قنبلة موقوته..مجلس البجا.. خلافات متجددة تهدد العملية السياسية


على نحو غير متوقع أعلن الزعيم القبلي بشرق السودان محمد الأمين ترك انضمامه لائتلاف الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، والتي تعتبر كُتلة تؤيد وتبقى على إتفاق سلام جوبا الذي قام الزعيم ترك بقيادة تصعيد مناهض له، وتأتي خطوة ترك في وقت تمر فيه البلاد بعملية سياسية قد تفضي إلى توافق بين المكونين المدني والعسكري بعد ما يزيد عن العام الآن، وكان المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة قد واجه انقسامًا احاله لكتلتين كتلة تناصر ترك وكتله أخرى مناوئة له، وأثرت عودة آخر رئيس وزراء بحكومة الإنقاذ محمد طاهر إيلا في جمع المكونين لمحطة التأسيس بعد خلاف حاد استمر لأشهر، وتسببت خطوة تِرك الأخيرة بانضمامه للكتلة الديمقراطية في سخط الكتلة المناوئة في المجلس وإعلانها للتصعيد المتدرج في الإقليم.
من جانبه، قطع الناظر محمد الامين ترك بأن لا عودة لمسار شرق السودان ضمن اتفاق جوبا للسلام، وأكد ترك بأن هناك من يروجون لتنازلهم عن مطلب إلغاء مسار شرق السودان ووصفهم بالمنافقين، مؤكدا تمسكه بالمطلب.
وقالت الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة إنها متمسكة بالمسار، وأكد الامين السياسي للجبهة، جعفر محمد الحسن بأن وجودهم مع ترك في الكتلة الديموقراطية لا يعني تنازلهم عن مسار شرق السودان، معددا المكاسب التي حققها الاتفاق، وأبدى الحسن استعدادهم للنقاش حول الاتفاق في مؤتمر يجمع مكونات شرق السودان.
إلى أي مدى سيؤثر التصعيد على العملية السياسية الحالية والاتفاق الإطاري، وما ستكون اسقاطاته على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الإقليم؟

تفاقم الصراع حول السلطة
يقول رئيس حركة بلدنا جعفر خضر إن إنضمام رئيس المجلس السابق محمد الأمين ترك نائباً لرئيس ما يسمى بالحرية والتغييرالكُتلة الديمقراطية، التي تضم أصحاب مسار جوبا يتناقض مع مواقفه المتشددة السابقة.
وتابع خضر لـ”الجريدة”: في حقيقة الأمر قد تم توظيف ترك والمجلس لخدمة الانقلابيين عبر إغلاق الطريق القومي والمشاركة في “اعتصام الموز” تمهيدا للانقلاب، وأنه الآن تتم إعادة توظيف ترك لخدمة مصالح ما بعد التسوية، ومضى “من المؤسف أن الكثير من قيادات البجا يعملون لتحقيق مصالحهم الشخصية ويتركون أهلهم للفقر والجوع والمرض، ومعظمهم يعمل على زيادة النعرة القبلية وتوظيف المواطنين لخدمة خطوط سياسية معينة”.
ولفت خضر لتأكيد أوبشار ومجموعته على تمسكهم بإلغاء مسار شرق السودان، وأنه ربما يقبل ترك بحل وسط في إطار التسوية، ما سيتفاقم الصراع حول السلطة، كما يقول.
وأشار خضر إلى أن الإقليم الشرقي قد ظل يعاني من الأطماع الإقليمية بالتعدي على أراضيه كما في حلايب والفشقة، والأطماع على موانئه، وقال”لا نعرف كمية الذهب التي ذهبت إلى فرنسا، بجانب رغبة الروس في تكوين قاعدة عسكرية في الشرق، وممارسة شركات مصرية لجرف الاسماك والشعب المرجانية بالصيد الجائر، ومعاناة الشرق من نهب موارده، ومشاكل الحــدود وتدفق اللاجئين والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة لتجار السلاح”، لافتًا إلى أن معاناة إنسان الإقليم تتضح في الفقر المدقع والعطش المقيم والأمراض المتوطنة وانعدام التنمية وضعف التعليم وانعدام الطاقة والكهرباء في معظم المناطق، وتدمير الغابات والاعتداء على مسارات الرعاة وتخريب البيئة.
منوهًا إلى أن الحل يكمن في تضافر الجهود لحل القضية في إطار الحل الشامل للأزمة السودانية الذي يبدأ بإسقاط انقلاب 25 أكتوبر ومن ثم العمل على إعادة تأسيس الدولة السودانية بتوافق السودانيين على دستور دائم جديد تتم صناعته بمؤتمرات قاعدية يشارك فيها المواطنون في كل أنحاء السودان ووضع الأسس التي تنهض عليها الدولة السودانية التي لا تميز بين المواطنين على أساس العرق أو اللون أو الدين أو النوع أو غيره.

