الصراع على حقيبة الدفاع يشكل عثرة أمام توحيد الجيش الليبي
أصبحت عملية توحيد الجيش الليبي، ووضع جميع كتائبه تحت قيادة واحدة، القضية الأخطر حالياً والأكثر خلافية في جهود تسوية الأزمة الليبية، وسط محاولات من فريق اللواء المتقاعد خليفة حفتر فرض مرشح موال لهم.
وسيؤدي غياب حفتر عن المشهد، بضغط دولي، إلى تسهيل عملية توحيد الجيش الليبي، لكن إصراره على أن يكون على رأس المؤسسة العسكرية الموحدة سيجعل الأمور أكثر تعقيداً.
فالمجلس الرئاسي الجديد برئاسة محمد المنفي (شرق)، وعضوية كل من موسى الكوني (جنوب)، وعبدالله اللافي (غرب)، يمثل مجتمعاً “القائد الأعلى للجيش”، لكن قراراته لا تتخذ إلا بالإجماع، طبقاً لما نص عليه الاتفاق السياسي الذي أشرفت عليه البعثة الأممية.
وهذه المرة الأولى منذ 2014، التي تتفق فيها الأقاليم الثلاثة للبلاد (طرابلس وبرقة وفزان) على قائد أعلى للجيش ولكن تحديد القيادة الميدانية للجيش (وزير الدفاع ورئاسة الأركان) هي مسألة شائكة.
صراع على حقيبة الدفاع وقيادة الأركان
هناك صراع يتبلور حول من يتولى حقيبة “وزير الدفاع” في الحكومة الليبية الجديدة، فكل الأطراف في الشرق والغرب، تريد الاستحواذ على هذه الحقيبة ليكون لها سلطة عليا على الجيش الليبي.
الأمر الذي دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إلى الاحتفاظ بوزارة الدفاع لنفسه مؤقتاً، إلى حين اختيار شخصية مناسبة لهذا المنصب، بالتشاور مع المجلس الرئاسي، كما ينص الاتفاق السياسي.
ووعد الدبيبة بدعم لجنة (5+5) العسكرية المشتركة، التي تضم 5 ضباط من الغرب ومثلهم من الشرق، بهدف وقف إطلاق النار، لكن المهمة الأساسية التي ستوكل لهم قريباً، تتمثل في توحيد الجيش الليبي.
إذ تعمل اللجنة العسكرية المشتركة حالياً، على فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب، بعد إزالة الألغام بالمنطقة الوسطى، وإنهاء تواجد المرتزقة على رأسهم مرتزقة فاغنر الروس والجنجويد السودانيين، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين.
إصلاح الجيش بالغرب أسهل منه بالشرق
منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني، في 2016، عرف الجيش الليبي وزيران للدفاع، هما: المهدي البرغثي (2016-2017)، وصلاح الدين النمروش (2020- 2021)، بالإضافة إلى أربعة قادة للأركان.
والأخيرون هم: عبد السلام جاب الله العبيدي (2014-2016)، وعبد الرحمان الطويل (2017-2019)، ومحمد الشريف (2019-2020)، وأخيراً محمد الحداد (منذ 2020 إلى اليوم).
وكل هؤلاء القادة عينتهم سلطة مدنية، ممثلة في رئيس المجلس الرئاسي (السابق) فايز السراج، وبعضهم تم تنحيته دون وقوع أزمة.
لكن الأمر في الشرق الليبي مختلف، فمنذ 2014 لم يتزحزح حفتر عن منصب “القائد العام للجيش”، ولا قائد أركان ميليشياته عبد الرزاق الناظوري، ولا وزير الدفاع الذي هو نفسه رئيس الحكومة المؤقتة (غير المعترف بها دولياً)، ولم تعرف المنطقة الشرقية غيرهم في هذه المناصب منذ نحو 8 سنوات.
وهنا تكمن صعوبة دمج الميليشيات الموالية لحفتر في الجيش الليبي الموحد، مقارنة بكتائب المنطقة الغربية الأكثر انضباطاً وقناعة بمبدأ “الدولة المدنية”. فالجرائم التي ارتكبتها ميليشيات حفتر خلال عدوانها على طرابلس (2019 -2020)، والاغتيالات وعمليات الاختطاف الجارية في بنغازي، تعكس حالة انفلات أمني وعدم خضوع هذه الميليشيات للمحاسبة القانونية والقضائية.
حفتر أكبر عائق أمام توحيد الجيش الليبي
مشهد الجيش الليبي الحالي يتمثل في جيش بالغرب بقيادة قائد الأركان، الفريق أول ركن محمد الحداد، (منصاع نسبياً لحكومة طرابلس حتى لو مقسم فعلياً، في المقابل فهناك كتائب وميليشيات في الشرق يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، توصف من قبل البعض بالجيش الوطني الليبي، علماً بأن جيش وطني يجب أن يكون تابعاً للحكومة الرسمية.
الفريق الحداد، المنحدر من مدينة مصراتة (غرب)، تعهد عند تنصيبه قائداً للأركان في سبتمبر/أيلول 2020، بالعمل على بناء توحيد الجيش الليبي وجعله جيشاً نظامي منضبطاً.
