عثمان ميرغني يكتب كشكشة الحل


في الفيسبوك وتويتر وغيرهما من وسائط التواصل أصدقاء بمئات الآلاف، أكتب تعليقات فيردون عليها من كُلٍ حسب مبلغ علمه وقدره العقلي وسعته التفاعلية، و بالضرورة البعض موظفين من البعض لإفساد الحوار العقلاني وهم معذرون إن كان ذلك كسب عيشهم ورزق أولادهم..على رأي شاعرنا المرهف محجوب شريف في قصيدة “الغويشاية”..

(عفيتك لو بِقَت سكر

وشاهي وزيت..

عفيتك لو كسيت امك

صرفت روشتة الوالد

وراحت في إيجار البيت..)

الأغلبية الكاسحة من أصدقاء الوسائط يتحاورون ويتفقون أو يختلفون بمنتهى العقلانية والموضوعية، ولهذا درجت على الاستفادة من هذه القوة العقلية الهادرة لأصدقائي الإسفيرين بان أكتب مداخلة مختصرة ثم أتمعن في كل سطر من التعليقات التي يتفضلون بها.. كأني تلميذ ينتظر من أستاذه تصحيح ورقة الإجابة على الإمتحان.. ودائما ما أجد فكرة جديدة، أو تصحيحاً لرأي كنت أظنه صواباً، أو حتى تعضيداً ربما لفكرة كنت أتردد في تقييمها..

أمس، كتبت في الفيسبوك (لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها .. ولكن أخلاق الرجال تضيق..السودان يعادل 163 مرة مساحة الشقيقة دولة قطر.. التي تستضيف الآن العالم كله..لا أحد يشكو من الآخر.. و نحن بكل مساحتنا وخيراتنا ما قادرين نعيش مع بعض،فضلاً عن الأجنبي)..

وطبعاً تلقيت مئات التعليقات، رددت على كثير منها، لكن لفت نظري تعليق كتبه الأستاذ عادلإبراهيم أحمد ، قال (السودان بلد فقير لأن ثرواته مدفونة ومنهوبة وسواعد أبنائه مغلولة لذا كل واحد يضرب في الآخر ويلعن حظه.. لو تفجرت طاقاته ستذوب الخلافات. يا أستاذ الكاش بقلل النقاش.. المال يميت ويحلحل كل الخلافات..)

الحقيقة، عبارة (الكاش يقلل النقاش) تصلح مفتاحاً لكل مشاكلنا الوطنية، من أكبرها إلى أصغرها.. ليس بالمعنى المباشر لهذه الجملة الشعبية الشهيرة.. بل بالمعنى الفخيم لتعويم القيم الأخلاقية التي يقوم عليها عماد الدولة.. كيف؟؟ سأشرح لكم..

أنشودة ثورة ديسمبر على ألسنة الشعب كانت (حرية ، سلام، وعدالة) و الكلمات الثلاث لها مدلول قيمي غير محسوس.. تصلح لاستثارة الهمة الثورية لكنها إن لم تتحرك من مكانها في لوحة الجدران لتمشي على الأرض تظل مجرد هواء يخرج من القصبة الهوائية في الهواء الطلق..

مفتاح الحلول في بلادنا هو تحويل القيم إلى مدلولات ملموسة عداً نقداً.. مثلاً:

عندما نطالب بـ”دولة القانون” كثيرون يفهمونها على أنها متلازمة العوز النخبوي، عبارة والسلام.. أشبه بحكاية “جمهورية السودان الديموقراطية” في عهد الدكتاتور نميري.. فالسودان لم يتسم بالديموقراطية إلا في عهد الدكتاتورية..

تحويل القيم إلى مدلولات ملموسة عداً نقداً، يعني وضع المعايير والأسس و منهج الخطاب و العمل السياسي الذي يجعل الشعب مقتنعاً ومدركاً للمصلحة المباشرة، وأكرر (المباشرة) العائدة عليه شخصياً من هذه القيم..

الحرية ليست مجرد حرية الجهر بالقول و الفعل، بل و العائد على الإنسان مباشرة من قدرته هو والآخرين على التعبير الحر عن ضمائرهم.. وهو ما يسمى اصطلاحاً بـ”الإبداع”، ترتفع قيمة الإنسان كلما استطاع أن يوسع استخدامه لعقله و قدراته.. ومجموع ذلك يشكل قدرة الوطن الإبداعية لصناعة المستقبل المشرق.

العدالة، هي ليست مجرد مؤسسات عدلية وإجراءات وقانون وعقوبات فحسب، بل هي طمأنينة الحال الذي يسمح للإنسان أن يعمل ويجتهد بلا خوف على نفسه وماله وعرضه، و تجلب الاستثمار الذي يبحث عن الملاذات الآمنة.. آمنة تحت ظل العدالة..

وهكذا.. تحويل القيم إلى عائد ملموس في ذهن الإنسان السوداني يجعله قادراً على ترفيع معنى (الكاش يقلل النقاش) لتصبح كل قيمه “كاش” يحرص عليها حرصه على كيلو ذهب يرقد في خزينة بيته

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.