فاتورة فلكية للغزو الأمريكي لأفغانستان، والنتيجة: صفر..

0

الآن وقد أعلن الرئيس الأمريكي موعداً محدداً لانسحاب بلاده من حربها الأطول في أفغانستان، ما تكلفة ذلك الغزو البشرية والمادية؟ وهل تحققت أهدافه؟

كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد غزت أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001، بعد رفض حركة طالبان التي كانت تحكم البلاد تسليم أسامه بن لادن وباقي قيادات تنظيم القاعدة الذي تبنى الهجمات التي تعرضت لها أمريكا يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 وأدت لمقتل نحو 3 آلاف شخص.

واختار الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن يوم 11 سبتمبر/أيلول المقبل ليمثل إكمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد 20 عاماً، مؤخراً موعد الانسحاب النهائي الذي كان سلفه دونالد ترامب قد توصل إليه من خلال اتفاق للسلام وقَّعته الإدارة السابقة مع حركة طالبان وكان ينص على الانسحاب الأمريكي مطلع مايو/أيار المقبل.

لماذا غزت الولايات المتحدة أفغانستان؟

جاء الغزو الأمريكي لأفغانستان في سياق “الحرب على الإرهاب” التي شنَّها الرئيس جورج بوش الابن بهدف القضاء على ما سمّاه “الإرهاب” حول العالم، وهي الحرب التي لا تزال فصولها مستمرة وتسببت في مقتل وإصابة وتشريد عشرات الملايين من البشر حول العالم وتدمير دول بأكملها، واستغلت أنظمة كثيرة حول العالم في جميع القارات شعار “الحرب على الإرهاب” لقمع واضطهاد معارضيها والأقليات من مواطنيها، وفي هذا السياق جاءت الإجراءات الصينية بحق الإيغور المسلمين والتي تصفها منظمات دولية وحكومات غربية – بينها واشنطن – بأنها “إبادة جماعية”.

وبالعودة للوراء والتفكير في سبب الغزو الأمريكي لأفغانستان في المقام الأول، نجد أنه لمدة 5 سنوات بين عامي 1996 و2001 تمكن تنظيم القاعدة الإرهابي العابر للحدود من ترسيخ وجوده في أفغانستان بقيادة زعيمها صاحب الشخصية الكاريزمية أسامة بن لادن؛ حيث أقامت معسكرات تدريب.

ويرصد تقرير BBC بعضاً مما قام به التنظيم من إجراء تجارب على استخدام الغازات السامة على الكلاب وتجنيد وتدريب ما يقدر بنحو 20 ألف متطوع جهادي من جميع أنحاء العالم، كما نفذت الجماعة الهجومين المزدوجين على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، مما أسفر عن مقتل 224 شخصا معظمهم من المدنيين الأفارقة.

وتمكنت القاعدة من الاستمرار في النشاط والإفلات من العقاب في أفغانستان؛ لأنها كانت محمية من قبل الحكومة الأفغانية في ذلك الوقت، وهي حكومة حركة طالبان التي سيطرت على البلاد بأكملها في عام 1996 بعد انسحاب الجيش الأحمر السوفييتي وبعد عدة سنوات من الحرب الأهلية المدمرة.

وقد حاولت الولايات المتحدة عبر حلفائها السعوديين إقناع طالبان بطرد القاعدة، لكن الحركة رفضت، وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001 طلب المجتمع الدولي من طالبان تسليم المسؤولين عن تلك الهجمات، ولكن مرة أخرى رفضت طالبان.

لذلك تقدمت في الشهر التالي قوة أفغانية مناهضة لطالبان تُعرف باسم التحالف الشمالي صوب كابول، بدعم من القوات الأمريكية والبريطانية، مما أدى إلى خروج طالبان من السلطة ودفع تنظيم القاعدة للفرار عبر الحدود إلى باكستان.

وقالت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ”بي بي سي” هذا الأسبوع إنه منذ ذلك الوقت لم يتم التخطيط لهجوم إرهابي دولي واحد ناجح من أفغانستان، لذلك فإنه باعتماد مقياس مكافحة الإرهاب الدولي فقط يكون الوجود العسكري والأمني الغربي هناك قد نجح في تحقيق هدفه. لكن بالطبع سيكون ذلك مقياساً مفرطاً في التبسيط ويتجاهل الخسائر الهائلة التي خلفها الصراع، ولا يزال ولاسيما في صفوف الأفغان من المدنيين والعسكريين، فبعد مرور 20 عاماً مازالت البلاد لا تنعم بالسلام، وبحسب مجموعة البحث في العنف المسلح فقد شهد عام 2020 مقتل عدد من الأفغان بالعبوات الناسفة أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ولم يختف من هناك بعد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة الأخرى فهي تنشط من جديد ويشجعها بلا شك الرحيل الوشيك لآخر القوات الغربية المتبقية.

فاتورة الغزو الأمريكي لأفغانستان

ونصل الآن إلى تفاصيل الفاتورة التي تكلفها ذلك الغزو الذي أصبح يوصف في واشنطن “بالحرب الأبدية”، ونتوقف عند تقرير لمجلة Militarytimes الأمريكية بعنوان “الحرب الأفغانية كلفت أكثر من تريلوني دولار أمريكي و240 ألف قتيل”، فصل تلك الفاتورة اعتماداً على تقرير أمريكي رسمي صادر عن وزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية.