في المقابل، فإن حفتر سعى للسيطرة على كامل البلاد بالقوة المسلحة منذ 2014، وخاض معارك وحروب من أجل الانفراد بقيادة الجيش للسيطرة على البلاد.
لماذا اعترف حفتر بأن المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش؟
غير أن التقدم المهم نحو توحيد الجيش الليبي، جاء من اعتراف المتحدث باسم ميليشيات حفتر، أحمد المسماري، بأن المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش، بعدما رفض حفتر طوال سنوات الخضوع لسلطة مدنية.
وتراجع حفتر هذه المرة تحت طائلة التهديد الدولي والأممي بالعقوبات على المعرقلين للاتفاق السياسي، واقتناعه باستحالة سيطرته على السلطة بالقوة عقب “هزيمة طرابلس”، وملاحقته قضائيا في محكمة بولاية فرجينيا الأمريكية.
بيد أن هذا التراجع أشبه بمن يحني رأسه أمام العاصفة إلى أن تمر، فطريقة استقباله لرئيس المجلس الرئاسي الجديد في أول زيارة له إلى بنغازي (شرق) توحي أن حفتر ما زال يعتبر نفسه فوق السلطة المدنية، وليس تابعاً لها.
فعند التحضير لزيارة المنفي لشرق ليبيا، -حسب تقرير سابق لـ”عربي بوست“- تلقى اتصالاً من أبوظبي في محاولة لإقناعه ببدء زيارته لمقر القيادة العامة، لكنه أصر على الرفض، ما دفع حفتر للتراجع عن طلبه.
ولكن ما إن وصل المنفي إلى مطار بنينة، حتى وجد بعض عناصر القيادة العامة في انتظاره، واصطحبوه إلى فندق “جليانة” لعقد اللقاءات المفترضة مع شخصيات اجتماعية وفنية، وبعد أقل من ساعة من بداية اللقاء، فوجئ المنفي -حسبما ما قاله مصدر مطلع لـ”عربي بوست”- بدخول خليفة حفتر مع بعض قادة الميليشيات الليبية المؤيدة له، وعلى رأسهم خالد بولغيب العقوري، وفريق إعلامي، ومصورو قناة الحدث التابعة له، في الوقت الذي قامت فيه قوات حفتر بمنع التصوير من قِبل أي جهة اعلامية أخرى، والانفراد بأخذ صورة تجمع المشير رفقة رئيس المجلس الرئاسي، تحت عنوان “رئيس المجلس الرئاسي يبدأ أولى مهامه بزيارة الرجمة”.
كما استقبل حفتر بمقره في منطقة الرجمة ببنغازي، نائب رئيس حكومة الوحدة حسين القطراني، عقب أدائه اليمين الدستورية، بنفس الطريقة التي كان يستقبل بها رئيس الحكومة الموازية (سابق) عبدالله الثني، كأنه تابع له وليس مسؤولاً عليه.
إذ سبق لحفتر أن صرح، في حوار صحفي، بأن مجلس النواب (المجتمع في طبرق) من “لجأ إليه” وليس العكس، للإشارة إلى أنه لا يحتاج لدعم البرلمان، ما يفسر أسلوبه الاستعلائي، وعدم حضوره لأي جلسة برلمانية للمساءلة، أو أخذ موافقة البرلمان عن أي عملية عسكرية يخوضها.
قائد أركان حفتر بديلاً له
كان الأمر اللافت في اجتماع قبائل برقة في بلدة الأبيار (شرق)، منتصف مارس/آذار الجاري، مطالبة السلطة التنفيذية الجديدة بتعيين الناظوري، قائداً لأركان الجيش الموحد.
ويتولى الناظوري حالياً منصب قائد أركان ميليشيات حفتر، ويحظى بدعم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب.
ويسعى الناظوري، المدعوم من قبيلة العرفة في المرج (شرق بنغازي)، من خلال التحالف مع عقيلة، إلى ضمان دعم قبيلة العبيدات، كبرى قبائل الشرق، ومعها بقية قبائل برقة.
ويحاول هذا التحالف العسكري – السياسي، تشكيل كتلة موازية لحفتر، خاصة إذا خرج الأخير من المشهد، إما بسبب المرض أو عدم منحه منصب قائد عام للجيش أو وزير دفاع في حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة.
فالناظوري وعقيلة يفرضان نفوذهما على معظم مدن وبلدات المنطقة الممتدة شرق بنغازي إلى غاية الحدود المصرية وعلى رأسها المرج وطبرق والقبة، بفضل التحالفات القبلية، التي تنظر إلى حفتر وأبنائه وحاشيته من قبيلة الفرجان (الغرب) على أنهم دخلاء على المنطقة.
لذلك فإذا تم تعيين الناظوري في منصب قائد أركان، فإن وزارة الدفاع ستعود بالضرورة إلى الغرب الليبي، وعلى الأغلب ستتولاها شخصية من مصراتة، باعتبارها تملك أكبر قوة عسكرية في المنطقة الغربية، حينها لن يكون لحفتر أي صفة رسمية في المرحلة الانتقالية.