احذرو الغرب

أحسبُ أن لديّ معرفة معقولة بالغرب نجمت عن دراستي فيه ودراسة لأدبياته السياسية والعمل فيه.
أفضت بِيَ هذه المعرفة المعقولة إلى النتائج التالية:

  • أن الغرب غير أمين في ادعاء حرصه على بقاء التنوع الثقافي Cultural Diversification.. الغرب يضيق أشد الضيق بالثقافة الإسلامية خاصة، فالإسلاموفوبيا متأصلة فيه لحد مزعج، وإن تظاهر بخلاف ذلك.
  • أنه غير أمين بشأن العدالة، وغير أمين بشأن حقوق الإنسان.. العدالة لدى الغربيين قابلة للتجزئة.. ولديه ازدواج معايير بشأن حقوق الإنسان.. وتتجلى عدم أمانته في العدالة وحقوق الإنسان إن تعلقتا بالمسلمين (صمته عما يتعرض له الأوغور والفلسطينيون، وألوف سجناء الرأي في البلاد غير الديمقراطية التي يدعمها، وهذه أمثلة فقط).
  • ينفق الغرب مئات ملايين الدولارات لتمويل برامج وخطط وسياسات لتغيير الثقافة الإسلامية والثقافة العربية الإسلامية السائدة في بلاد المسلمين، وذلك عبر منظمات الترويج للنسوية Feminism، ونشر اللواط، ونزع القوامة عن الأزواج، وتغيير القوانين، وتغيير المناهج الدراسية، وسيادة العلمانية.. ومسألة تغريب الثقافة أولوية لدى الدول الغربية.

الإسلام يغرس في معتنقيه العزة والكرامة، ويقول لهم القرآن: أنتم الأعلون ما دمتم مؤمنين، ويحضهم على محاربة الظلم حتى لو وقع على غير المسلمين. وكل هذه المبادئ والقيم تعيق سياسات الهيمنة الغربية، ولذلك يكرهون الإسلام من حيث المبدأ، ويكرهون المستمسكين بمثل هذه القيم، ولشيطنتهم يسمونهم (الإسلام السياسي) كأن ثمة إسلاماً آخر!!

ولتغيير الثقافة العربية الإسلامية أو إضعافها يعمل الغرب بهدوء متدرّج وبخطى محسوبة.. بدأها بترويج مفهوم لا إسلامي Non-Islamic، سماه الإسلام السياسي Political Islam أو Islamism، وشن حملات ضارية ضد كل الأشخاص أو التيارات التي ترى أن للإسلام رأياً سياسياً، وروّج أن – ما سماه – الإسلام السياسي، هو مصدر التطرف والعنف والإرهاب.
الغرب يريد إسلاماً ومسلمين محصورين في المساجد فقط.. يريد مسلمين لا يهمهم ما يصيب الإسلام، ولا يتعاطفون مع مسلمين، ليصل إلى: “مسلمين لا يهتمون بالسياسة ليحكمهم سياسيون لا يهتمون بالإسلام”، كما قال العبقري التركي بروفسر نجم الدين أربكان:
Muslims who don’t care about politics, get ruled by politicians who don’t care about Islam.

جاؤوا بالقراي لوضع مناهج علمانية تستهزئ بالذات الإلهية، لتربية جيل يجهل الإسلام، بل يكره الإسلام، ليدخل الشاب آخر الأمر على أبيه المحصور في المسجد، ويضربه داخل المسجد لرجعيته وتخلفه!!
ومن لا يعرف ذلك عن الغرب فهو جاهل أو ساذج.

بل إن الغرب ليضيق حتى بالثقافة المسيحية الأورثوذوكسية؛ لأنها تعارض سياساته في الإجهاض واللواط مثلاً، وعداؤه الحالي لروسيا مستمد بطرف من موقفه من الأورثوذكسية.
وفي سوداننا، يجتهد الغربيون لتغيير المسرح السياسي والمسرح الاجتماعي الثقافي.. ولن يتأتَى لهم هذا إلاّ باستهداف الإسلام والثقافة العربية الإسلامية.. ولتنفيذ الخطة أتوا بأموال وبمنظمات، وجندوا كل متاح من العلمانيين وكارهي الإسلام، لكنهم يتدثرون بدثار كراهية ما سماه الغرب الإسلام السياسي، وقد وجدوا في قحت الأولى وفي قحت المعدَّلة حالياً ضالتهم، فاتخذوها أداة. وهي الأداة لصنع وترويج دين منزوع الدين أو “دين منزوع الإسلام”!!! ومن يعتقد أنهم ضد من يسمونهم جماعات الإسلام السياسي فقط، فهو ساذج جاهل بالغرب.
الغرب ضد الإسلام في أصله وجوهره.

