ودة الجنرال صلاح القوش وتوازن القوى…

تَدُور المَعلومات حول صلاح عبد الله المشهور بـ(قوش) أشهر رجل مخابرات في تاريخ السودان، من خلال الأدوار التي لعبها، والتي كان يَقُوم بها على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي.

بَرَعَ (قوش) وعَشِقَ علم الرياضيات، ذلك العشق قاده لدراسة الهندسة، والتي كل المساحات والتحرُّكات فيها محسوبة بـ(الملم)، ليست هناك مساحة لأيِّ فراغاتٍ، فكان (قوش) كذلك، يقرأ النتائج قبل أن تصبح واقعاً، إلا في ثورة ديسمبر فلم تكن النتيجة لديه (1+1=2).

لأنّ (قوش) رَسَمَ الخُطة، وحَدّدَ اللعيبة وهَيّأ المَسرح، فَسَقَطَت الإنقاذ، دُون أن يكون قادة المؤتمر الوطني المحلول مُستوعبين لمآلات الأحداث، لثقتهم التامّة في صلاح (قوش)، لم يتسلّل الشك لأيٍّ منهم بأنّ (قوش) يسعى لحصار الملك في (رقعة) مُحدّدة وتحديد حركته إلى أن يسقط.

ليس هناك أدنى شك أنّ (قوش) كان يُريد له موطئ قدم لحكم السودان وهو طُمُوحٌ مَشروعٌ، لكن تَبَدّدَ كل ذلك بعد السخط الكبير الذي وجده، مُنذ انطلاق ثورة دِيسمبر، بِسَبب الطَريقة الفَظّة التي تَعَامَلَت بها قُوّات الأمن وهيئة العمليات تحديداً مع الثوار في الشارع، وداخل الأحياء والبُيُوت، فخرجت من أوسع الأبواب غَير مَأسوفٍ عليها.

الحديث عن صلاح (قوش) مِن حينٍ لآخر ربما قُصد منه إبقاء الرجل في دائرة الأضواء، مِمّا يعني أنّ هناك من يُريد له دَوراً في مُستقبل الأيّام، فهل سيُعود (قوش) مُجدّداً لتحقيق طُمُوحِهِ ذلك؟ ومن أيّة بوابة سيدخل؟

تعاوُن (قوش) في وقتٍ من الأوقات مع الإدارة الأمريكية في مكافحة الإرهاب، وظنّ الكثيرون حينها أنّ أمريكا تُريده أن يكون خلفاً للبشير، ويكاد يكون هذا هو السبب الذي أطَاحَ به من رئاسة الجهاز في العام 2013، دُون أيِّ أسبابٍ واضحةٍ، ومن ثمّ اتّهامه بالمُشاركة في المُحاولة الانقلابية مع مجموعة ود إبراهيم في العام 2012، لكن يبدو أنّ كثرة التقاطُعات في كَابينة القيادة بالقصر، أكّدت للبشير أنّ (قوش) هو الرجل القوي والأمين الذي يُمكن أن يَكُون سدّاً منيعاً لأيِّ اختراقٍ يُطيح بالبشير وحكومته.

علاقات الرجل مع الإمارات أيضاً يُمكن أن تلعب دَوراً في مسيرة الرجل المُستقبلية، باعتبار أنّ الإمارات كانت تقف ضد مشروع الإسلام السياسي في السودان، وهو ما أطاح به (قوش)، وحَقّقَ للإمارات ما تُريد.

في خطب الجمعة قال إمام في الخرطوم ينذر من خطر ما آلت إليه الأمور في السودان ومن المؤامرات التي تحاك ضده، وخاصة من المدير السابق للأمن والمخابرات صلاح قوش، الذي لا يزال يتحرك في صمت للإستحواذ علي السلطة في البلاد، وقد تطرق الإمام إلي أهمية الإتحاد والإلتحام لمواجهة مثل هذه المخاطر التي تحدق بالسودان.
وفي مدخل الخطبة دعا الإمام الشعب السوداني إلى تجنب اتباع الرويبضة وهو الجاهل الذي يدعي أنه صاحب علم، وما أكثرهم في السودان، وحذر من تسليم المناصب العليا لمثل هذا النوع من الناس قائلا: “أننا نعيش في زمان كثرت فيه الفتن والبلايا والمصائب. إنه زمان ملئت فيه الدنيا جوراً وظلماً، وأسند الأمر فيه إلى غير أهله، ونطق الرويبضة، وساد السفيه، وتمكن الخائن، وهذا ما أخبرنا به رسولنا الكريم عن ما سيحدث في آخر الزمان؛ كما في الحديث الذي حدث به أنس بن مالك وأبي هريرة-رضي الله عنهما- حيث قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيأتي على الناس سنوات خداعات, يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادقُ، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق الرُّويبضة)، قيل: وما الرَّويبضة؟ قال:(الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)1. قال ابن الأثير- رحمه الله-: الرويبضة هو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة. والتافه: هو الخسيس الحقير”.

و حذر مما يقوم به صلاح قوش من مؤامرات ضد السودان وشعبه ومن إمكانية استعمال علاقاته الداخلية والخارجية للإنقلاب علي الحكم، داعيا الشعب والسلطة للتفطن لهذا الأمر قائلا: ” تعيش بلادنا المسلمة المؤمنة اليوم العديد من الأزمات، ندعو الله لنا ولكم الصبر وأن يكون هذا خيرًا لنا وأن يغفر الله لنا ذنوبنا جزاء صبرنا على جميع ما ابتلينا به. قد يكون هذا البلاء شيئا بسيطًا مما سيكون في الشهور والسنوات القادمة اذا استمر الرويبضة وفي مقدمتهم رأس الأفعى والشيطان الأكبر المدعو صلاح قوش في محاولاته للسيطرة على السلطة والإنقلاب على الحاكم الشرعي للبلاد. يا أيها المسلمون- جميعنا يعلم نوايا هذا الرويبضة وأمثاله، فهم من قال فيهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر”، وأنا هنا ومن على هذا المنبر لا أقول الا كلمة الحق، حتى ولو كانت في وجه سلطان جائر. هذا الصعلوك الماكر يمتلك من العلاقات الخبثة ما يمكنه من الوصول لمبتغاه بسهولة، فعلاقاته ممتدة حتى مع الشيطان. الشئ الوحيد الذي يمكن ان يوقفه عن تنفيذ مخططاته الشريرة هو انتم. وأنا أثق بوعي هذا الشعب المسلم المؤمن، وبإذن الله ستكون نهاية هذا الشرير على يدكم انتم يا عباد الله. يحاول هذا الثعلب الماكر أن يحيك المؤامرات ضد الحاكم الشرعي للبلاد، وانتم تعلمون حكم من يخرج ضد الحاكم المختار في الإسلام! وكذلك من يحيك المؤامرات وينفذها ضد من اصطفاهم الله للحكم.”

في ظل هذا المشهد غير واضح المعالم، سيظل (قوش) مُتخفياً، تُنسج حوله الروايات والحكايات، وربما الأساطير، بينما يكون هو مُستلقياً على أريكةٍ شاطئيةٍ في مكانٍ ما، يتصفّح هاتفه، من وراء نظارته (الفوتو)، ويحرق مزيداً من السجائر، مُنتظراً تقلُّبات السياسة..!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.