فشل أوروبي بمواجهة جائحة كورونا والغضب الداخلي بازدياد

0

رغم أن الاتحاد الأوروبي ثري ومتقدم علمياً ويتمتع بأنظمة رعاية صحية ورفاهية لا تضاهى، بالإضافة إلى تمتعه بإجماع سياسي يميل بقوة نحو رعاية مواطني دول الاتحاد، فإنه يمر بوقت عصيب منذ اندلاع وباء فيروس كورونا قبل نحو عام وبضعة أشهر، وتعثر كثيراً في مواجهة الجائحة ولا يزال حتى الآن، رغم بدء التطعيم باللقاحات المختلفة، فما أسباب ذلك؟

إخفاقات وانتكاسات أوروبية في مواجهة كورونا

يقول تقرير لمجلة “إيكونومست” البريطانية نشر في 31 مارس/آذار 2021، إنه بالنظر إلى إحصاءات الوفيات بسبب كورونا، كان أداء الاتحاد الأوروبي عامة أقل سوءاً من بريطانيا أو أمريكا، حيث سجل 138 حالة وفاة لكل 100000 مواطن، مقارنة بـ 187 و 166 على التوالي في بريطانيا وأمريكا، وذلك على الرغم من أن الأداء المنفرد للمجر وجمهورية التشيك وبلجيكا كان الأسوأ. 

ومع ذلك، تعاني أوروبا الآن من خطر انخفاض معدل التطعيم، ووفقاً للاحصائيات، حصل 58% من البالغين البريطانيين على لقاح مضاد لفيروس كورونا، مقارنة بـ38% من الأمريكيين و14% فقط من مواطني الاتحاد الأوروبي حتى الآن، وهذا رقم صادم.  واقتصادياً، كان أداء الاقتصاد الأوروبي خلال الجائحة سيئاً، في الربع الأخير من عام 2020، كانت الولايات المتحدة على سبيل المثال تنمو بمعدل سنوي قدره 4.1%. وفي الصين، التي قمعت الفيروس بصرامة شموليّة، بلغ النمو الاقتصادي 6.5%. لكن في منطقة اليورو، كان الاقتصاد لا يزال يتقلص. وقبل عام بالتمام، وصف بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا، أزمة فيروس كورونا بأنها “أسوأ أزمة يعاني منها الاتحاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية”. 

كيف وأين أخطأت استجابة الاتحاد الأوروبي لجائحة كورونا؟

تقول المجلة البريطانية إن جزءاً من مشكلة أوروبا هو الديموغرافيا. فمعظم سكان الاتحاد الأوروبي هم من كبار السن وفقاً للمعايير العالمية، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض. وهناك عوامل أخرى غير مفهومة جيداً، مثل المدن المزدحمة، التي قد تجعل الأوروبيين أيضاً عرضة للخطر أكثر من غيرهم. كما من المحتمل أن التنقل الحر عبر الحدود -الذي يعد أحد الإنجازات العظيمة للاتحاد الأوروبي- قد عمل لصالح الفيروس بقوة، ولم يرغب أحد في الحد من ذلك، عندما خفّ الوباء.

لكن السياسة والبيروقراطية جزء من مشكلة أوروبا عموماً في مواجهة كورونا أيضاً، إذ كان قرار العام الماضي بإعطاء المفوضية الأوروبية المسؤولية الوحيدة لشراء وتقاسم لقاحات كورونا لـ450 مليون شخص، بمثابة كارثة عابرة، كما يقول تقرير الإيكونومست.

كان من المنطقي تجميع الجهود البحثية لـ27 دولة وأموالها لشراء اللقاحات مسبقاً، تماماً كما جمعت عملية Warp Speed ​​في أمريكا لـ50 ولاية. لكن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي أساءت إدارة الأمر، ربما لأن الحكومات الوطنية تشرف بشكل عام على الصحة العامة. وتمت معالجة المشروع بشكل رئيسي من قبل رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، التي وصفت قرار توسيع إمبراطوريتها ببهجة بأنها “قصة نجاح أوروبية”.

لكن بالكاد حدث ذلك، فقد ركز فريقها كثيراً على السعر وقليلاً جداً على تأمين التوريد. لقد ساوموا بلا فائدة على المسؤولية في حالة تسبب اللقاحات في ضرر. تذبذبت أوروبا في عطلة أغسطس/آب الماضي. أدت المشاحنات اللاحقة، وتسجيل النقاط، وحصار تصدير اللقاحات إلى تقويض الثقة في عملية التلقيح أكثر من استعادة سمعة تضامن الاتحاد الأوروبي. وربما لو كانت السيدة فون دير لاين عضواً في حكومة وطنية أخرى، كان من الصعب أن نراها مستمرة في منصبها، بحسب وصف تقرير المجلة البريطانية.

ولا يزال القادة الأوروبيون يواجهون الانتقاد الشديد بسبب الوتيرة البطيئة لتوزيع اللقاح في القارة، وذلك بعد أن واجه الاتحاد الأوروبي مشاكل في إنتاج لقاحات فايزر- بيونتيك، وموديرنا وأوكسفورد- أسترازينيكا.

