القمح السوري بين التصدير وإتاوات الحواجز والشعب على شفا مجاعة
تُعتبر سوريا البلد العربي الأهم في زراعة القمح، وعلى الرغم من زيادة إنتاج القمح السوري خلال السنوات الماضية، أصبح السوريون يجدون صعوبة في شراء الخبز.
مع وصول أسعار المواد الغذائية في سوريا إلى أرقام فلكية، يتعرض الكثير من السكَّان للوقوع في براثن الجوع، ويمثل نقص القمح في الأسواق مشكلة كبرى في بلد أعلن أن العام الماضي 2020 هو عام القمح.
لا يبدو أن الأمر له علاقة بالمعارك التي توقفت تقريباً في كل أنحاء البلاد، بقدر ما تعود أزمة القمح السوري إلى استغلال القوى الكردية والحواجز التابعة للحكومة لمحصول القمح الذي ينتج في شمال شرق البلاد، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
رحلة القمح السوري
يروي أحد تجار القمح الذي يقع مكتبه في مدينة القامشلي، في الشمال الشرقي من سوريا ، كيف يجعل المسؤولون من الصعب جلب القمح السوري إلى السوق.
إذ يجب أن تعبر شاحنات القمح على العشرات من نقاط التفتيش في طريقها إلى العاصمة دمشق. والقوات الكردية التي تسيطر على المنطقة لا تشحن الحمولات، إلا بعد دفع رسوم، على الحدود المفروضة بحكم الأمر الواقع بين الأراضي التي تسيطر عليها والأراضي التابعة للدولة السورية.
على الجانب الآخر تحصل الفرقة الرابعة المُدرَّعة، التي يسيطر عليها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، على 3 آلاف دولار لكلِّ حمولة من القمح السوري. ويجب على التاجر أيضاً إعطاء رشوة للمسؤولين في دمشق وأن يكون داعماً للحكومة، حتى لا يُعتَقَل كإرهابي. أحياناً تُغلَق المعابر الأمر الذي يوقف شحنات القمح السوري لأن أحد الجانبين يريد الضغط على الآخر.
ويقول التاجر إنه من الأسهل والأكثر ربحية بيع القمح السوري في الخارج، ويضيف أن “السياسيين يجوِّعون الناس”، حسبما نقلت عنه مجلة The Economist.
وضع اقتصادي خانق
استعاد الجيش السوري معظم المدن الكبرى واستحوذ على حوالي 60% من الأرض، بعد أن كانت الأراضي التي يسيطرعليها تبلغ حوالي 30% فقط في عام 2014. لكن هذه انتصارات باهظة الثمن، إذ يعيش الاقتصاد السوري وضعاً أسوأ من أيِّ وقتٍ مضى على مدار العقد الماضي، والقمح السوري الذي كان يكفي حاجة البلاد ويفيض أصبح سلعة نادرة.
ويجري تداول الليرة السورية بحوالي 1% من قيمتها قبل الحرب بالدولار في السوق السوداء. وتدفع حكومة السورية 15 دولاراً شهرياً فقط لموظَّفي الخدمة المدنية. ويقضي الناس في أنحاء البلاد ساعاتٍ في الوقوف في طوابير للحصول على البنزين. أسباب الأزمة كثيرة، منها الحرب والفساد والقيود المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المُستجَد والعقوبات الأمريكية وانهيار البنوك اللبنانية، بينما يخبِّئ الأثرياء السوريون أموالهم. ولا يقدِّم الحليفان الرئيسيان لسوريا- روسيا وإيران- سوى القليل من المساعدة، ويعود ذلك جزئياً إلى المعاناة التي يعيشانها أيضاً.
نقل تقرير لوكالة فرانس برس الفرنسية عن مواطن سوري مقيم في دمشق عبر الهاتف قوله: “انتهت الحرب بمعنى توقف القتال والمعارك، لكن جراحنا ما زالت تنزف”، مضيفاً: “الاقتصاد هو الأزمة التي يعاني منها الجميع، لذا قد تكون الحرب انتهت عملياً، لكن المعاناة لم تنتهِ”.
