هل يستطيع العراق أن يحوّل التنافس السعودي الإيراني لصالحه؟
استضافت الحكومة العراقية مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى، في محاولة لتهدئة التوترات بين الخصمين الإقليميين، وذلك قبل ثلاثة أسابيع من زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى بغداد في 26 أبريل/نيسان الماضي لبدء سلسلة من المباحثات الرسمية بخصوص مستقبل العلاقات بين البلد، حيث تأتي مظاهر المصالحة الظاهرية هذه في خضم تحول في العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق وإيران والسعودية.
حرب الوكالة بين السعودية وإيران وتذبذب الموقف الأمريكي
وظلَّت السعودية وإيران في حالة شد حبل نشطة منذ قطع البلدان العلاقات رسمياً في 2016. ويكاد صراع القوة الدائر الذي يفصل بين الرياض وطهران، والذي اشتد بسبب الانقسام السُّنّي الشيعي يكون حصراً عبر حرب الوكالة.
ففي اليمن، تصاعد الصراع الأهلي المدمر الذي وقعت البلاد في شِراكه بعدما عززت إيران دعمها للمتمردين الحوثيين وترسانة أسلحتهم. وكثَّف الحوثيون نطاق وحجم الهجمات التي تستهدف السعودية منذ بداية عام 2021، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخراً لسؤال المجتمع الدولي على موقع تويتر: “لماذا يسعى الحوثيون لحل عسكري للصراع… على الرغم من التبعات الإنسانية الهائلة”.
وعلى الرغم من تصعيدات الحوثي انسحبت الولايات المتحدة من الصراع اليمني في ظل منح إدارة بايدن الأولوية لـ”إعادة تقييم” العلاقات مع السعودية، إذ تعهَّد الرئيس بايدن، حين كان مترشحاً، بمعاقبة الرياض على قتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، وكذلك على دورها في الحرب الأهلية اليمنية.
وبحلول مارس/آذار الماضي، أنهت الولايات المتحدة دعمها للحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً، التي تقاتل المتمردين المدعومين من إيران، وتراجعت عن قرار اتُّخِذ في حقبة ترامب بتصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً. لقد جعلت إدارة بايدن نظرتها للدولة السعودية “المنبوذة” جليةً تماماً، والرياض حريصة على تغيير هذا الوضع.
التوازن العراقي بين التنافس السعودي الإيراني
ومع تصعيد الحوثيين هجماتهم التي تستهدف الرياض، حذت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق حذوهم. فمنذ تنصيب الرئيس بايدن باتت المواقع الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد هدفاً لثلاثة وعشرين هجوماً. تعمل الميليشيات الإيرانية في العراق تحت مظلة منظمة تُسمَّى “الحشد الشعبي”، وعلى الرغم من أنَّ الحشد الشعبي تشكَّل في البداية للمشاركة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2014، توسعت بعض الأفرع منذ ذلك الحين لتتحدى علانيةً القانون العراقي وتدعم مصالح طهران.
واندلعت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية منذ عملية القتل المستهدف التي قادتها الولايات المتحدة للفريق الإيراني قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020.
وطالبت الميليشيات مؤخراً الولايات المتحدة بسحب قواتها المتبقية البالغ عددها 2500 على الأرض في العراق، مقابل وقف الهجمات الصاروخية. وتعاني الحكومة العراقية، بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من أجل موازنة التوترات الأمريكية الإيرانية المتصاعدة. ففي حين أنَّ المحافظة على علاقات جيدة مع جارة العراق وأكبر مُمِدِّيه بالطاقة أمر استراتيجي، يرى الكاظمي أيضاً إمكانية تحقق علاقة أقوى بين العراق والولايات المتحدة، وكذلك الخليج.
السعودية تحاول منافسة طهران على السوق العراقي
والتقى مسؤولون عراقيون، في أبريل/نيسان الجاري، مع نظرائهم السعوديين لمناقشة آفاق مجالات التعاون. وخلال المحادثات وقَّع العراق والسعودية 5 اتفاقيات لتحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ويُتوقَّع أن تزداد استثمارات المملكة في العراق من 2 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار مستقبلاً.
ويقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، إن طهران تنظر إلى التقدم الاقتصادي بين الرياض وبغداد باعتباره تهديداً، إذ تُشكِّل الصادرات الإيرانية ما بين 30-40% من إمدادات الطاقة والغاز الطبيعي العراقية. وإذا كان بإمكان السعودية وجيرانها الخليجيين توفير الطاقة والموارد للاقتصاد العراقي، سيتقلص اعتماد بغداد على الطاقة الإيرانية بشكل كبير.
ومع اقتراب المباحثات النووية غير المباشرة القادمة بين الولايات المتحدة وإيران، ستسعى إيران للاستفادة من موقفها التفاوضي، إذ تسعى طهران بموافقتها على المشاركة في النقاشات التي يتوسط فيها العراق مع السعودية، للإشارة إلى التزامها بسلام واستقرار طويلي الأمد في المنطقة. ومع أنَّ المباحثات الإيرانية السعودية مهمة، فإنَّ احتمالات التغيير والمصالحة الحقيقية بين البلدين تظل منخفضة.
بغداد تحاول الاقتراب أكثر من محيطها العربي
وفي الآونة الأخيرة، تتجه الحكومة العراقية نحو تبني سياسة جديدة تركز على الاقتراب أكثر من محيطها العربي بإعادة بناء الثقة مع دول خليجية على خلاف مع إيران، هي السعودية والإمارات، واتخاذ مسارات اقتصادية جديدة لبناء نوع من العلاقات الاقتصادية “المتميزة” مع الأردن ومصر.
ورغم تهديدات المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، استأنف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال شهري مارس/آذار الماضي وأبريل/نيسان الجاري، جلسات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وأجرى زيارتين ناجحتين إلى السعودية والإمارات، وهما دولتان حليفتان لواشنطن.
وتنظر إيران بقلق إلى اتجاه العراق نحو محيطه العربي، خشية ابتعاده عن محورها بما يهدد مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية، وخسارة نفوذها في العراق وحرمانها من استخدام الأراضي العراقية ممراً برياً للتواصل مع القوات الحليفة لها في سوريا ولبنان.
لكن ليس بالضرورة أن يكون اقتراب العراق من محيطه العربي على حساب العلاقات “العميقة” مع إيران، أو الابتعاد عن محورها رغم تشديد الرئاسات الثلاثة، الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، على ضرورة إبعاد العراق عن سياسة المحاور الإقليمية أو الدولية، وعدم السماح باتخاذ العراق ساحة لتصفية حسابات دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وإيران، أو الاعتداء على الدول انطلاقاً من الأراضي العراقية.