ويقول موقع “يورو نيوز” إن بطء حملات التلقيح في أوروبا وظهور موجة ثالثة من الوباء بالعديد من البلدان من بينها فرنسا وألمانيا، أجبر الاتحاد على تشديد القيود في هذه المرحلة، وذلك في ظل معارضة الرأي العام المتزايدة لها.

قصور اقتصادي يثخن جراح الاتحاد الأوروبي

في فبراير/شباط الماضي، أعلن مكتب الإحصاءات الأوروبي “يوروستات” أن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو انكمش بنسبة 6.8% خلال العام الماضي، كما انكمش اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة 6.4%.

وباتت أوروبا تعاني الآن من قصور اقتصادي. ومرة أخرى، استخدم الاتحاد الوباء لإحراز “تقدم مؤسسي”، من خلال إنشاء صندوق “الجيل القادم في الاتحاد الأوروبي” (NGEU)، بقيمة 750 مليار يورو (880 مليار دولار)، والذي يستهدف بشكل أساسي البلدان الأضعف بالاتحاد التي هي في أمَس الحاجة إليها. 

وأكثر من نصف الأموال عبارة عن منح وليس قروضاً، يتم دفع ثمنها أيضاً عن طريق زيادة الديون التي يكون الاتحاد ككل مسؤولاً عنها بشكل مشترك. وهذا أمر مرحب به، لأنه يخلق آلية تقطع الصلة بين جمع الأموال والجدارة الائتمانية للحكومات الوطنية. وفي الأزمات المستقبلية يمكن أن يحمي الصندوق بلدان منطقة اليورو من هروب رؤوس الأموال.

لكن كما هو الحال مع إدارة ملف اللقاحات، فإن ادعاء الانتصار بإنشاء NGEU يعيبه تنفيذه البطيء. لا تزال الدفعات الأولى من الأموال كما هي بعد شهور من دفعها، حيث تتخلص الدول الأعضاء من العمولة على برامجها الفردية، وبحلول نهاية العام المقبل، سيكون قد تم صرف ربع الصندوق فقط.

تخلّف عن الصين وأمريكا و”عواقب وخيمة” قادمة

هذا النقص في المعالجة، أحد أعراض مشكلة أكبر بكثير: إهمال التعافي الأساسي لاقتصادات أوروبا. حتى مع أموالها الجديدة، ستشكل ميزانية الاتحاد الأوروبي 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في فترة السنوات السبع المقبلة المالية. على المستوى الوطني، حيث تنفق الحكومات عادةً حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبحلول نهاية عام 2022 ستكون العواقب وخيمة. من المتوقع أن يكون الاقتصاد الأمريكي أكبر بنسبة 6% مما كان عليه في عام 2019. وعلى النقيض من ذلك، من غير المرجح أن تنتج أوروبا أكثر مما كانت عليه قبل الوباء. 

صحيح أن حوافز جو بايدن البالغة 1.9 تريليون دولار بعد ما يقرب من 4 تريليونات دولار في عهد ترامب تخاطر بتضخم الاقتصاد، لكن في أوروبا، قد يكون متوسط ​​عجز ميزانيتها لعام 2021 نصف ما تخطط له أمريكا. وبعد مزيج من الأزمة المالية وفيروس كورونا، سيكون ناتج الاتحاد الأوروبي 20%، أو 3 تريليونات يورو، أقل مما لو كان قد حافظ على النمو الذي حققه في 2000-2007.

في النهاية، لا يزال الاتحاد الأوروبي يتخلف عن الصين وأمريكا لأنه يفشل في التعامل بكفاءة مع كل أزمة متعاقبة. وفي عالم خطير وغير مستقر، هذه عادة يجب تغييرها وإلا ستؤثر على مستقبل الاتحاد وبنيته وتماسكه.

غضب متصاعد في أوروبا يهدد وحدتها

وحذر تقرير لشبكة CNN من تصاعد حالة الغضب مؤخراً بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسبب التعثرات المتتالية بأزمة كورونا، التي أصبحت أكثر تعقيداً وأكثر خطراً على تماسكه، فالدبلوماسيون في بروكسل هم من مختلف الدول الأوروبية، و”لا يمكنهم حتى الاتفاق على ما يختلفون بشأنه”.

ومنذ بداية الوباء، أغلقت البلدان الأوروبية حدودها بسبب عدم الثقة في أن جيرانها كانوا يحتوون الفيروس بشكل كافٍ. وكانت هناك خلافات مريرة حول الكيفية التي يجب أن يمول بها الاتحاد انتعاشه الاقتصادي، خصيصاً مع ازدراء الدول الأعضاء الأكثر ثراءً في الشمال بتمويل تلك الموجودة في الجنوب، والتي يعتقدون أنها غير مسؤولة من الناحية المالية.

كما مهد الوباء الأرضية لبعض المناقشات المهمة التي ستجري حول مستقبل الاتحاد، خاصة فيما يتعلق بتولي بروكسل قوة مركزية أكبر. وتقول “سي إن إن” إنه في حال لم يتبدد الغضب بعد الجائحة، فإن ذلك قد يخلق “ديناميكية سامة” من غير المرجح أن تنتهي بتكامل أوثق ووحدة أكبر بين الأوروبيين، ولعدم حصول ذلك سيتعين على التكتل إيجاد طريقة لعلاج الجروح التي أدت إلى مثل هذا الاستياء والغضب العميقين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.