تفاصيل الحرب التي أشعلتها إسرائيل في المسجد الأقصى
قبل التوقف عند أحداث الساعة التي حولت المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة إلى ساحة حرب، من المهم العودة قليلاً للوراء لاسترجاع الأجزاء المتناثرة لتلك الصورة التي قد لا تكون جديدة، لكنها أخطر كثيراً هذه المرة.
بدأت القصة في بداية شهر رمضان (الثلاثاء 13 أبريل/نيسان)، حين قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق منطقة باب العمود في البلدة القديمة وسط مدينة القدس المحتلة، وهي منطقة لها خصوصيتها لدى المقدسيين خلال شهر الصيام، حيث اعتادوا التجمع في ساحاتها ومدرجاتها لأداء صلاة التراويح وقضاء الوقت بعدها.
ومع منع قوات الاحتلال الفلسطينيين من الجلوس وتنظيم الفعاليات الرمضانية السنوية في منطقة “باب العمود”، أحد أبواب المسجد الأقصى، دون وجود سبب أو تقديم مبرر للمنع، بدأت تندلع مواجهات يومية بين فلسطينيين وقوات الشرطة الإسرائيلية، مع وجود طرف قديم جديد في القصة وهم المستوطنون من اليهود اليمينيين الذين يطالبون بقتل العرب وهدم الأقصى، وعلى رأسهم حركة “لاهافا”.
تهجير فلسطينيين من حي الشيخ جراح
وقبل الدخول في تفاصيل اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى الجمعة 7 مايو/آيار وهي “الجمعة الأخيرة” في شهر رمضان وتحمل خصوصية لدى المسلمين كافة، نتوقف عند قصة حي الشيخ جراح في القدس الشرقية لأنها طرف مباشر في الوصول لمعركة الأقصى الأخيرة.
حي الشيخ جراح هو أحد أحياء القدس الشرقية المحتلة وقررت الحكومة الإسرائيلية طرد عدد من الأسر الفلسطينية من ديارهم لصالح مستوطنين يهود، وهو ما تسبب في احتجاجات فلسطينية يومية مع اقتراب تنفيذ خطط الطرد، بعد أن أخرتها المحكمة العليا الإسرائيلية الأسبوع الماضي.
وأمس الجمعة أدى عشرات الآلاف من الفلسطينيين الصلاة في المسجد الأقصى، وظل العديد منهم في الموقع للمشاركة في احتجاج على خطط الطرد المحتملة، وركزت خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ تيسير أبوسنينة على التوتر الذي تشهده المدينة التي تقع في قلب الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بحسب تقرير لرويترز.
وقال أبوسنينة في إشارة إلى العائلات المهددة بالطرد بموجب دعوى قضائية مستمرة منذ فترة: “سوف يبقى أهلنا صامدين صابرين في بيوتهم في أرضنا المباركة”.
اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى
ومع أذان المغرب، موعد الإفطار، بدأت المعركة دون مقدمات. وهنا يقول شهود إن المكان قبل أن يبدأ الاعتداء الإسرائيلي كان يصدح بالهتافات والأناشيد الدينية والوطنية، عشرات الآلاف من المصلين يحيون الجمعة الأخيرة من رمضان؛ لكن فجأة، قوات الاحتلال الإسرائيلي قررت أن تقلب هذه الأجواء الروحانية إلى أجواء مواجهات ومعركة.
وهاجم عشرات العناصر من قوات الاحتلال المدججة بالسلاح وأدوات القمع، باحات المسجد الأقصى، وخاصة قرب بابيّ المغاربة والسلسلة، مطلقين الرصاص المطاطي وقنابل الغاز والصوت بكثافة نحو المصلين، رغم وجود أطفال وشيوخ وذوي احتياجات خاصة.
الرصاص المطاطي، لم يطل الشبان المتصدين للاعتداءات الإسرائيلية، بل أصاب صحفيين وأطفالاً وشيوخاً ومتضامنين، كما أفاد مراسل الأناضول.
