عثمان ميرغني يكتب اقتراح حاسم.. قبل ساعة الصفر
من أول يوم اكتمل فيه توقيع الاتفاق السياسي الإطاري كتبت هنا وقلت: إن أي تأخير في الوصول إلى الاتفاق النهائي يعني تضييق التفاف الحبل حول رقبة الإطاري، وها هي الأيام تثبت أن القوى السياسية غير مدركة لعامل الوقت، وبدلاً من المضي بسرعة نحو الاتفاق النهائي فإذا بها تدخل في مزيد من الصراعات والتشظيات وبات في حكم المتوقع أن تقفل حسابات العام 22 دون الوصول إلى المحطة السعيدة، توقيع الاتفاق النهائي لاستعادة الحكومة المدنية.
وبصراحة – رغم أن البعض يفضِّل مبدأ خلوها مستورة- قوى الحرية والتغيير هي المسؤولة عن هذا الوضع، بل تكرار الخطأ ذاته في كل مرة لتحصل على النتيجة ذاتها. فبعد انتصار ثورة ديسمبر في 11 أبريل 2019م، كتبت هنا وقلت إن أي يوم يمضي سيعقِّد تكوين حكومة مدنية والأجدر أن تحسم قوى الحرية والتغيير أمرها وتمضي في اتجاه تسلُّم الحكم كاملاً بلا شراكة.. لكن وفد الحرية والتغيير المفاوض اختار التلكؤ وإضاعة الزمن في خلافات جانبية بين عضوية التحالف، فكانت النتيجة مجزرة ساحة القيادة، ثم رغم أن الشارع استعاد القوة مرة أخرى بعد مواكب 30 يونيو 2019م، إلا أن الحرية والتغيير عادت لمربع الشراكة بالوثيقة الدستورية تحت ذريعة، هذا أقصى ماهو متاح.
ثم كان الفشل الوخيم لحكومتي حمدوك الأولى والثانية ودخول الحكم مرحلة الاشتباكات اللفظية المباشرة مع المكوِّن العسكري الذي لم يجد صعوبة في قلب الطاولة دون حاجة حتى لعزف المارشات العسكرية في ظل غياب غالبية مؤسسات الدولة خاصة التشريعية والرقابية والعدلية والمفوَّضيات.
والآن بعد أن دفع الشعب السوداني ثمناً فادحاً من دماء أبنائه أكثر من 120 شهيداً، وآلاف الجرحى، وصل القطار محطة الاتفاق الإطاري، وعلى علاته شجعنا التوقيع عليه ليس من أجل الإطاري، بل لاستعجال طي صفحة المرحلة الانقلابية بتوقيع الاتفاق النهائي، ولكن كالعادة تنجح قوى الحرية والتغيير في تحويل الإطاري نفسه لمعركة جديدة في ضفة القوى السياسية المدنية، والتي وصلت حتى الآن مرحلة مغادرة حزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل” ويقترب القطار من مرحلة مغادرة حزب الأمة القومي.
في ظل هذا الوضع لن تدفع الأحزاب الثمن الفادح لأخطائها، بل يدفعه الشعب السوداني من عزيز دماء أبنائه ومن حر مال فقره المدقع.
وطياً لكل هذه المراحل الخاسرة، اقترح أن نبتدر طريقاً جديداً بما تيسَّر من عملية سياسية استثنائية لإخراج السودان من الجُب أولاً قبل البحث عن الطريق المتجه نحو بقية الحلول المستدامة.
أن يتشكل تحالف سياسي بقيادة، وأكرر بقيادة وليس كل التحالف، حزبي الأمة القومي والاتحادي الديموقراطي، يتولى تسلُّم الحكم رسمياً من المكوِّن العسكري، ثم تشكَّل حكومة مدنية متوافق عليها تتولى هي إدارة الحوار بين المكوِّنات المدنية في القضايا التي كانت محل خلاف لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية.
هذا حل عملي مباشر قصير المدى لإخراج البلاد من الحفرة التي فيها، ثم يتوفر الزمن المناسب بعد ذلك للاختلاف حول التفاصيل.
وأهم ما يحققه هذا المقترح أنه يطلق سراح الشعب السوداني الذي توقفت حياته تماماً منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.