اختبار صعب تواجهه دول الخليج في الاختيار بين أمريكا والصين!!
إذا طلب من دول الخليج الاختيار بين إحدى القوتين العظميين واشنطن أو بكين، فقد تواجه علاقة هذه الدول بأمريكا والصين اختباراً عسيراً في وقت قريب،
فمع استمرار تصاعد المنافسية الصينية الأمريكية، يُحتمل أن تواجه دول الخليج في الفترة القادمة سؤالاً صعباً وهو: ماذا ستفعل إذا طلبت منها أمريكا فض الشراكة مع الصين؟
فكما هو الحال مع الكثير من المقاربات في أنحاء العالم، غيَّرت الجائحة والتراجع الاقتصادي المرتبط بها المقاربة التي تصيغ شكل النقاشات حول أمن الخليج، حسبما ورد في مقال لجيمس دورسي، الزميل الأول في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، ونُشر بموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
عادةً ما يجري التعامل مع منطقة الخليج وبقية آسيا باعتبارهما كيانين منفصلين جغرافياً وتحليلياً على الرغم من حقيقة انتمائهما لنفس القارة وتشاركهما علاقاتٍ تاريخية. وتدور النقاشات المتعلقة بالتعاون الإقليمي عادةً حول النفط والتحويلات المالية التي يرسلها العمال المغتربون.
ويعتري هذا التفكير التقليدي قصوراً في ما يتعلق بإظهار التقدير للعدد الأكبر من المصالح الاستراتيجية المتداخلة بين الخليج وآسيا، حسبما كتب الباحث عرفات كبير في مقال آخر نشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
لكن خلافاً لهذا التقليد، يعالج كتاب مُحرَّر جديد بعنوان “The Arab Gulf’s Pivot to Asia: From Transactional to Strategic Partnerships” (تحول الخليج العربي نحو آسيا: من الشراكات المصالحية إلى الشراكات الاستراتيجية) هذا الأمر. وفكرة الكتاب بسيطة لكنها عميقة (حسب وصف الباحث عرفات كبير): يمكن للعلاقة بين الخليج وآسيا أن تغير البنية الإقليمية التي تكفلها الولايات المتحدة، وبالتالي تستحق اهتماماً أكبر من جانب صانعي السياسات.
فراغ تشعر به المنطقة
وبات اللاعبون الإقليميون في المنطقة (السعودية والإمارات وقطر وإيران وتركيا وإسرائيل) لا يشعرون بأمان بأنَّ أياً من القوى الخارجية (الولايات المتحدة والصين وروسيا) تمثل شريكاً أمنياً وجيوسياسياً موثوقاً.
تُعَد علاقة دول الخليج بأمريكا والصين هي المشكلة الواضحة التي يتجنَّبها الجميع.
فعلى الصعيد المنطقي تُعَد الصين ودول الخليج في نفس المركب، لأنَّهما تواجهان حالة عدم اليقين بشأن الترتيبات الأمنية الإقليمية الحالية.
فكما هو الحال مع دول الخليج، لَطالما اعتمدت الصين على المظلة الدفاعية الأمريكية لضمان أمن تدفق الطاقة والبضائع الأخرى عبر المياه المحيطة بالخليج، فيما أطلقت عليه الولايات المتحدة “الركوب المجاني”.
وهناك مؤشرات على أن بكين تفضل الهيمنة الأمريكية على هذه المنطقة، رغم أهميتها الاقتصادية المتزايدة لبكين، إذ لا تريد الصين تحمل العبء الأمني والسياسي في هذه المنطقة، خاصة في ضوء علاقتها الوثيقة مع إيران ودول الخليج العربية على السواء.
الصين وتجنب المعضلة الإيرانية في الخليج
وترى الصين إمكانية توسيع نطاق الترتيبات الأمنية تحت مظلة الدفاع الأمريكي بدلاً من إحلالها في الخليج، وذلك من أجل تخفيف حدة التوترات الإقليمية.
تعتقد الصين أن النهج متعدد الأطراف قد يتيح لها مواصلة تجنب التورط في النزاعات والصراعات في الشرق الأوسط، لا سيّما النزاع السعودي – الإيراني.
وبالتالي الوضع الحالي الذي تمثل فيه الصين أكبر مشتر لنفط المنطقة وشريك تجاري ضخم لها، بينما أمريكا هي حاميها العسكري والأمني وراعيها السياسي، وضع مفضل لدول الخليج والصين على السواء، ولكن أمريكا هي التي قد تريد تغييره، عبر احتمال مطالبتها لدول الخليج بفض أو الحد من شراكتها المتنامية مع بكين.
دول الخليج والسؤال الصعب
وفي ظل اقتراب إدارة بايدن من تشكيل تكتل دفاعي مع أستراليا واليابان والهند –أو ما يُعرَف بـ”الرباعي”- من أجل التصدي للنفوذ الصيني في ما تُسمَّى منطقة “المحيط الهندي والهادي”، فإن أمريكا قد تضغط على دول الخليج لاتخاذ مقاربة جديدة مشابهة لهذا “الرباعي” في التعامل مع الصين أو على الأقل الابتعاد عنها.
