حرب تشنها إيطاليا لضبط لقاحات أسترازينيكا.. كيف ردت الشركة؟

0

شهدت مدينة إيطالية صغيرة غارة نفذتها قوات مكافحة الجريمة المنظمة بعد معلومات استخباراتية، والهدف مصنع أدوية، والمضبوطات ملايين الجرعات من لقاح أسترازينيكا، فما القصة؟

مدينة أناجني الإيطالية هي مسرح الأحداث، وعندما انتشرت أخبار الاكتشاف – في أعقاب مداهمة للسلطات – يوم 24 مارس/آذار الجاري، اتجهت أعين العالم إلى المدينة التي تقع جنوب روما وتستغرق ساعة للوصول إليها بالسيارة، بينما كانت أناجني تعاني من صدمة الاكتشاف الغريب.

غارة مفاجئة على إحدى مصانع الأدوية

كانت حرب اللقاحات قد دخلت مرحلة خطيرة من التصعيد بعد أن اتخذت إيطاليا قراراً بمنع تصدير شحنة من لقاحات أسترازينيكا كانت في طريقها إلى أستراليا مطلع مارس/آذار الجاري. ووقتها قالت الحكومة الإيطالية إنها لن تسمح بتصدير 250 ألف جرعة من لقاح “أكسفورد-أسترازينيكا” البريطاني إلى أستراليا، تم إنتاجها في منشأة تابعة لشركة “أسترازينيكا” في إيطاليا.

والمنشأة المقصودة هي مصنع أدوية ضخم يقع خلف مزارع الكروم في مدينة أناجني الصغيرة، لكن تلك المعلومة وتفاصيلها واسم المدينة لم تصبح حديث العالم إلا بعدما شهدته المدينة التي تعود للقرون الوسطى خلال الأسبوع الماضي.

ففي ذلك المساء، أطلقت الشرطة المحلية إنذاراً إلى عملاء وحدة الاستخبارات الإيطالية DIGOS المختصة بالتعامل مع الجرائم المنظمة والإرهاب والاختطاف، وجاء في الإنذار أن الحديث المنتشر المتعلق بوجود ملايين من جرعات لقاح كورونا “يمكن أن يثير ردة فعل ارتجالية أو طابعاً عنيفاً من جمهور متنوع”. وطالب الإنذار بزيادة دوريات الشرطة في الموقع، وهو منشأة تحتوي على لقاحات تحمل سعراً رسمياً يتراوح بين 116 و145 مليون دولار.

وفي حديث مع نظرائه من زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة افتراضية يوم الخميس 25 مارس/آذار، قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي: “المواطنون الأوروبيون لديهم شعور بأنهم تعرضوا للخداع على يد بعض شركات الأدوية”، وذلك دون الإشارة صراحة إلى اسم شركة أسترازينيكا، ومنذ معرفته بأن هناك جبلاً من اللقاحات على بعد مسافة قصيرة من مكتبه، صار دراجي على طريق الحرب، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

وبحسب حديث دراجي، بدأت قصة أناجني مساء السبت 20 مارس/آذار، فقد قال في حديثه أمام البرلمان الإيطالي في اليوم الذي انتشرت فيه الأخبار: “تلقيت مكالمة هاتفية من رئيس المفوضية الأوروبية حول بعض الحصص التي لم تظهر في سجلات المفوضية والتي قد تكون مُخزَّنة في منشأة أناجني. واقترح إجراء عمليات تفتيش”.

وقال دراجي إنه اتصل حينها بوزير الصحة، الذي كان في حوزته وحدة متخصصة في الغذاء والأدوية من قوات الشرطة العسكرية الإيطالية، وذهب الضباط على الفور إلى منشأة تعبئة اللقاح، وفي الصباح التالي، بعد العمل طيلة الليل، حددوا وجود 29 مليون جرعة من لقاحات أسترازينيكا المضادة لمرض كوفيد-19، وذلك بحسب دراجي، الذي أضاف أن بعض الجرعات شُحنت منذ ذلك الحين إلى منشأة التوزيع الخاصة بالشركة في بلجيكا، “ولكن في الوقت الراهن تتواصل الرقابة على الحصص المتبقية”.

ماذا قالت أسترازينيكا؟

من جانبها، تقول الشركة إنه لا يوجد أي لغز في أناجني؛ إذ قالت الشركة البريطانية السويدية في 24 مارس/آذار: “ليس من الصحيح وصف هذا بأنه مخزون”، وأضافت أن عملية التعبئة تكون معقدة، وأن هذه القوارير المُعبَّأة تخضع لرقابة الجودة.