إذ يعاني نحو 60% من سكان سوريا حالياً، وفق الأمم المتحدة، من انعدام الأمن الغذائي، وخسرت الليرة السورية 98% من قيمتها خلال عقد من الزمن. وقدّر تقرير لمنظمة الرؤية العالمية هذا الشهر كلفة الحرب السورية بـ1,2 تريليون دولار.
وهناك أيضاً احتجاجات بسبب الوضع الاقتصادي الخانق في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ورغم أنها لا تزال احتجاجات صغيرة الحجم ونادرة الحدوث، “لكنها قد تتزايد نتيجة الانهيار المتواصل للعملة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية دون مؤشرات إيجابية في الأفق، ويرجح أن تتزايد وتيرة الاحتجاجات لمستويات مؤثرة على النظام”.
على ماذا يسيطر النظام السوري حالياً؟
يسيطر النظام السوري حالياً على أقلّ من ثلثي مساحة البلاد، لكن نظرة فاحصة أكثر على الأوضاع تكشف مدى هشاشة تلك السيطرة من الأساس خصوصاً ما يتعلق بخريطة السيادة على حدود البلاد، وهو ما أوضحه الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش في تقرير نشره مؤخراً استنتج فيه أنّ قوات نظام الأسد “تسيطر على 15% فقط من حدود سوريا”، مضيفاً: “الحدود هي رمز السيادة بامتياز، وبطاقة أداء النظام لا تزال فارغة تقريباً على تلك الجبهة”.
وبحكم الأمر الواقع تسيطر القوات التركية والأمريكية والكردية أو المجموعات المدعومة من طهران على ما تبقى من الحدود، ويعتبر بالانش أن القوى الخارجية “تقسّم البلاد بشكل غير رسمي إلى مناطق نفوذ متعددة، وتسيطر بشكل أحادي على معظم حدودها”.
الأكراد يحاربون العربية ويلاحقون المعارضين ويبيعون القمح للعراق
وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد من سوريا، في الشمال الشرقي، تخلَّى السكَّان المحليون عن اللغة العربية مقابل الكردية، ويفضِّلون التعامل بالدولار. ويحتاج السوريون من خارج هذا الجيب الذي يهيمن عليه الأكراد الساعون إلى الإقامة إلى كفيلٍ محلي.
ولا تحب السلطات الكردية المعارضة، فتلاحق قواتهم النقَّاد والشباب، بمن فيهم العرب. وتعاني المنطقة مع بقية البلاد، لكنها على الأقل تمتلك النفط وتحظى بحماية الولايات المتحدة، وتبيع النفط والقمح السوري للعراق.
لذلك تستطيع الإدارة الكردية في سوريا دفع رواتب أعلى بكثير من تلك الموجودة في أراضي النظام السوري. وتصل المواد اللازمة من أجل إعادة البناء من الخارج. وافتُتِحَ مصنعٌ لتكرير الزيوت النباتية الشهر الماضي، مِمَّا وفَّرَ مئات الوظائف الجديدة.
ولطالما خشيت تركيا من أن يشجِّع أكراد سوريا انفصالييها الأكراد. لذلك منذ عام 2016، شنَّت تركيا هجماتٍ داخل سوريا، واستولت على الزاوية الشمالية الغربية وشرائح على طول الحدود. وطُهِّرَت هذه المناطق إلى حدٍّ كبير من الأكراد وسُلِّمَت إلى المعارضين العرب السُّنَّة الذين يشاركون الميول الإسلامية لتركيا. وتدفع تركيا رواتب المسؤولين المحليين، مِمَّا يسهِّل أيضاً إعادة الإعمار. وتستخدم الأراضي الليرة التركية وتم توصيلها بشبكة الكهرباء التي تخدم جنوب تركيا. ويشبِّه مسؤول الأمم المتحدة الوضع بشمال قبرص، التي تدخلت بها تركيا عسكرياً عام 1974 ولا تزال تحت حماية أنقرة.