لا يشكل خطورة
من جانبه وصف الناشط السياسي عبد الإله خليفة إلى أن تحرك ترك تجاه الكتلة الديمقراطية يأتي نتيجة تغيرات سياسية حدثت في الفترة الماضية تباعًا للعملية السياسية التي تجري الآن والتي كان أساسها مسودة دستور نقابة المحامين.
ومضى خليفة لـ”الجريدة” وقبول المكون الانقلابي بالوثيقة كأساس للتفاوض، دعا أفراد نداء اهل السودان ذات الطابع “الكيزاني” تغيير تحالفاتها، وتحرك ترك تجاه هذه الكتلة بناء على هذه الخلفية التي تتحرك وفقا للسياسة المصرية الخارجية تجاه العملية السياسية والتي دفعت الميرغني للقدوم وتعقيد المزيد من المشاهد وهو ما تحقق من خلال خلاف أبنائه والتي تميل نوعا ما لكفة الكتلة الديمقراطية بدافع إرباك المشهد وتعطيل أي عملية سياسية من الممكن أن تحدث.
وتابع خليفة “بالنسبة لأبعاد تحرك ترك الداخلية في قضية شرق السودان فبالتأكيد خلافاته داخل المجلس مع مجموعة سيد أبو أمنه ستزيد بناء على خطوته تجاه الكتلة الديمقراطية بالاضافة لعودة ايلا المناطة بلملمة شتات مجلس البجا والتي نسفتها خطوة انضمام ترك للكتلة الديمقراطية والتي من الممكن أن تكون خطوة جديدة من شرق السودان تتسبب في تعطيل العملية السياسية، ولكن هذه المرة لن تكون بنفس معطيات إغلاق الشرق قبل انقلاب 25 أكتوبر بإعتبار أن مجلس البجا هو أداة في يد المكون العسكري كان يستخدمها بغية تعقيد المشهد”.
وأضاف خليفة أعتقد أن المكون العسكري لا يمتلك القدرة الآن لدعم التصعيد الذي سيقوده سيد علي أبو آمنة ومجموعته، لأن المسألة الآن جلية ولا تحتاج أي عصف ذهني، ويتوقع خليفة أن لا يمتلك التصعيد ذات الطابع للتغير الذي طرأ المعطيات السياسية في الشرق، بجانب أن المجموعات التي تخالف ترك الآن هي مجموعات لها علاقة بالإرتزاق السياسي والتكسب المالي ومخاوف إزالة التمكين وهي ستقوم بالتصعيد في هذا الشأن حتمًا لكن تصعيدها لن يكون بنفس الخطورة، كما يقول.