ويرصد التقرير تكلفة إرسال القوات الأمريكية إلى أفغانستان منذ عام 2001 وحتى نهاية 2020 وأعداد تلك القوات، إضافة إلى الأموال التي أنفقها البنتاغون والخارجية لإدارة الصراع وعلاج ومساعدة العسكريين الأمريكيين الذين أصيبوا هناك، ويخلص التقرير الصادر الجمعة 16 أبريل/نيسان الجاري إلى أن الفاتورة المالية تتخطى حاجز 2 تريليون دولار أمريكي.

وعن تفاصيل الأموال وجد تقرير تكاليف الحرب أن البنتاغون ضخ 933 مليار دولار من خلال صندوق التمويل الطارئ للعمليات العسكرية عبر البحار، بينما باقي المبلغ الضخم جاء في صورة 443 مليار دولار من ميزانية البنتاغون السنوية وزياداتها المخصصة لدعم الحرب في أفغانستان منها 296 مليار دولار لرعاية قدامى المحاربين، إضافة إلى 59 مليار دولار من صندوق التمويل الطارئ الخاص بوزارة الخارجية و530 مليار دولار لتغطية فوائد وأقساط القروض التي حصلت عليها الوزارتان لتغطية نفقات الحرب على مدى 20 عاماً.

ولا تشمل التكلفة الإجمالية التي رصدها تقرير تكلفة الحرب في أفغانستان الأموال التي ستظل الحكومة الفيدرالية لإنفاقها على رعاية قدامى المحاربين مدى الحياة ولا الفوائد والمدفوعات المستقبلية لتغطية القروض الحالية.

ورصد تقرير آخر لهيئة الإذاعة البريطانية BBC تفاصيل أخرى لتلك الفاتورة تمثلت في أنه بحلول عام 2018 بلغ الإنفاق السنوي على القوات الأمريكية في أفغانستان نحو 45 مليار دولار، بحسب ما قاله مسؤول كبير في البنتاغون للكونغرس الأمريكي في ذلك العام، ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 وحتى سبتمبر/أيلول من عام 2019) 778 مليار دولار.

ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة براون في عام 2019، والتي رصدت عملية الإنفاق على الحرب في كل من أفغانستان وباكستان، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 978 مليار دولار (تشمل تقديراتهم أيضاً الأموال المخصصة للسنة المالية 2020)، وتشير الدراسة إلى أنه من الصعب تقييم التكلفة الإجمالية لأن الأساليب المحاسبية تختلف بين الدوائر الحكومية، كما أنها تتغير بمرور الوقت مما يؤدي إلى تقديرات عامة مختلفة.

وذهب الجزء الأكبر من الأموال التي أنفقت في أفغانستان على عمليات مكافحة التمرد وعلى احتياجات القوات الأمريكية مثل الطعام والملابس والرعاية الطبية والأجور الخاصة وغيرها، كما تظهر البيانات الرسمية أنه منذ عام 2002 أنفقت الولايات المتحدة أيضا حوالي 143.27 مليار دولار على أنشطة إعادة الإعمار في أفغانستان.

وقد أُنفق أكثر من نصف هذا المبلغ (88.32 مليار دولار) على بناء قوات الأمن الأفغانية، بما في ذلك الجيش الوطني الأفغاني وقوات الشرطة، كما خُصص ما يقرب من 36 مليار دولار للحوكمة أو”الحكم الرشيد” والتنمية، في حين تم تخصيص مبالغ أصغر أيضاً لجهود مكافحة المخدرات وللمساعدات الإنسانية، ولقد ضاع بعض هذه الأموال من خلال الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام على مر السنين، بحسب تقرير BBC.

وفي تقرير للكونغرس الأمريكي في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020، قدرت هيئة الرقابة المسؤولة عن الإشراف على جهود إعادة الإعمار في أفغانستان أن حوالي 19 مليار دولار قد ضاعت بهذه الطريقة بين مايو/أيار من عام 2009 و31 ديسمبر/كانون الأول من عام 2019.

التكلفة البشرية الأعلى تحمَّلها الأفغان أنفسهم

أما عن التكلفة البشرية لحرب أفغانستان، فتظهر التقارير المختلفة حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن الشعب الأفغاني نفسه هو من دفع الفاتورة الأعلى على الإطلاق في تلك الحرب، إذ ركز تقرير لموقع VOA الأمريكي على أن أكثر من 241 ألف شخص قد فقدوا حياتهم على مدى العقدين الماضيين الغالبية الساحقة منهم من الأفغان أنفسهم.

فقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بدء الحرب عام 2001، أكثر من 2300 قتيل، إضافة إلى إصابة نحو 20660 جندياً بجراح أثناء القتال، لكن أرقام الضحايا الأمريكيين تتضاءل أمام الخسائر في الأرواح بين قوات الأمن الأفغانية والمدنيين، بحسب تقرير لـ”بي بي سي”.

وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد قال في عام 2019 إن أكثر من 45 ألف عنصر من قوات الأمن الأفغانية قد قُتلوا منذ أن أصبح رئيساً قبل 5 سنوات، بينما قدَّر بحث لجامعة براون في عام 2019 الخسائر في الأرواح بين الجيش الوطني والشرطة في أفغانستان بأكثر من 64100 عنصر منذ أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 ، عندما بدأت الحرب.

ووفقاً لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (أوناما) فقد قُتل أو جُرح ما يقرب من 111 ألف مدني منذ أن بدأت في تسجيل الخسائر المدنية بشكل منهجي في عام 2009.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.