ماذا يجري في إقليم “بني شنقول ” الأثيوبي وما علاقة مصر والسودان؟

0

تثير عودة العنف إلى إقليم بني شنقول قمز الإثيوبي الذي بني على أرضه سد النهضة تساؤلات حول أسباب الأزمة في هذا الإقليم، وعلاقة مصر والسودان بها، في ظل حديث عن خروج بعض مناطق الإقليم عن سيطرة السلطة المركزية.

وقالت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان المعينة من قبل الحكومة، مساء الأربعاء، إن جماعة مسلحة سيطرت على مقاطعة في شمال شرق إثيوبيا، وإن تقارير وردت عن ارتكابها أعمال قتل بحق مدنيين وخطف موظفين عموميين.

وأضافت اللجنة “الحكومية” أنها تلقت تقارير عن أن مقاطعة سيدال في منطقة كماشي بإقليم بني شنقول قمز “تحت سيطرة شبه تامة لجماعة مسلحة منذ 19 أبريل/نيسان 2021”. ولم تذكر اللجنة الجماعة التي تعنيها. وقالت إن المقاطعة يقطنها حوالي 25 ألف نسمة.

 قالت اللجنة في بيان “أبلغ سكان فرّوا من المنطقة لجنةَ حقوق الإنسان بأن الجماعة المسلحة أحرقت ونهبت ممتلكات عامة وخاصة، وأن إدارة المقاطعة والشرطة المحلية فرت من المنطقة، وردت تقارير أيضاً عن مقتل مدنيين وخطف موظفين عموميين”.

أزمة مستمرة منذ فترة وإقليم مهمش

وتفجر العنف العرقي في إقليم بني شنقول قمز في الشهور القليلة الماضية، وشمل ذلك هجوماً في ديسمبر/كانون الأول 2020، قتل فيه أكثر من 200 مدني، وتسكن المنطقة جماعات عرقية مختلفة، منها جوموز (قمز) وأمهرة.

وتتركز الاضطرابات في منطقة ميتيكل التي يوجد بها سد النهضة.

 ويتسم وضع إقليم بني شنقول قمز عامة بالحساسية الشديدة، باعتباره من أكثر أقاليم إثيوبيا وعورة، وفقراً، إضافة إلى أن سكانه ينقسمون بين المسلمين والمسيحيين، كما أنه متشظٍّ إثنياً على عكس أغلب الأقاليم الإثيوبية التي يسودها عادة أغلبية إثنية معينة.

المجموعات العرقية الأساسية في الإقليم هي الأمهرة 25.41% (وهي الإثنية المسيطرة تاريخياً على إثيوبيا)، بيرتا أو بني شنقول 21.69% (الذي يحمل الإقليم اسمهم وأغلبهم مسلمون)، جوموز(20.88%)، الأورومو 13.55% (القومية الأكبر في البلاد والتي ينتمي إليها رئيس الوزراء آبي أحمد).

فيما يتعلق بالدين فإن 44.7% من المسيحيين الأرثوذكس، و33.3% مسلمون، و13.53% بروتستانت، و7.09% يمارسون المعتقدات التقليدية، حسب ويكيبيديا، بينما تفيد تقارير أخرى بأن نسبة المسلمين والمسيحيين متساوية تقريباً.

وسد النهضة الإثيوبي يقام في هذا الإقليم، على النيل الأزرق، حيث يقع على بعد حوالي 40 كم شرق السودان. 

وتفيد العديد من التقارير بأن الإقليم كان جزءاً من السودان، ووفقاً لهذه التقارير فلقد ضم هذا الإقليم لإثيوبيا وفقاً لاتفاقية معاهدة 1902، التي تُلزمها بعدم إقامة مشاريع على النيل الأزرق دون موافقة مصر والسودان؛ حيث كان إقليم “بني شنقول” ذا أغلبية مسلمة، ولم يخضع من قبل لسلطان أباطرة الحبشة، وكان جزءاً من مملكة الفُونج المسلمة في الفترة بين (1504-1821).

وعانى سكان الإقليم الأصليون، خاصة القمز أو جوموز، من تهميش تاريخي، إذ إن إثيوبيا قامت تاريخياً على هيمنة أقوام المناطق المرتفعة، (خاصة الأمهريين) على المناطق المنخفضة، وخلال عقود تعرض القمز لهجمات من سكان المناطق المرتفعة، وسيطروا على المناطق المنخفضة، وكانت المنطقة تتعرض تاريخياً لضغوط من الإمبراطورية الحبشية والقبائل العربية في السودان، واليوم يشكو السكان من منح أراضي الأقاليم الخصبة للمستثمرين الأجانب.

