عثمان ميرغني يكتب.. من يطلق الرصاصة الأولي؟!

لبنان التي بلغت مرحلة القتل على الهوية، تقام الحواجز المسلحة في كل شوارع بيروت، وتتفرس الأعين في الهويات العابرة، فإذا كانت دلالات الاسم تكشف عن ارتباط جيني أو ديني بجهة أخرى، يصدر حكم الإعدام وينفذ فورًا في الشارع العام.

بل أحيانًا كانت آلة القتل تقتات بأجساد كثيرة لا يربط بينها رابط مثل تفجير دار للسينما حصد المئات من مختلف المكونات والأعمار رجالًا ونساءً وأطفالًا.

وسيناريو دولة رواندا التي حصدت فيها آلة القتل المجاني أرواح مليون خلال 3 أشهر فقط، عمل إجرامي لو أسند إلى مقاول لما أكمله بهذه الكفاءة على المدى الزمني القصير الذي نجح فيه خطاب الكراهية بجعل الزوج يقتل زوجته إن كانت من غير مِلته القبلية.

الحرب ليست أُمنية أحد، لكنها بالضرورة قد تكون همسة خاطئة في أذنٍ قابلة لسماع نصيحة بأنها (ضربة سريعة خاطفة) بعدها ينتهي الخطر وتستوي الأوضاع، وهنا مكمن الخطر الحقيقي في الحالة السودانية، المشاؤون بالنصيحة المدمرة، نصيحة الضربة الخاطفة القاضية.

هناك من يقدمون النصائح بأن ترتيب الأوضاع لم يعد هبة الحوار والمجادلات والمجاملات، بل فرض الوضع بالقوة، وأن الأمر ليس أكثر من عملية جراحية عابرة وسريعة تريح جسد الوطن من الآلام التي لم يعد قادرًا على احتمالها.

ومن هنا يُولد القرار الخطأ، بالحسابات الخطأ، فتكون النتيجة اندلاع حرب شوارع تتخذ من المواطنين دروعًا بشرية، فتتسع بحيرة الدماء ويطول أمدها و يصبح أغلى ما يتمناه المواطن السوداني أن ينجو بنفسه و أهله.

ولن يكون لهذه الحرب منتصر بل يستوي الجميع في الخسارة، وأول خسارة هي ضياع الوطن الواحد الذي يتشظى في عدة أوطان بينها ما صنع الحداد.

كل هذا السيناريو المخيف يمكن تجاوزه بأمان إذا رشُد من بيدهم القرار، من عسكريين وساسة، وجلسوا ساعة واحدة مع “كوب شاي”، بلا غشاوة ليكتشفوا أنه أصلًا ليست هناك مشكلة بمثل هذا الحجم، وأن الحل أقرب إليهم من شِراك نعالهم.

الحل يبدأ من التوافق على حكومة تنفيذية تتولَّى إدارة البلاد في الوضع الراهن، ثم تبتدر حوارًا بين الجميع ساسة وعسكريين للتوافق على المستقبل، وبمجرد تكوين الحكومة المدنية يستعيد السودان مقعده الخالي في الاتحاد الأفريقي وشراكاته الدولية الثنائية مع الدول المهمة وتعاون المؤسسات المالية الدولية خاصة برنامج إعفاء السودان من الديون الباهظة والذي وصل مرحلة متقدمة ويكاد السودان يخرج من عنق الزجاج الذي ظل يكبّل اقتصاده.

حكومة تصريف أعمال بتفويض لمدة 3 أشهر فقط، تسند إلى شخصيات وطنية مستقلة تحظى بالقبول العام، جماهيريًا وسياسيًا، وما أكثر الشخصيات السودانية المبجلة التي لن تستنكف عن هذه المهمة الوطنية اذا ما طُلِبُوا.

هذا الحل يُطفئ هواجس الحرب، لأنه يستعيد الدولة السودانية في قوامها المؤسسي، ويفسح المجال واسعًا بلا توتر لكل الأطراف للانخراط في حوار قومي بنَّاء مهما طال زمنه لن يفسد عجلة الحياة العادية للمواطن الذي سيفصل مقاديره عن مقادير الأزمة السياسية.

وعلى الرغم من الظلام الدامس، إلا أن خيوط الفجر تشرق من عدة منافذ، أولها إحساس الجميع بأن البحث عن حل هو الحل.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.