إن اعتماد جميع الأطراف السورية التدخل الأجنبي سلاحاً رئيسياً في رهانها لربح الحرب ضد الأطراف الأخرى، ليس بالأمر الجيد كما يقول أرباب السياسة في الوطن العربي .
تشريد الآلاف
دخول العديد من الدول الغربية في الصراع السوري أسهم في قتل الكثير من الأبرياء وعمل على تشريد الآلاف إلى دول الجوار، وبات المواطن السوري هو المتضرر الأكبر لما يحدث في بلاده .
ليس هناك شك عن أن دعم الدول الأجنبية لأطراف سورية على حساب آخرى ساعدد على التطرف في المواقف، كما أسهم في قتل روح الحوار أو البحث عن حلول سياسية تفاوضية، وكانت نتيجة ذلك تجذير الانقسام بين القوى السورية، قبل التخلي المفاجئ عن دعمها وتركها لمصيرها، من دون قدرة على الحسم العسكري.
المتابع للمشهد السوري يمكنه أن يدرك جيداً بأن التدخلات الخارجية في الملف السوري منذ بدء الأزمة، حوّلت المشهد السوري إلى ملعبٍ للصراعات الدولية الكبرى وهنا الحديث عن روسيا التي تدعم النظام السوري وعن تركيا التي تدعم المعارضة السورية .
لا شك أن سوريا صارت بيتاً منهوباً بلا أسوار، ما دعا كل من هبَّ ودبَّ إلى أن يتدخل في شؤونها سياسياً أو عسكرياً .
أمريكا وتركيا
جاء التحوّل الأخير في الموقف الأمريكي، والذي قاد إلى ضوء أخضر لتركيا لتنفيذ عدوان عسكري شمالي سوريا أخيراً، ضمن تلك التحوّلات الفاصلة التي يشهدها الملف السوري .
إن التدخل التركي في سوريا جاء ليحقق جملة من الأهداف السياسية التي كانت تسعى إليها تركيا، بما عزز موقف أنقرة كلاعب رئيسي وطرف فاعل بالملف السوري .
وحققت أنقرة بعض المكاسب في ضوء التحوّل الأخير في الموقف الأمريكي، بما ينعكس على مسار العلاقات بين الدول المنخرطة في الملف السوري .
قلق متنامي
هناك قلق حقيقي من أن تؤثر تلك التطورات (على الأرض) على المسار السياسي السوري الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد الآخر، في ظل معاناة المواطن السوري الذي أصبح هو الضحية الأكبر لكل هذه التقاطعات .
لكن في الوقت ذاته فإن التفاهمات الروسية التركية بشكل خاص، لا سيما اتفاق إدلب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد عمل على تهدئة الأوضاع نوعاً ما في إدلب .
توافق تاريخي
العلاقات الروسية التركية كبيرة ومتأصلة للغاية إذا كان الأمر يتعلق بالجوانب السياسية أو الاقتصادية، ففي التبادلات التجارية بين البلدين يقدر أجمالي الفوائد التي يحصل عليها الطرفان بمليارات الدولارات بشكل متواصل .
ولا يخفى على أحد أن هناك توافقات روسية-تركية في العديد من الأمور في الملف السوري، وهذه التوافقات لا تعني تطابق وجهات النظر في سوريا ، ولكن فقط تأتي في إطار الشد والجذب بين كل من الموقف الروسي والأمريكي تجاه تركيا .
الشد والجذب بين الجانبين يأتي في خطٍ متوازٍ مع تلك التفاهمات التركيّة الأمريكية.
وبالنسبة للعلاقات التركية-الأمريكية فيما يخص الشمال السوري، ليس هناك اختلافات كبيرة، فواشنطن اختارت أنقرة بصفتها الحليف الاستراتيجي لها، وبصفتها الجيش رقم 2 في حلف شمال الأطلسي «ناتو» من حيث العدد بعد الولايات المتحدة .
وذلك لأن تركيا أيضاً عمود مهم من ضمن أعمدة حلف الناتو، ولا يمكن للأمريكان أن يختاروا حلفاءهم الأكراد ويتركوا تركيا .
أما بالنسبة لروسيا فهناك رغبة منها في «إبعاد تركيا عن الولايات المتحدة وحلف الناتو عن طريق التقاربات العديدة معها .