وقوميتا بني شنقول وكذلك الجوموز (الذين يعتقد أنهم طرف في العنف الذي يحدث) شعبان زنجيان، عكس أغلب شعوب الهضبة الإثيوبية، الذين ينتمون للسلالات الأفروآسيوية.

ووفقاً لروايات الجوموز فلقد تم استعبادهم تاريخياً من قبل الأمهرة، وغيرهم من شعوب الهضبة الإثيوبية القوية، علماً بأن العبودية لم تختفِ في إثيوبيا حتى الأربعينيات من القرن العشرين، وتم العثور على أحفاد شعب الجوموز الذين تم أخذهم كعبيد إلى مناطق أخرى في عام 1984.

واجهت المنطقة تحديات كبيرة للتنمية الاقتصادية، بسبب نقص البنية التحتية للنقل والاتصالات، فالنيل الأزرق يقسم منطقة بني شنقول-جوموز، ولم يكن هناك جسر يعبره حتى عام 2012.

الأطراف المتورطة في العنف

من الواضح أن العنف بالأساس في الإقليم يدور بين السكان الأصليين، وخاصة الجوموز، وبين هؤلاء الذين ينظر إليهم على أنهم وافدون من الأمهرة والأورومو والشناشا.

واجتاحت موجة من مذابح الإبادة الجماعية منطقة ميتيكل، ما تسبب في كارثة إنسانية خلّفت مئات الآلاف من النازحين، وقتل وجرح الآلاف، مع حرق منازلهم ودمار سبل عيشهم.

وبينما بدأت الاضطرابات في عام 2019، فلقد تسارعت المجازر في الأشهر الثلاثة الماضية من خلال هجمات وسقوط قتلى يومياً، حسب ما ورد في تقرير لموقع Harvard politics.

 ويشير التقرير إلى قصص وصور تُظهر مذابح قاتمة ومثيرة للقلق بشكل لا يوصف، فالمهاجمون المسلحون يتنقلون من منزل إلى منزل لتحديد عرق الأسر، والذبح، فهناك جثث منزوعة الأحشاء، وتم العثور على جثث منزوعة الأعضاء، والأطفال يموتون أثناء محاولتهم الهرب بالسهام المعلقة على ظهورهم، وتشتعل النيران في منازلهم، وتُقتل الأمهات أثناء احتضانهن لأطفالهن، وييتم الأطفال، ويتم تدمير المحاصيل وسبل العيش، وإجهاض الأجنة من رحم النساء.

ويحوط قدر كبير من الغموض هذه الهجمات التي تستهدف المدنيين بالأساس.

وتفيد بعض التقارير بأن الأمهريين هم ضحايا عمليات التطهير العرقي التي تنفذها ميليشيات من السكان من القمز، لأنهم ينظرون للأمهريين والأورومو وغيرهم على أنهم غرباء عن المنطقة.

في المقابل، يقول الناشط الحقوقي من بني شنقول، نيلسون ناصر لموقع “حفريات“: “بيانات الحكومة الإثيوبية غير صادقة، فهيتريد اتّهام شعب بني شنقول بارتكاب جرائم عرقية لتبرير الحملة العسكرية التي تقوم بها من أجل السيطرة على المنطقة، من شمال الإقليم حتى سدّ النهضة، وتوطين مواطنين من الأمهرة في تلك المنطقة، ونحن لم نرَ هذه الجثث التي يتحدثون عنها، ولو افترضنا أن هناك قتلى فمن المرجح أنّهم من عناصر الجيش”. وقد يكون جزء من الأزمة تعقد العلاقة بين الحكومة الإقليمية التي تبدو أميل للقمز وبين الحكومة الفيدرالية التي تميل للأمهريين الأورومو.

دور مصر والسودان

سبق أن اتهمت لجنة برلمانية إثيوبية السودان ومصر بـ”الوقوف خلف أعمال عنف في إقليم بني شنقول”.

وقال بيان صادر عن البرلمان الإثيوبي، في مارس/آذار الماضي، إن اللجنة التي شكلها البرلمان قدمت تقريراً بشأن مهمتها حول التحقيق بأعمال العنف بمنطقة ميتيكل، والتي أسفرت عن مقتل المئات، أوضحت أن تلك الأعمال “تم دعمها من قبل السودان ومصر، وفق نتائج التحقيق التي ذكرتها اللجنة”.

