آفاق الحكومة المدنية في السودان.. من يملك السلطة الفعلية؟
طرح تقرير حديث بمعهد الشؤون الدولية بأستراليا تساؤلات عديدة بشأن من يملك السلطة الفعلية في السودان؟، لافتًا إلى أن هناك فرقًا بين من يبدو أنهم يحتفظون بالسلطة في السودان والذين يسيطرون بالفعل على البلاد. على الرغم من أن المجتمع الدولي يبدو أنه يعتقد أن المجتمع المدني والمتظاهرين ولجان المقاومة يمكنهم التعامل مع دولة عميقة ذات موارد جيدة، إلا أن هذا خطأ خطير.
بشريات الخطاب:
واستعرض التقرير الخطاب الذي ألقاه الفريق أول عبدالفتاح البرهان على الأمة في الرابع من يوليو، في وقت يواجه فيه مقاومة متزايدة في الشوارع ووفاة متظاهرين وانهيار اقتصادي، وركز التقرير على حديث البرهان عن عودة القوات المسلحة إلى ثكناتها خروجًا عن السياسة، معتبرًا أنه خطاب مبشر، بالنظر لأن البرهان كان قائدًا للانقلاب الذي أعاق مسيرة التحول الديمقراطي.
واعتبر التقرير أن ما حدث في أكتوبر 2021، كان نتيجة مرجحة لعلاقة تقاسم السلطة غير المحتملة التي نتجت بين العسكريين والمدنيين.
وتساءل التقرير عن وعد البرهان بالانسحاب، وما إذا كان مؤشرًا على إدراكه للخطأ في طريقتهم، أم أن هنالك شيئآ اخر تنطوي عليه اللعبة؟!.
الدولة العميقة:
وتقول البروفيسور آن بارتليت أستاذة الدراسات الدولية بجامعة نيو ساوث ويلز بأستراليا، والتي عملت بالسودان ومنطقة شرق إفريقيا لأكثر من عقدين من الزمان، إن الحكم في السودان منذ الاستقلال، خاضع لسيطرة دولة عميقة بالمعنى الحقيقي لتلك الكلمات، مشيرة إلى أن الدولة العميقة عبارة عن مجموعة غامضة من المصالح، مرتبطة بمجموعة أكثر غموضًا من الفاعلين بالوكالة، والحكومات الأجنبية، وأولئك الذين يتواطأون لدعم التدفقات المالية غير المشروعة والدوافع غير الديمقراطية في البلاد. تعتبر هذه المصالح جزءًا من مجموعة متماسكة بشكل ملحوظ. منذ الاستقلال وما بعده، لم تكن هذه المجموعة من الجهات السياسية والعسكرية معادية على الإطلاق للانقلابات العسكرية، التي تدور في إطار إنقاذ بعضهم البعض.
تقول بارتليت إنه بعد الاستقلال، خلقت هذه المصالح بابًا دوارًا من النخبة والحكام المستبدين حيث يتناوب السياسيون وأصدقاؤهم في الجيش للسيطرة على البلاد. أولئك الذين في القمة بينهم نسب ومصاهرة، ويضعون بعضهم البعض في السجن للتظاهر بالاستياء، وتوزيع موارد البلاد فيما بينهم. حتى عندما يتم إعلان “الديمقراطية” فهي مؤقتة وغير مستقرة. منذ الاستقلال، لم يكن هناك سوى 11 عامًا من الديمقراطية، واتسمت معظم تلك السنوات بالفوضى.
لجان المقاومة:
وأشار التقرير إلى أن لجان المقاومة تعتبر أكبر تكتل معارض منذ بداية الثورة، حيث انتظمت مجموعات شبابية بالأحياء وشكلوا مجموعات لها بيانات تصدر بانتظام، وقيادات، ولا تقتصر هذه المكونات على الخرطوم ولكنها وصلت الولايات والمناطق الطرفية، والمناطق التي مزقتها الحرب في دارفور والنيل الأزرق وكردفان.
أشاد المجتمع الدولي بلجان المقاومة باعتبارها المصدر الحقيقي للديمقراطية في السودان وكحل جذري لأزمة السودان.
حيث تتطلب مواثيقهم لاتخاذ قرارات من القاعدة إلى القمة، والانقلاب على سياسات التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي، وإنشاء اقتصاد صناعي. يستدعي المعلقون ماركس والوعي الطبقي للناس كطريقة للمطالبة بمستقبل بديل، وإن كان مثاليًا إلى حد ما.
مستقبل قاتم:
ويتساءل التقرير “حتى لو كان هؤلاء الشباب الشجعان قادرين على قول “لا” للجيش وجعلهم يتراجعون، فماذا بعد؟ إلى جانب مواثيقهم، كيف سيحدثون التغيير بالضبط في بلد يعاني من نقص في العملات الأجنبية، ويبلغ التضخم فيه 263%، فيما تمكنت دول مثل روسيا والإمارات العربية المتحدة من تسهيل نقل الذهب إلى خارج البلاد من مناطق الصراع، بينما يتم تقديم مرتزقة خطرين مثل مجموعة فاغنر لإبقاء السكان تحت السيطرة.
وتساءل التقرير أنه “إذا لم يستطع عبد الله حمدوك ، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية – وهو تكنوقراط عالي التدريب وذوي خبرة في مؤسسات الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، ولديه سنوات من الخبرة – أن يحدث فرقًا وتاثيرًا ، فما هي الفرصة التي ستتاح للشباب من شوارع الخرطوم؟ حتى لو حاولت النقابات العمالية والسياسيون القدامى مساعدة لجان المقاومة، فإن سجل الإنجازات لن يكون جيدًا.
دور المجتمع الدولي:
يشير التقرير إلى أنه إذا كان المجتمع الدولي يرغب في دعم المدنيين، فعليه أن يبدأ ببعض الخطوات الملموسة. ويشمل ذلك جهودًا لإضعاف وإحباط صادرات الذهب المتنازع عليها والتي تتجاوز البنك المركزي. كما سيتضمن قائمة استهداف وعقوبات مشددة للغاية، مثلما حدث في أزمة أوكرانيا، عقوبات تفرض على الإسلاميين والفاعلين العسكريين في السودان. وقد يعني ذلك أيضًا المحاسبة الجنائية للاستيلاء على الأصول خارج البلاد.
يشدد التقرير أيضًا على ضرورة إلقاء نظرة على الإمكانات القيادية داخل لجان المقاومة ومحاولة بدء العمل مع أفراد مختارين لتطويرها الآن. إلى جانب دعم القطاع الجامعي بدعم جامعات عالمية رائدة في الخارج. أو العمل مع الناس في المنطقة للاستفادة من الخبرة الزراعية الطويلة في السودان لتعزيز إنتاج الغذاء والحبوب والزراعة المجتمعية. في فترة حكم النميري، كان السودان يوصف، بأنه سلة غذاء إفريقيا. الحل لهذا الوضع ليس المزيد من محادثات السلام، ولا القصة الخيالية للمجتمع المدني في بلد يسيطر عليه متطرفون خطيرون.
ونبه التقرير إلى أن السودان ظل لفترة طويلة هدفًا للكثيرين . وربما حان الوقت لجعل الدولة خيارًا أقل جاذبية للسلطوية والنخب وأصدقائهم الأجانب. حيث يبدأ ذلك بنهب الأصول والثروات، وجعل إساءة معاملة السكان خيارًا أكثر تكلفة وخطورة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.