قنبلة موقوته
يقول المحلل السياسي د. الفاتح محجوب إن قضية شرق السودان قضية معقدة لتميزه بتعدد الاثنيات والقبائل وارتباطات بعضها السياسية الخارجية والداخلية، وأن مصالح هذه القبائل والإثنيات تتضارب أحيانًا وبالتالي ليس غريبا أن يتجدد الخلاف بين مكونات مجلس نظارات البجا المستقلة لان توافقها جاء إحترامًا لزعيم الشرق محمد طاهر ايلا، وليس اقتناعا منها بأهمية التوافق.
وتابع محجوب لـ”الجريدة” الخلاف بين من وقعوا مسار الشرق وبين مجلس نظارات البجا المستقلة يعتبر خلاف جذري، وهو ما سبب انضمام مجموعة ترك للاتفاق الإطاري على أمل أن يتم ضم مسار الشرق لاتفاق التسوية السياسية الجديدة، بينما انضم رئيس مجلس نظارات البجا المستقلة للكتلة الديمقراطية على أمل أن يتبنوا معه الغاء مسار الشرق.
وأشار محجوب إلى أن الأمور في الشرق لن تستقر إلى أن تنضج التسوية السياسية المقترحة وأن مصير مسار الشرق يعتبر “قنبلة موقوتة” لأن إلغاء مسار الشرق من دون رضاء المكون المتمترس خلف خالد شاويش ينذر بمشاكل أمنية في شرق السودان، بينما من المؤكد أن عدم إلغاء مسار الشرق سيؤدي إلى حرب أهلية وتمرد خاصة في ولاية البحر الأحمر، لهذا يجب على المجلس المركزي والعسكر التعامل بحكمة بالغة مع ملف شرق السودان وأن لا يتحرجوا من التعامل مع جميع القوي السياسية في الشرق حتى من كانوا ينتمون للنظام السابق أمثال محمد طاهر ايلا، لان الحفاظ علي استقرار السودان رهين بالسلام في شرق السودان، وفقًا لمحجوب.
ولفت محجوب إلى أن التهديد بالتصعيد هو جزء من العملية التفاوضية، خاصة أن كل الأطراف بما في ذلك القوى الدولية والآلية الثلاثية تجمع على أهمية حل قضية شرق السودان واستصحاب رؤية كل ممثلي شرق السودان بما فيهم أطراف المجلس الأعلى لنظارات البجة المستقلة، وما يفهم من تهديدات أوبشار هو أهمية استعجال حل قضية شرق السودان.
مقاومة بورتسودان
وفي السياق، وصف عضو لجان مقاومة بورتسودان عمر طارق الأجسام الأهلية الموجودة في الإقليم بأنها لا تمتلك وجود حقيقي على أرض الواقع، وأنها تتواجد إسفيريًا وعلى المواقع، كما يقول.
ومضى طارق لـ”الجريدة”: فيما يخص المشهد السياسي في شرق السودان، أرى بوضوح تورط أيادي خارجية وإدارتها للمشهد وتحكمها بردود الأفعال، مشيرًا إلى أن تحركات ترك الاخيرة ذات دافع سياسي وتطمح للسلطة و المحاصصات. وأن وجوده الحالي في حلف سياسي يضم الأمين داؤود مهندس مسار الشرق في اتفاق جوبا هو تناقض كبير جدًا، قاد لرفض خطوته من قبل جماعات كانت داعمة ومؤيدة له مُسبقًا.
ونوه طارق إلى أن الرؤية غير واضحة فيما يخص مسألة اتفاق جوبا، لافتًا إلى أن الاتفاق سيشكل “عثره” أمام الإتفاق الإطاري و قضية الترتيبات الأمنية. وقال: “نحن في لجان المقاومه بورتسودان نرفض اتفاق جوبا تماما، ونرى أن المسار لم يحقق جزء صغير من قضايا السلام ولم يخاطب قضايا العدالة الانتقالية التي نرى أنها مهمة محورية”.

مواقف متقلبة
من جانبه وصف الناشط في قضايا إقليم شرق السودان خالد محمد نور خطوة ترك وإعلان انضمامه الرسمي للكتلة بأنها تمثل “نسف” لجهود الجمع بينه وبين المجموعة المنشقة عنه كان يقودها رئيس الوزراء الاسبق محمد طاهر ايلا.
وتابع نور لـ”الجريدة”: “لا أعتقد أن ايا من المجموعتين سيتمكن من التصعيد واغلاق الشرق مرة أخرى بعد انحسار كثير من جماهيريته التي رأت زيف كثير من الشعارات التي رفعها المجلس وتنازل عنها تباعا”، ولفت كذلك إلى عدم توفّر التغطية التي كان يوفرها المكون العسكري سابقًا للضغط على حكومة حمدوك وحاضنتها الحرية والتغيير، على حد قوله.
ونوه نور لعدم وجود تناقض في انضمام ترك للكتلة الديمقراطية على خلفية تصريحات الأخير بأنه ليس ضد اتفاق جوبا بل هو ضد المسار، لافتًا إلى أن المشكلة في تقلب ترك وآرائه ومواقفه وانتقاله المستمر بين التكتلات، مشيرًا إلى إمكانية اتخاذ ترك لموقف مناهض لموقفه الحالي قريبًا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.