سنمار سورية الإخباري- عندما يبدأ الفرز يفرض نفسه في المنطقة
في 18 آب من العام الماضي نشر الموقع الإلكتروني التركي (تي آر تي- وورلد بالإنكليزية) تحليلاً بقلم الدكتور التركي في العلوم السياسية علي باكير بعنوان: «ماذا يعني وجود حلف صيني – إيراني بالنسبة لتركيا؟» أي قبل ثمانية أشهر من التوقيع رسمياً في الأسبوع الماضي على «اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران» جاء في ما كتبه باكير أنه «إذا تم التوقيع على اتفاق يجري الحديث عنه باسم الشراكة الإستراتيجية بين بكين وطهران فإن ذلك سيشكل تحديات للمصالح الحيوية لتركيا وسيغير ميزان القوى بين إيران وتركيا، فهما تعدان قوتين إقليميتين متنافستين في جدول عمل ورؤية ومصالح متناقضة، ويعد موضوع سورية أبرز مثال على هذا التناقض بين الدولتين وهذا ما ينسحب على العراق وتزايد التأثير الإيراني فيه. وبالإضافة إلى ذلك لا يسر إيران وجود قوات تركية في ليبيا فإيران تدعم حلفاء روسيا وسورية فيها» وينتقل باكير إلى الاستنتاج بوجود: «عدد من العوامل في اتفاقية بكين طهران يمكن لها أن تجعل ناقوس الإنذار يدق في أنقرة ومنها أن الأموال التي ستقدمها الصين لإيران مقابل نفطها سوف تعزز قوة إيران وحلفائها، كما أن إيران ستصدر الأسلحة والتكنولوجيا لحلفائها وكانت قد وعدت سورية بإرسال منظومة للدفاع الجوي وهذا ما سوف يجعل تركيا بحاجة إلى حلف الأطلسي».
وفي الثاني من نيسان الجاري نشر الكاتب السياسي (ريك روزوف) أحد المحللين الأميركيين النشطاء في مناهضة التدخل الأميركي خلال 40 سنة مقالاً في المجلة الإلكترونية (أنتي وور) تحت عنوان: «حلف الأطلسي يعين تركيا لقيادة التوجه نحو الشرق الأوسط وآسيا» جاء فيه أن «قيادة الحلف الأطلسي نقلت قيادة» قوات المهام المشتركة عالية الجهوزية «(VJTF) إلى القيادة التركية في بداية عام 2021، وفي 30 آذار الماضي قبل أيام حوّل الحلف المهام الحالية في أفغانستان إلى العميد التركي (سلجوق يورتسيزاوغلو)، وفي الأول من نيسان الجاري اتصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين بالهاتف مع نظيره التركي (خلوصي أكار) وتناقش معه عن دور تركيا في قيادة مهمة «الدعم الحازم» التي يتولاها الحلف. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد اجتمع مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكين أثناء مشاركة الإثنين في اجتماع وزراء خارجية دول الحلف الذي أعلن فيه بلينكين أن تركيا حليف من زمن طويل ولها قيمة جيدة». وكان أمين عام الحلف ( جينس ستولتينبيرغ) قد أعلن أثناء وجوده في واشنطن في 9 آذار الماضي أنه: «يجب علينا إدراك أن تركيا حليف مهم لأننا إذا نظرنا إلى خريطتها الجغرافية فسنرى أنها ذات أهمية قصوى»، وكان رجب أردوغان قد نشر في «تويتر» الخاص به رسالة جاء فيها «نود تقديم الشكر للأمين العام لحلف الأطلسي على تقييمه الموضوعي لمسائل الأمن والدفاع الأوروبية – الأطلسية».
والحقيقة أن خريطة تركيا تشير إلى أنها الدولة الوحيدة من دول الحلف الموجودة في قارتين آسيا وكذلك في أوروبا والوحيدة المجاورة للشرق الأوسط من إيران إلى سورية إلى العراق والقوقاز وجورجيا وأرمينيا وهي التي تمتد بحارها من المتوسط إلى مرمرة والبحر الأسود الذي يعد مفتاح بحر آزوف. لكن كل هذه العوامل لم تجعل من تركيا قوة حربية قادرة على تحقيق أطماعها وجدول عملها الإقليمي أو على حسم حروبها لا ضد اليونان وبحر إيجة ولا ضد العراق وسورية ولا في ليبيا ولا في داخل أراضيها. ومع ذلك تعد التطورات الأخيرة بين طهران وبكين والتحالف القائم بين روسيا وطهران وبين روسيا وسورية والصين قاعدة سياسية وعسكرية ذات حصانة وقدرات إقليمية ودولية أمام الخطة الأميركية – الأطلسية لفرض سياسات حرب باردة جديدة تستهدف كل هذه القوى بل أمام أي دور تركي مقبل في هذه الحرب الباردة التي لن تسر أوروبا بعد معاناتها من الحرب الباردة السابقة وما انطوت عليه من أخطار وسياسات أميركية متشددة، وبالمقابل من المقدر أن يعزز اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين طهران وبكين عوامل القوة والمنعة لجميع الدول والأطراف الإقليمية وخاصة سورية وقوى المقاومة في العراق ولبنان وسيشكل رصيد قوة لدول عربية أخرى تناهض الهيمنة الأميركية والأطلسية في المنطقة، وما جرى بين طهران وبكين سيدشن مرحلة جديدة من التطورات في مصلحة أطراف محور المقاومة وشعوبها ولمصلحة تحقيق أهدافها وحماية سيادتها على أراضيها والمحافظة على استقلالها، والمستقبل سيعمل في مصلحة هذه الكتلة والنظام العالمي القادرة على فرضه.
المصدر: سنمار سورية الإخباري