ولكن يُعتقد أن واشنطن ربما بالغت في تقدير الدعم الذي تأمل أن تحصل عليه في حال قررت أن تجعل دول الخليج تختار الانحياز إلى أحد الطرفين خلال عملية التنافس الاستراتيجي الشامل المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، حسب عرفات كبير.
لعل عقوداً من التداخل في هذه المنطقة العرضة للصراعات قد ساعدت صناعة الدفاع الأمريكية، لكنَّها بالكاد أسهمت في تحسين مصداقية الولايات المتحدة بين الفاعلين الرئيسيين، الذين يحاولون ربما الخروج من حلقة الماضي المفرغة وصياغة طريق جديد نحو الازدهار.
كما أنهم يجابهون حقيقة أنَّ احتياطيات النفط ليست قابلة للتجدد. وكذلك الطلب عليها، في حين تتجه الاقتصادات الكبرى نحو الطاقة المتجددة.
دول الخليج تحتاج لكلى الدولتين العظمتين
يجب ملاحظة أن علاقة دول الخليج بأمريكا والصين معاً لا غنى عنها لهذه الدول بسبب طبيعة المنطقة المعقدة، والتغييرات في سوق الطاقة والالتزام الأمريكي بأمن المنطقة على السواء.
إذ تحتاج بلدان الخليج إلى مشترين موثوقين لسلعتهم التصديرية الأساسية، وكذلك لشركاء تجاريين. والصين ملائمة لكلا الأمرين، باعتبارها الآن أكبر مستورد للنفط الخام.
وبحسب كريستوفر كولي، الأستاذ بكلية الدفاع الوطني في الإمارات والذي ساهم بكتابة فصل في الكتاب، تشتري بكين ما بين 44 إلى 56% من إمداداتها السنوية من الشرق الأوسط. وتشير التقديرات إلى أنَّ الصين ستستمر في التمتع بشهية قوية للنفط، ما يجعل منها زبوناً مربحاً جداً لدول الخليج بدرجة لا يسع معها تلك البلدان أن تخسره.
في الوقت نفسه، وسَّعت الصين كذلك استثماراتها في منطقة الخليج بشكل كبير. وهي أيضاً من بين البلدان الآسيوية الأربعة الكبار، إلى جانب اليابان والهند وكوريا الجنوبية، التي يتجاوز حجم تجارة مجلس التعاون الخليجي معها تجارته مع الولايات المتحدة أو أوروبا. بالتالي، ليس صعباً تصوُّر أن تحافظ دول الخليج على استقلالية استراتيجية عن الولايات المتحدة حين يتعلق الأمر بالتجارة والاستثمار، وعلى المسؤولين الأمريكيين القبول بهذا التطور، حسب ما كتب عرفات كبير.
دول الخليج تشعر بتخلي أمريكا عنها
لا شك في أن الخليج ينتقل تدريجياً من الترتيبات الأمنية أحادية الجانب إلى نهج متعدد الأطراف، ولكن علاقة دول الخليج بأمريكا والصين هي التي تعقد هذا الانتقال.
وازداد الإحساس بتراجع الالتزام الأمريكي تجاه أمن الخليج في أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت النفط السعودية والرد الأمريكي الذي عزز الشكوك (الضعيف) حول مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية.
وعزز الشكوك أيضاً توجه السياسة الأمريكية، بدءاً من إدارة أوباما واستمر في إدارة ترامب، الذي يشير إلى إعادة تقييم اهتمامات ومصالح الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط.
ولذا يُرجَّح أن تجد الولايات المتحدة الأمر أصعب حين تحاول إقناع الدول الخليجية بالحد من انخراطها مع الصين، حسب جيمس دورسي.
الحيرة الإماراتية نموذجاً
تمثل الإمارات تحديداً نموذجاً فجاً لهذه الحيرة المترتبة على علاقة دول الخليج بأمريكا والصين، التي أصبحت معقدة أكثر من أي وقت مضى.
إذ تقدم أبوظبي نفسها لواشنطن كصديق أحرص على مصالح الغرب في المنطقة من نفسه، خاصة في حربها ضد الديمقراطية والإسلاميين، ولكنها أيضاً من أكثر دول الخليج احتفاظاً بعلاقة قوية مع بكين.
مسؤولو الإمارات يؤكدون للولايات المتحدة مفادها أنهم ينظرون إلى العلاقات مع واشنطن باعتبارها لا غنى عنها، ولو أن هذا لم يخضع للاختبار بعد حين يتعلَّق الأمر بالصين. لكنَّ تأكيد المسؤولين الخليجيين على أهمية العلاقات لن يحميهم من المطالبات الأمريكية بإعادة مراجعة علاقتهم مع الصين والحد منها، كما لن يحميهم من تحذيراتها من أنَّ التعامل مع هواوي قد يُعرِّض الاتصالات الحساسة للخطر، لاسيما بالنظر إلى وجود العديد من القواعد الأمريكية في المنطقة.