وكان من بين المصابين ثلاثة من صحفيي وكالة الأناضول، على رأسهم مدير أخبار الشرق الأوسط، تورغوت ألب بويراز، الذي أصيب بجروح جراء استهدافه برصاص معدني مغلف بالمطاط، أثناء اقتحام قوات إسرائيلية باحات المسجد الأقصى، وتمت معالجته ميدانياً.
كما أصيب مصورا الأناضول، فايز أبورميلة، ومصطفى الخاروف، بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وتم نقلهما للمستشفى، حسب المصدر ذاته.
ولم تكتف قوات الاحتلال بهذه الأحداث، بل طلبت دعماً عسكرياً إلى داخل المسجد، وأغلقوا معظم أبوابه، واستعانوا بالسلاسل والجنازير حتى يغلقوا باب المصلى القبلي، الذي يعتبر المصلى الرئيسي للرجال، وبداخله الأئمة والشيوخ والأطفال والشبان.
وذهبت قوة إسرائيلية أُخرى إلى ساحة مصلى قبة الصخرة، المخصص للنساء، وأطلقت نحوهن قنابل الصوت، وحاولت إجبارهن على الخروج من باحات المسجد الأقصى.
حتى عيادة المسجد الأقصى لم تسلم من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، والتي أفزعت الممرضين والمصابين داخل غرفة العيادة، حيث أطلق الجنود قنابل الصوت داخلها، دون أي مبرر.
مخلفات المعركة في ساحات الأقصى
استمرت المعركة التي فرضتها إسرائيل على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى لساعات. معركة بين القوات الإسرائيلية المدججة بالأسلحة، والمصلين الذين جاءوا للمسجد الأقصى، حتى يعتكفوا في “الجمعة الأخيرة” من رمضان.
شظايا ومخلفات قنابل وأعيرة مطاطية، سجادات صلاة متناثرة، دماء المعتكفين المصابين تملأ الأرض. هكذا أصبح حال باحات المسجد الأقصى بعد المعركة التي استمرت لساعات، بحسب مقاطع مصورة نشرها ناشطون فلسطينيون.
كما امتلأت ساحات المسجد، بالكراسي وعكازات مسنين، وبقايا طعام وعبوات مياه وشراب وأحذية؛ والتي كانت بمثابة ذخيرة المصلين العُزّل للتصدي لقوات الاحتلال المعتدية، وفق شهود عيان.
أمّا ساحات المسجد، من ناحيته الغربية وهو الموقع الذي جرى منه الاقتحام الإسرائيلي، فكانت مليئة بالحجارة وقطع بلاستيكية ألقاها المصلون باتجاه عناصر الشرطة الإسرائيلية.
وبعد منتصف الليل انسحب العشرات من أفراد الشرطة الإسرائيلية من ساحات المسجد بعد أن أطلقوا وابلاً من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الغاز المسيلة للدموع، في واحد من أعنف الاقتحامات للمسجد منذ شهور طويلة.
وفور انسحاب عناصر الشرطة الإسرائيلية من المسجد عبر باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد، انهمك المئات من المعتكفين في الصلوات وتلاوة القرآن، وتنظيف ساحات المسجد من آثار ما قال الفلسطينيون إنه “عدوان إسرائيلي على المسجد”.
صلاة الفجر في المسجد الأقصى
ورغم العدوان والإصابات التي تسبب فيها بين المصلين وبلغت أكثر من 200 حالة إصابة، قال شهود عيان للأناضول إن “العديد من الشبان تولوا بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من باحات المسجد، تنظيف الساحات، استعداداً لاستقبال المصلين لصلاة الفجر”.
وأغلقت القوات الإسرائيلية أبواب المسجد، ومنعت الجميع من دخوله، كما اعتلت أسطح المصليات داخل باحاته، لكن المصلين الذي بقوا متواجدين داخل الحرم القدسي، أقدموا على تنظيف المسجد من آثار الاعتداءات، ودماء المصابين، بعد انتهاء المواجهات.
وأضاف شهود العيان أن المئات من المصلين أدوا صلاة قيام الليل بالمسجد، وجلس العشرات من المصلين في جنبات المسجد يتلون القرآن الكريم، ومع إعادة فتح أبواب المسجد، خرج الكثير من المصلين المعتكفين إلى الحارات القريبة بالبلدة القديمة في القدس لشراء طعام السحور.