وأضاف أن التحقيقات التي أجروها بإقليم بني شنقول حول هذه الأعمال أثبتت أيضاً تلقي المسلحين المتورطين في أعمال عنف تدريبات وأسلحة غير مشروعة على الحدود السودانية.

وأفادت تقارير بأن موقعي Facebook وInstagram أزالا مؤخراً أكثر من عشرة حسابات وصفحات على منصاتهما، تابعة لشركات مصرية، لانتهاكها السياسة ضد التدخل الأجنبي وشن حملة منسقة غير حقيقية تستهدف إثيوبيا (إضافة لدول أخرى تشمل تركيا، والسودان).

ويقول موقع Harvard politics إنه على الأرض، تقدم الحكومة المصرية دعماً نقدياً وعسكرياً ودبلوماسياً لقوات المتمردين الإثيوبية المسلحة وغير المسلحة، للتحريض على عدم الاستقرار، دون أن يقدم دليلاً على ذلك. 

وكان تقرير لموقع “مدى مصر” قد سبق أن ذكر أن السودان قد قاوم ضغوطاً مصرية لدعم جبهة تحرير تيغراي ضد الحكومة الإثيوبية، في الحرب التي وقعت شمال البلاد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. 

حقيقة الوضع في بني شنقول

 يبدو الوضع شديد الغموض في إقليم بني شنقول، بالنظر إلى عزلة الإقليم الجغرافية وتعقد تركيبته السكانية.

ولكن من الواضح أن الحكومة الإثيوبية تمتلك اليد العليا في رواية الأحداث، وجزء من ذلك عبر ما يعرف بلجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، والتي تبدو من اسمها كأنها مستقلة، بينما هي تابعة للدولة.

كما أن المعلومات عن الدعم المصري والسوداني للمتمردين تأتي في الأغلب من جانب أديس أبابا، ولم يصدر عن أي جهة محايدة.

ويُظهر رصد المتابعات المحدودة للأحداث أن هناك محاولة لإظهار أن الأمهريين هم ضحايا القمع في الإقليم، وسط اتهامات للحكومة بعدم حمايتهم، وهو أمر يصعب معرفة هل هو صحيح أم خطأ.

ولكن قياساً على ما حدث في منطقة تيغراي، فإن الأمهريين كانوا حلفاء الحكومة في الحرب ضد الإقليم، والتي شهدت انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين من قبل الحكومة وحلفائها الإريتريين.

الأمر الذي يثير تساؤل كيف للنظام الذي حسم الحرب في تيغراي الذي يعد من أقوى أقاليم إثيوبيا، بقسوة، وفي وقت وجيز فاجأ المتابعين، أن يفشل في حسم تمردٍ محدود في إقليم أصغر حجماً، وغير متجانس سكانياً، (عكس تيغراي).

وهل النظام الإثيوبي الذي لجأ للإريتريين، وسمح لهم باغتصاب النساء التيغراينيين كما وثقت تقارير دولية، لا يستطيع حماية حلفائه الأمهريين في إقليم صغير مثل بني شنقول، أمام أقليات مثل القمز قليلة العدد.

أم أن النظام يحاول أن يروّج بأن هناك تصفية عرقية تستهدف الأمهريين والأرومو في بني شنقول، تمهيداً لشن حرب على الإقليم، حرب قد تتضمن مصادرة أراضي السكان التي ستصبح أكبر قيمة بعد الانتهاء من سد النهضة، خاصة أن هناك حديثاً عن بيع محتمل لأراض زراعية حول السد لمستثمرين أجانب وعرب.

وفي هذا الإطار، فإن إعلان لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية عن خروج مناطق من إقليم بني شنقول يبدو غريباً.

ففي مثل هذه الأنظمة لا تتطوع الجهات الحكومية بالكشف عن خسارتها مبكراً، فلقد كان يمكن للجيش الإثيوبي التدخل واستعادة المنطقة قبل هذا الإعلان المثير للارتباك.

ولكن هذا الإعلان قد يشير إلى أهداف أخرى، وقد يكون منها تخويف داعمي وممولي السد الخارجيين، والذين يتوقعون تحقيق أرباح منه، من مؤامرة مصرية وسودانية مزعومة، تتطلب مزيداً من الدعم العسكري والاقتصادي لإثيوبيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.