تقول الدراسات العلمية في الغرب: إن المتدينين أكثر سعادة (انظر PEW).
وحين ينزع الدين من المجتمع ينزع الرادع deterrence عن ارتكاب الحرام/الجريمة.. وهذا أحد أسباب شيوع الجريمة في الغرب العلماني الغني، وقِلّتِها في مجتمعات المسلمين الفقيرة، وأحد أسباب الانحلال والرذيلة في المجتمعات الغربية..
الغرب وأذياله يريدون تطبيق هذا النموذج الثقافي علينا!!
وعبر ما نصّ عليه (الاتفاق الإطاري) الذي وُقّع اليوم، يخططون لتمكين قحت المعدلة بأحزاب ولجان ديكورية من السيطرة على المجلس التشريعي المزمع، والسيطرة على النيابة والهيئة القضائية، وسيجري تصفية كل من يُشك في ولائه لهم في الجيش والشرطة والأمن والخدمة المدنية.

ستكون إجراءاتهم أشد قسوة وضراوة ضد التيار الوطني الإسلامي، وسيُقصون كل ما ومن يُظَنْ أنه يشكل عقبة أمام برنامج العلمنة وتطبيق برنامج “إضعاف الإسلام وثقافته”، المتحمس له الغرب وتوابعه من دول الخليج عبر سفاراتهم.

سيعزلُ البرهان المئات من ضباط الجيش والشرطة والأمن، الذين سيصنفون معارضين أو تُخشى معارضتهم.
وفيما عدا الأجهزة النظامية ستتم إجراءات الإقصاء هذه المرة عبر قوانين خاصة يسنها المجلس التشريعي المُسيطَر عليه، لتبدو قانونية شرعية المظهر.
وستجري إجراءات القمع والإقصاء ضد كل الوطنيين، فالغرب يكره الوطنيين وفي تاريخه وحاضره شواهد.. الوطنيون يقاومون الهيمنة وهذا مرفوض.

سيقوم حميدتي بدور كلب الحراسة لهذا الاتفاق. وهو الدور الذي ظل يدخره له البرهان. وظل البرهان يغض الطرف عن تمدده ليرضيه ويستخدمه. وهذا يَسُر حميدتي فهو يحب أن يتسلط ويسيطر، كأنه قرأ ميكياڤيللي إذ يقول:
“It is better to be feared than to be loved”.
“من الأفضل أن تكون مَخُوفاً من أن تكون محبوباً”
“Take power by any means necessary”
“استولى على السلطة بأي وسيلة ضرورية”

أما البرهان فقد فاوض الخارج ويسعى لرضاه، وقد أمّن لنفسه الحصانة من الملاحقة القضائية وضمن ذلك.. أمّن الحصانة والرضى، بموافقته على وثيقة تسييرية المحامين التي انبنى عليها (الاتفاق الإطاري).
ويفهم البرهان أن الأطراف التي تدعم الاتفاق الإطاري أطراف ضعيفة وبلا سند شعبي، ذلك لأن أهم مفاوضيها (خالد سلك وعرمان) ضربهم الشباب وطردوهم من المواكب.. وليس للواثق البربر تاريخ سياسي، وهو بلا سند سوى بنات الصادق اللائي أصبحت ألعوبة في يد عرمان.
ولا شك أن البرهان يدرك أن قحت المعدلة بشخوصها المشار إليهم سيكونون سهلاً قيادهم. وهو يستخدمها الآن ليستنزفها، وهو يعلم أنهم سيفشلون في إدارة الشأن العام وسيتشاكسون. هنا ستكون قحت المعدَّلة أشدَّ ضعفاً ولا بواكي لها، إضافة لتزايد أعدائها ومعارضيها.

وهنا سينفِّذ البرهان خطته التي تعتمد على فشلهم وتشاكسهم. وهنا سيُشهد الغرب على فشلهم، فينقلب عليهم مرة أخرى ويدعو لانتخابات رئاسية، يأمل أن يكون هو نجمها الأبرز.

سيخسر السودان وقتاً إضافياً وسيزداد تدهوره، لكن هذا ليس هم البرهان.
البرهان يريد أن يحكم بعد أن يضعف التيار الوطني الإسلامي..
وحتى قحت المعدَّلة التي ستكون إلى التلاشي أقرب.
ياسر أبّشر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.