رفعها، وان ما جرى امس الاول من التجديد بمثابة إجراءات روتينية، مستدلين ببيان وزارة الخارجية السودانية الذي اشار بشكل واضح للجهود المكثفة التي قادتها المجموعة العربية من اجل الغاء العقوبات المفروضة على البلاد.

وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أشارت الى ان مجلس الأمن الدولي وضع قيداً زمنياً مدته (18) شهراً لرفع العقوبات المفروضة على السودان وفق القرار الأممي (1591) لأول مرة بعد (18) عاماً، واضافت خلال بيان مساء أمس الاول الخميس ان مجلس الأمن تبنى يوم الأربعاء الثامن مارس الجاري القرار رقم (2672) الذي وضع قيداً زمنياً لرفع هذه العقوبات مدته (18) شهراً، لأول مرة منذ فرض هذه العقوبات قبل (18) عاماً. والبيان تطرق كذلك الى ان ممثلي دول الغابون وغانا وموزمبيق والإمارات وروسيا والصين والبرازيل أشاروا خلال جلسة مجلس الأمن الى أن عقوبات مجلس الأمن التي فرضت بسبب النزاع المسلح في دارفور لم تعد تلائم واقع الحال في دارفور اليوم.

اللجنة الرباعية

ويبدو أن ثمار جهود الخارجية عبر وزيرها علي الصادق كانت بصمتها واضحة على الاقل في ابقاء الوضع كما هو عليه حتى ينتهي أجل الثمانية عشر شهراً التي حددها مجلس الامن لرفع العقوبات، مع توقعات بأن يصل الملف لنجاحات، خاصة ان المشرفين عليه لديهم تراكم خبرات دبلوماسية، حيث يعرفون ماذا يفعلون او يقولون في الوقت المناسب.

وشكلت حكومة الانقاذ خلال فترة حكمها لجنة رباعية تكونت من وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية وجهاز الامن والمخابرات والقوات المسلحة، واستمرت لفترة طويلة في الحوار مع الادارة الامريكية، حيث تكللت بالنجاح في اجتماع القمة الامريكية الافريقية الذي انعقد باديس ابابا وحضره آنذاك الرئيس الامريكي باراك اوباما ومن جانب السودان البروفيسور ابراهيم غندور وزير الخارجية الاسبق ممثلاً لرئيس الجمهورية آنذاك، وهذه اللجنة هي التي احدثت الاختراق الاكبر في العلاقات السودانية الامريكية، حيث تم التنسيق بين وزيري خارجية البلدين.

خلفيات القرار

والعقوبات التي تمّ تمديدها في قرار مجلس الأمن المشار إليه ليست في أصلها عقوبات اقتصادية وإنما عسكرية، حيث فُرضت في عام 2005م بموجب قرار المجلس رقم (1591) الذي فرض حظراً على السفر وتجميداً للأصول على من يعرقلون عملية السلام في دارفور، حيث كان وقتها الأعضاء غير الدائمين هم الجزائر، الأرجنتين، بنين، البرازيل، الدنمارك، اليونان، اليابان، الفلبين، رومانيا وتنزانيا، وتم تبني القرار بأغلبية (12) صوتاً وامتناع ثلاث دول عن التصويت هي الجزائر والصين وروسيا الذين أعربوا جميعاً عن اعتراضهم على استخدام العقوبات الدولية، واعتقدوا أن القرار فشل في الاعتراف بالتقدم الذي أحرزته الحكومة السودانية.

مجلس الامن رحب في ديباجة القرار باتفاقية السلام الشامل في نيروبي ــ كينيا، من قبل الحكومة السودانية وجيش الحركة الشعبية. واعترف بأن على أطراف الاتفاق إحلال السلام ومنع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ووقف إطلاق النار في دارفور. كما أعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء الوضع الإنساني وسلامة عمال الإغاثة، ودعا جميع الأطراف إلى التعاون مع بعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور، ثم تم إنشاء فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن السودان بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1591) الصادر في مارس 2005م وكانت مهمته تتمثل ــ من بين أمور أخرى ــ في مراقبة حظر الأسلحة في دارفور. وكان توماس بيفولي منسق الفريق في الفترة من الخامس من ديسمبر 2007 وحتى الخامس عشر من أكتوبر 2008م، حيث تم تعيينه من قبل الأمين العام كوفي عنان في مايو 2006م للعمل في فريق خبراء الأمم المتحدة كخبير في مراقبة الجمارك والحدود.

وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة استنكر مجلس الأمن تصرفات الحكومة السودانية والمتمردين والجماعات المسلحة الأخرى في دارفور لفشلها في الوفاء بالتزاماتها تجاه المجلس واستمرار انتهاكات وقف إطلاق النار، وكانت هناك غارات جوية من قبل الحكومة التي لم تنزع سلاح المليشيات، وفي هذا الصدد أنشأ المجلس لجنة للإشراف على تنفيذ مطالب مجلس الأمن ضد أطراف النزاع، والتحقيق مع الأفراد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وصدرت تعليمات بإبلاغ المجلس بانتظام عن الحالة، ووضع القرار قيوداً على من يعرقلون عملية السلام في دارفور بما في ذلك حظر السفر وتجميد الأصول، ليدخل القرار حيز التنفيذ في غضون ثلاثين يوماً ما لم يمتثل الطرفان لمجلس الأمن. واختتم المجلس بالتأكيد على أنه سيتم اتخاذ مزيد من التدابير في حالة عدم امتثال أي من الأطراف

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.