قصة عائلة يمنية تُظهر الأثر السلبي للحرب على أطفال اليمن

0

تترك أصوات قصف مدينة تعز اليمنية عدداً لا يُحصى من اليمنيين، من الأطفال والنساء والرجال على السواء، في حالة توترٍ دائمٍ، لكن لا شيء يمكن أن يمنع حسن من اللعب في ساحة منزله، فسلوكه يكشف عن تأثير الحرب على أطفال اليمن.

وُلد حسن، الذي يبلغ من العمر 6 سنوات، بعد وقت قصير من بداية الهجوم العسكري الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. ومنذ عام 2015، كان القتال شيئاً مستمراً في مدينته تعز، وخلفية دائمة لطفولته.

وقال حسن في حديثه مع موقع Middle East Eye البريطاني: “القصف لا يخيفني. إنه بعيدٌ عند الجبهة وليس هنا”.

أما أبوه، أحمد الربوعي، فقال إنه يرى الاختلاف بين حسن وأشقائه الأكبر.

تأثير الحرب على أطفال اليمن يظهر في هذه العائلة

قال الربوعي: “لدي خمسة أطفال، خمسة منهم أكبر من حسن، لكن أصوات القصف والهجمات الجوية تخيفهم. عندما يسمعون صوت التفجيرات، يذهبون إلى المنزل أو إلى أمهم. حسن يختلف عنهم. يواصل اللعب حتى عندما يسمع صوت التفجيرات. بدلاً من ذلك يذهب إلى الخارج ليشاهد أين تسقط [القنبلة]”.

مرت ست سنوات على الحرب التي حصدت أرواح أكثر من 230 ألف شخص، وتسببت في انتشار الأمراض ووضعت اليمن على حافة المجاعة، في وضع تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وفي غضون ذلك، صار تأثير الصراع على الأطفال فاتورة حرب مخفية يُبخس قدرها ويُساء استيعابها.

“حلمه أن يهزم أصدقاءه في الحي”

قال حسن، الذي يدخل المدرسة بعد شهور قليلة، إن حلمه أن يكون مقاتلاً عندما يكبر، مثل كثير من أصدقائه.

وأضاف: “اللعب المفضل بالنسبة لي هو القتال بألعاب البنادق. أهزم كل أصدقائي في الحي”.

يعتقد سمير سعيد عثمان، وهو مدرس في محافظة تعز، أن هذا الجيل الصغير للغاية سوف يكون مختلفاً عن سابقيه، نظراً إلى أن الحرب تشكل سلوكهم وشخصياتهم.

وأوضح: “الأطفال عند الخطوط الأمامية يعيشون تحت وطأة تهديدات القصف أو الهجمات الجوية أو القتال أو الألغام، وهم يعيشون في رعب. أسمعهم دائماً يتحدثون عن أنواع الأسلحة وتهديد الألغام”.

وأضاف: “لا يمكننا دائماً أن نرى تأثير الحرب على وجوههم، لكنه واضح من كلماتهم وثقافتهم، وذلك تحديداً خطير على الأطفال”.

وقال عثمان إنه يعرف أطفالاً فقدوا أصدقاءهم أمام أعينهم، وخاصة بسبب الألغام.

وأضاف: “الأطفال على الجبهة يلعبون ببقايا المتفجرات، وأحياناً يقتلون أصدقاءهم بهذه البقايا. إنهم ليسوا مدركين لخطورة مثل هذه الأجهزة، وفي كثير من الحالات يسير الأطفال عند الخطوط الأمامية فوق الألغام، فيُقتلون ويتسببون في قتل آخرين”.

وأوضح المُدرس أن أطفاله في حاجة إلى دعم نفسي، لكن العديد من العائلات في اليمن لا يملكون المال اللازم للحصول على هذه النوعية من الخدمات.

“هذه ليست شجاعة”

أنا سعيد بأن ابني حسن “شجاع”، كان هذا تعليق الربوعي، الذي يعمل صرافاً في سوق تجاري صغير بمدينة تعز، على تصرفات ابنه الذي يبحث مواقع سقوط القنابل.

المفارقة أنه أبدى مزيداً من القلق على أطفاله الأكبر، الذين يعانون من مشكلات النوم والكوابيس بسبب القتال.

وأضاف: “وُلد حسن بعد أشهر من اندلاع الحرب في اليمن، ووجد نفسه في هذا الموقف، لذلك تكيَّف عليه، لكن أشقاءه الأكبر اعتادوا العيش في بيئة آمنة. اعتدت أن أصطحبهم إلى المتنزهات وحدائق الحيوان وكنا نخوض رحلات، ولذلك يخشون من التفجيرات الآن”.

وأردف قائلاً: “ثمة آلاف من الأطفال الذين يعيشون بالقرب من الخطوط الأمامية، وليسوا جميعهم يعانون من صدمات نفسية، بل بعضهم فقط، وأغلب الآباء لا يستطيعون اصطحاب أطفالهم إلى طبيب نفسي”.

ليس تصور الربوعي عن الموقف مختلفاً عن كثير من الآباء الآخرين، فالعديد من الآباء اليمنيين يمتدحون شجاعة أطفالهم في وجه الصراع الذي لا يتوقف، لكن الطبيبة النفسية المستقرة في تعز، نهى البيضاني تحذر من أن مثل هذا السلوك بين الأطفال يعد أحد أعراض آثار الحرب.

يفضلون العنف

قالت نهى في حديثها مع موقع Middle East Eye: “ردة فعل الأطفال على صوت التفجيرات تكون مختلفة من طفل إلى آخر، بينما يخشى بعضهم التفجيرات، فعندما تسقط القذائف يمكنك أن ترى الرعب في أعينهم، فإن آخرين يكونون عدوانيين. هذا هو تأثير الحرب”. 

عملت نهى مع منظمات مختلفة ولاحظت أن الأطفال عدوانيون، ويعكسون ثقافة العنف في حياتهم اليومية وفي ألعابهم.

وأضافت: “حاولنا أن نعطيهم ألعاباً تخلق بيئة سلمية، لكنهم يفضلون العنف، وهذا ليس إلا انعكاساً لثقافة البيئة”.

جيل فقد حواسه

أشارت نهى إلى الافتقار إلى استيعاب الصدمة بين البالغين، الذين يعانون هم الآخرون من عواقب الصراع.

وقالت: “بعض البالغين الذين يعيشون عند الخطوط الأمامية يعانون من صدمات نفسية، لكن الخطأ بالنسبة للآباء أن يتعاملوا مع ردة فعل أطفالهم على أنهم إما أطفال “شجعان” أو غير شجعان”. 

وحذرت نهى من أنه إذا لم تعالج صدمات وعدوانية الأطفال، فقد يؤثر هذا عليهم عندما يبلغون.

إذ قالت: “هذا الجيل حُرم من كل شيء، فلا تعليم جيداً ولا معاملة جيدة، ولا حتى ألعاب جيدة”.

ويرى عثمان أن الأشخاص الذين يُطلق عليهم “جيل الحرب”، ليسوا شجعاناً مثلما قد يقول البعض، بل إنهم “جيلٌ فقد حواسه بسبب الحرب”.

وقال المدرس: “عندما يأتي طفل من منطقة أكثر أماناً إلى تعز ويسمع التفجيرات، يشعر بالخوف. يعني ذلك أنه طفل طبيعي. أما هؤلاء الذين لا يشعرون [بالخوف] فقد أثرت الحرب عليهم”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.