وفي تصديها لتقرير نُشر في صحيفة  La Stampa  الإيطالية وكان ينتقد الجرعات “المُخبأة” التي كانت على الأرجح تتأهب لتصديرها إلى المملكة المتحدة، قالت أسترازينيكا إن 16 مليون جرعة منها كانت من أجل الاتحاد الأوروبي، و13 مليون جرعة كانت مخصصة لتحالف كوفاكس، وهو برنامج معني بإمداد اللقاحات إلى الدول النامية.

لكن الشكوك التي كشفت عنها هذه الحالة ليست إلا نموذجاً مصغراً من أزمة الثقة التي عرّفت العلاقات بين شركة أسترازينيكا والحكومات التي تتخبط بين الموافقات التشريعية ونقص الإمدادات. تبرز هذه الأزمة كذلك مدى امتزاج قومية اللقاح بجائحة فتاكة ساحقة للأنظمة الاقتصادية للبلاد.

ملايين أخرى من جرعات اللقاح قد تظهر

وبينما تستمر الأسئلة حول تسوية الـ29 مليون جرعة مع حسابات الاتحاد الأوروبي، ينبغي ألا تكون هناك أي مفاجأة لاحتواء منشأة أناجني على عشرات الملايين من الجرعات، إذ تُدار المنشأة عن طريق شركة Catalent Inc، وهي شركة مقرها مدينة سومرست بولاية نيو جيرسي الأمريكية ولديها عقد لتعبئة قوارير زجاجية لـ450 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا في صفقة أُعلن عنها في يونيو/حزيران الماضي.

وخلال زيارة داخل المنشأة في يوليو/تموز الماضي لمجلة Bloomberg Businessweek، قالت المجلة إن عمليات التعبئة يمكن أن تصل إلى 24 ألف قارورة في الساعة. وتحتوي كل قارورة على 10 جرعات، مما يعني أن المنشأة قادرة على تعبئة 50 مليون جرعة في شهر، وذلك حسبما قال رئيس قسم اللوجستيات الأوروبية في شركة Catalent، ماريو جارجيلو، في ذلك الوقت.

برغم كل هذا، فإن وجود جرعاتٍ في الموقع، ولا سيما في هيئة جرعات مُجمَّعة، لا يعني أنها جاهزة للشحن، إذ يمكن أن يستغرق إتمام أي قارورة شهراً ونصف بدءاً من عملية التعبئة ووصولاً إلى خروجها من المصنع إلى السوق، وذلك حسبما قال جارجيلو.

لعل ذلك يفسر السبب الذي جعل المسؤول التنفيذي في شركة Catalent مرتبكاً في 24 مارس/آذار عندما سُئل بالهاتف عن الجرعات “المخبأة” المكتشفة في منشآته؛ إذ قال إن الجرعات الموجودة في أناجني تتضمن “مواد دوائية” مجمعة، بعضها في عملية التعبئة، والجرعات المعبأة في القوارير تنتظر رقابة الجودة والشحن. ويتنوع العدد الإجمالي للجرعات يومياً، وقد يكون العدد في يوم الفحص 29 مليون جرعة، لكنه “يمكن أن يكون 19 مليوناً في اليوم التالي”، حسبما أوضح جارجيلو.

وفي غضون ذلك، يعد اكتشاف الجرعات المخبأة في أراضي أناجني اكتشافاً حلواً بالنسبة لسكان المدينة، لكنها حلاوة لا تخلو من المرارة؛ فهم مثل بقية السكان الأوروبيين ينتظرون التطعيمات لاستعادة حياتهم. والأكثر من هذا، أن ملايين أخرى من الجرعات سوف تتجمع في المنشأة الواقعة خلف مزارع الكروم الكائنة في أراضيهم.

وقبل ثلاثة أيام من الفحص، أعلنت شركة Catalent أنها وسعّت نطاق اتفاقها مع شركة لقاحات أخرى، وهي شركة جونسون آند جونسون، من أجل ملء وتعبئة وفحص لقاح كوفيد الذي أنتجته الشركة، والمكون من جرعة واحدة… وأين سيحدث ذلك؟ في نفس المكان: أناجني، وبرغم كل هذا، لا يزال هناك غموض حول سبب عدم اتفاق سجلات الشركة مع سجلات مسؤولي الاتحاد الأوروبي. وربما يستمر ذلك في التسبب في توتر العلاقات بين الطرفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.